حتى الساعة التاسعة من صباح يوم السبت، لم تكن لدى القيادات العراقية أي فكرة عن موعد بدء الهجوم البري لاستعادة الساحل الغربي لمدينة الموصل على الرغم من انتهاء عملية التحشيد البري منذ أيام وعلى سبعة محاور مختلفة، والتي أدت إلى عزل الساحل الغربي عن محيطه الخارجي. إلا أن عوامل سياسية داخلية وخارجية دفعت برئيس الحكومة، حيدر العبادي، إلى إعطاء الأمر للقوات العراقية، أمس الأحد، بالتحرك البري وتنفيذ الهجوم لتحرير الموصل من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
ووفقاً لمصادر عراقية رفيعة في الحكومة، قدّم العبادي "حزمة تعهدات جديدة للأميركيين مقابل دعم الهجوم والمساعدة على تحرير الشطر الثاني من مدينة الموصل"، بحسب ما أكد وزير عراقي بارز في حكومة العبادي، موجود حالياً في أربيل. وقال الوزير لـ"العربي الجديد" إن "التعهدات سياسية تتعلق بملفات عدة أبرزها إعادة جميع السكان إلى مناطقهم المحررة من قبضة التنظيم ومنع حدوث أي تغيير ديموغرافي تنفذه مليشيات الحشد الشعبي المدعومة من طهران"، بحسب تأكيده. وأضاف أن تعهدات العبادي تتعلق أيضاً بوجود "الحرس الثوري الإيراني" في العراق ونشاطه العسكري، فضلاً عن ملفات سياسية أخرى، وفق قوله. وأكد الوزير العراقي أنه "بدون غطاء أميركي ستكون مهمة استعادة الموصل بشكل كامل صعبة وستكون الخسائر مضاعفة جداً والمعركة طويلة قد تستمر لأشهر طويلة كما أن هناك ستة مدن أخرى شمال وغرب البلاد تعهد الأميركيون بتوفير الغطاء للقوات العراقية لدخولها، أبرزها البعاج وتلعفر والقائم والحويجة"، بحسب قوله. ولفت إلى أن "موعد الهجوم كان مقرراً بعد الانتهاء من نصب الجسور على دجلة وهو ما لم يحدث حتى الآن، لكن العبادي أراد أيضاً أن ينهي ضغط زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي هدد بتظاهرات مليونية في حال لم يتم حل مفوضية الانتخابات".
وبالعودة إلى الهجوم البري، فقد حصلت "العربي الجديد" على تسريب من قيادة العمليات المشتركة في بغداد تؤكد مشاركة 52 ألف مقاتل من بينهم 29 ألفاً يخوضون معارك فعلية وتقدم على مختلف المحاور. أما بقية المشاركين فيقومون بمهام إسناد بالخطوط الخلفية، كما تشارك ستة فصائل من مليشيات "الحشد الشعبي" بالهجوم عبر محورين بعد دمجها مع قوات الفرقة السادسة عشرة وقوات اللواء الرابع بالشرطة الاتحادية، وهما محورا حاوي الكنيسة والنهروان شمال غرب وغرب الموصل حيث الطريق مباشر إلى الأراضي السورية.
وتشارك قوات الجيش العراقي بفرقتين عسكريتين وقوات الشرطة الاتحادية وقوات جهاز مكافحة الإرهاب وقوات التدخل السريع وقوات المهام الخاصة التابعة لوزارة الداخلية، إضافة إلى مليشيات "الحشد الشعبي" بواقع ستة فصائل هي: "حزب الله العراقي" و"الخراساني" و"النجباء" و"بدر" و"العصائب" و"الإمام علي". ومن المرجح أن تشارك فصائل أخرى في العمليات البرية. وفي ما يتعلق بالعمليات الجوية، تشارك طائرات "التحالف الدولي" بالقصف الجوي والمراقبة من خلال أربعة دول هي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكندا، فضلاً عن مشاركة مدفعية أميركية وأخرى فرنسية ووحدة قتالية من الكوماندوس الأميركي لم تشارك حتى الآن بأي مهام قتالية. ويشار إلى أنه تم استبعاد "قوات حرس نينوى" المشكلة من أبناء المحافظة وعشائرها المتطوعة وكذلك استبعدت قوات "البشمركة" الكردية، بحسب ما تشير إليه تفاصيل الخطة التي حصلت عليها "العربي الجديد".
وتأتي العملية بعد نحو أربعة أسابيع على انتهاء معارك الساحل الشرقي بسيطرة القوات العراقية المشتركة على الساحل الشرقي. واستغرقت العملية 103 أيام، وتكبد الطرفان (القوات المشتركة وتنظيم "داعش") آلاف القتلى والجرحى، فيما سقط أكثر من 10 ألاف مدني بين قتيل وجريح بفعل القصف والمعارك والمفخخات التي فجرها التنظيم داخل الأحياء السكنية. وتشير الخطة إلى وجود سبعة محاور للهجوم على الشطر الغربي للموصل، وهي محور حاوي الجوسق ومحور معسكر الغزلاني (جنوب غرب) ومحور تل الرمان، ومحور وادي عينه (غرب) ومحور نهر دجلة (شرق)، ومحور النهروان وحاوي الكنيسة (غرب وشمال غرب). وتظهر أن عدد مقاتلي "داعش" يقدر بنحو 3 آلاف مقاتل غالبيتهم عراقيون وسوريون والقلة الباقية من جنسيات عربية وآسيوية وأوروبية، لا سيما أولئك الذين أتوا من دول المغرب العربي والشيشانيين والطاجيك. وأكدت مصادر خاصة داخل الساحل الغربي للمدينة وجود نحو 600 ألف مدني في أحياء الساحل الغربي البالغ عددها 59 حياً وضمن منطقة سكنية بمساحة تقدر بنحو 30 كيلومتراً.
وأضافت أن التنظيم بات يعتمد على العمليات الانتحارية والكمائن كخطوط صد أولى مرجحة إمكانية الوصول إلى حدود أول الأحياء السكنية خلال أيام قليلة. في المقابل، رصدت "العربي الجديد" تحقيق القوات العراقية تقدماً واضحاً في يومها الأول من المعارك بعد غطاء جوي كثيف لـ"التحالف الدولي"، مهّد لها التحرك بسرعة والسيطرة على مناطق عدة بالموصل.
ويقدر أن عدد الذين قتلوا من المدنيين في هذا الساحل من المدينة هو الأكبر بين مدن عراقية عدة، حيث ارتكب "داعش" جرائم قتل جماعية بحق العشرات من السكان بتهم مختلفة من بينها الردة والعمالة وانتهاك الشريعة أو الانتماء لـ"الإخوان المسلمين" والمشاركة في الانتخابات السابقة والعمل مع قوات الأمن وتهم أخرى متنوعة تصل إلى 20 نوعاً من الاتهامات التي تفضي بصاحبها للقتل بطرق مختلفة تبدأ بإطلاق النار ولا تنتهي بقطع الرؤوس والحرق والإغراق والتفجير وتقطيع الأطراف.
وعلقت النائبة في البرلمان العراقي عن مدينة الموصل، انتصار الجبوري، على منح رئيس الوزراء تعهدات للجانب الأميركي لقاء دعم معركة استعادة الشطر الغربي للمدينة، قائلةً إن "الحديث عن تقديم العبادي تنازلات لواشنطن لتوفير الدعم الجوي للقطعات العراقية، لا يعنى به تنازلات بقدر ما هي مسؤولية ملقاة على واشنطن، لأنّها ملتزمة مع العراق باتفاقية الإطار الاستراتيجي"، مشددةً على أنه "يجب على واشنطن تقديم الدعم اللازم للعراق وفقاً للاتفاقية تلك"، بحسب قولها. وأكدت "قدرة القوات العراقية على حسم معركة الساحل الغربي للموصل"، وفق تعبيرها. وقالت لـ"العربي الجديد" إن "القطعات العراقية وبعد انتهاء معركة الساحل الشرقي استعادت نشاطها بشكل كامل، وأنها استعدت استعداداً كاملاً لخوض المعركة". وأشارت إلى أنه "على الرغم من هذه الاستعدادات فإن المعركة في هذا الجانب لن تكون بالسهولة المتوقعة لأن المنطقة ذات شوارع ضيقة ومنازل قديمة متهالكة"، على حد وصفها. ودعت القطعات العراقية إلى "الحفاظ على المدنيين خلال القصف والقتال"، كما دعت الأهالي إلى "التعاون مع القطعات المقاتلة ودعمها بكل ما يستطيعون".
الموت جوعاً
على الصعيد الإنساني، ذكرت مصادر محلية في الجانب الغربي للموصل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما لا يقل عن 30 مدنياً بينهم 7 أطفال قتلوا بالقصف الجوي والصاروخي الذي بدأ منذ فجر أمس الأحد، على مناطق عدة في الساحل الغربي. وأضافت أن ذلك حصل بالتزامن مع انقطاع المياه والكهرباء عن جميع الأحياء السكنية واتساع رقعة الجوع في الأحياء السكنية حيث دخل حصارهم شهره الرابع على التوالي. ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن عدداً من الوفيات وقعت خلال الأيام الماضية بسبب الجوع ونقص التغذية وانعدام الأدوية.
ويعد الجانب الغربي من الموصل المعروف محلياً بالجانب الأيمن، آخر معاقل تنظيم "داعش" في الموصل، كما أنه الأكثر صعوبة من حيث التضاريس. وعلى الرغم من أن مساحته أصغر من مساحة الجانب الشرقي إلا أنه أكبر من حيث الكثافة السكانية ويعتبر نواة المدينة التاريخية (الموصل القديمة)، والتي تحوي على معالم وآثار قديمة قبل الإسلام وبعده وهي نفسها التي فشل القائد الصفوي نادر شاه في حصارها عام 1743 ميلادية إبان الحملة الصفوية على العراق. ويرتبط الجانب الأيمن للمدينة بشبكة طرق دولية مؤدية إلى سورية وبغداد، إضافة لمدن غرب الموصل مثل تلعفر وسنجار وربيعة، وتحوي على أحد أبرز معالمها وهي المنارة الحدباء التي سميت الموصل باسمها (الموصل الحدباء). ويحوي هذا الجانب أيضاً على مطار الموصل الدولي، ومدينة الطب وكلية الطب وجامع النوري الأثري ومبنى المحافظة ومجمع المحاكم والفندق الرئيس بالمدينة.
ويؤكد مراقبون وسكان محليون في الموصل أن أبرز المخاطر التي تواجه أهالي الساحل الغربي هو الجوع الذي وصل إلى مستويات قياسية في هذا الجانب من المدينة، فضلاً عن القصف الجوي والصاروخي والمفخخات التي يستخدمها "داعش" في حال تحول القتال إلى حرب شوارع بسبب الكثافة السكانية في هذا الجانب.