لم يسبق أن عاشت الجماهير الجزائرية التواقة للكرة الجميلة حالة من "الهيستيريا" كالتي تعيشها حالياً على وقع ما يفعله نجم ليستر سيتي رياض محرز، سوى في حالات نادرة على مرّ التاريخ.
وباختلاف الحقبات وقوة الإعلام الرياضي، فإن الساحر رياض جلب إليه الأضواء بشكل مثير للدهشة، مما جعله في مقام لاعبين صنعوا تاريخ كرة القدم الجزائرية بالقارة العجوز.
وأضحى أفضل ممرر في ليستر سيتي ينافس نجوما جزائريين كبارا في صورة أسطورة الخمسينيات رشيد مخلوفي، تحت ألوان نادي سانت إيتيان، ومصطفى دحلب نجم باريس سان جيرمان في السبعينيات، ورابح ماجر الذي سطع نجمه في بورتو البرتغالي خلال الثمانينيات، والمايسترو علي بن عربية، الذي تألق في موناكو وبوردو ثم باريس سان جيرمان قبل مانشستر سيتي.
مخلوفي ربط الجزائريين بالراديو وصحف ما وراء البحار
من دون شك، يعد رشيد مخلوفي من أوائل اللاعبين الجزائريين الذين سجلوا أسماءهم في تاريخ الكرة بفرنسا وفي أوروبا بأحرف من ذهب، حيث توج رشيد، البالغ حالياً 79 سنة، بأربعة دوريات مع نادي سانت إيتيان الذي كان له وزن في أوروبا في تلك الفترة.
وسجل مخلوفي، الذي ولد بمدينة سطيف الجزائرية، نحو 150 هدفاً في 9 سنوات مع الأخضر الفرنسي، وحاز على الكأس الفرنسية سنة 1968، وشارك عدة سنوات في الدوريات الأوربية، كما لعب مخلوفي لمنتخب فرنسا أربع مرات قبل ثورة التحرير الجزائرية.
وتابعت الجماهير بالجزائر مباريات مخلوفي عن طريق الراديو، وكانت مباريات سانت إيتيان توقف الحياة بالجزائر سواء في فترة الاستعمار أو بعد الاستقلال. كما كانت الصحف القادمة من وراء البحر تلقى رواجاً كبيراً في الجزائر في كل مرة تتحدث فيه الصحافة عن مخلوفي.
دحلب الفنان، غازل الباريسيين وكسب ود كل الجزائريين
ثاني لاعب صنع الحدث بالجزائر، حين كان يدافع عن ألوان ناديه في فرنسا، هو مصطفى دحلب، الذي انتقل إلى باريس سان جيرمان صيف 1974، بعد خمس سنوات قضاها في نادي سيدان ليستحوذ على قلوب الباريسيين بفنياته العالية، مما جعل فرنسا تضعه على صفحات المعجم "لاروس" لتفسير معنى المراوغات بلغة فولتير.
وتمكن دحلب البالغ حالياً 64 سنة من تسجيل 98 هدفاً مع نادي عاصمة النور، خلال عشر سنوات لعبها في الدوري الفرنسي تحت ألوانه، ليصبح الهداف التاريخي للنادي، قبل أن يحطم زلاتان إبراهيموفتيش أرقامه هذا الموسم.
وكانت الجماهير الجزائرية تتابع أسبوعياً مباريات "موموس" عن طريق الإذاعات الفرنسية، وتنقل القناة العمومية الجزائرية ملخصات تلفزيونية أسبوعية عن مباريات باريس، لكن المجلات الفرنسية مثل ليكيب وفرانس فوتبول وأونز ومونديال، التي كانت تسوق بكثرة في أغلب مدن الجزائر تحولت إلى مصدر إعلامي كبير للجزائريين، لا سيما في سنتي 82 و83، حين رفع دحلب كأسي فرنسا من بين يدي الرئيس الراحل فرانسوا متيران.
ماجر أوقف الحياة في الجزائر وحولها إلى مقاطعة برتغالية
لعل تتويج رابح ماجر بأول كأس أوروبية مع نادي بورتو البرتغالي، جعل بلد المليون ونصف مليون شهيد يتابع يوميات صاحب الكعب الذهبي بشكل مفرط، فبفضل التطور التكنولوجي في الثمانينيات، أصبح جزائريو الشمال وخاصة القريبين من السواحل الغربية المطلة على إسبانيا والبرتغال يلتقطون صورا من القنوات البرتغالية والإسبانية، ليسجلوها على أجهزة الفيديو، ويعاد بثها في المقاهي، أو يتم بيعها في السوق السوداء لمن يريد الاستمتاع بمراوغات وأهداف ماجر الفنان.
واستثمر الكثير في نسخ مباريات بورتو وبثها في المقاهي والأماكن العمومية لتنشيط التجارة المحلية. وبقي الشعب الجزائري متعلقاً بنادي بورتو طوال المواسم الستة التي قضاها رابح في هذا النادي، منذ صيف 1985، حيث كان أول جزائري يتوج بكل ألقاب القارة العجوز من كأس أبطال أوروبا وكأس السوبر وكأس القارات سنة 1987.
وسجل ماجر البالغ حالياً 57 سنة، أكثر من 50 هدفاً في 108 مباريات لعبها مع بورتو، وظفر رابح بـ8 ألقاب برتغالية جعلت بورتو أشهر نادي برتغالي يعشقه ملايين الجزائريين.
بن عربية حول أنظار الجزائريين من البرتغال إلى إنجلترا
سطع نجم عدد كبير من اللاعبين الجزائريين في أوروبا هنا وهناك خلال التسعينيات، إلا أن الجماهير الجزائرية انتظرت صعود علي بن عربية، حيث وصل إلى القمة في فرنسا وإنجلترا، لتتحول أنظار الملايين من الجزائريين نحو "الساتل" لمتابعة يوميات قائد موناكو ثم بوردو وباريس سان جيرمان عبر برامج الفضائيات الفرنسية ذات الرواج الكبير.
وتمكن بن عربية، البالغ حالياً 47 سنة، من خطف كل الأنظار في الجزائر مطلع سنة 2000 بعدما صنع الحدث في فرنسا وهو يقود موناكو إلى لقب الدوري بفضل أهدافه الـ12، وتمريراته الحاسمة إلى الشاب تيري هنري، ليعيد نفس السيناريو مع بوردو ويتوج بالدوري الفرنسي ليخطفه مسيرو باريس سان جيرمان، ويمنحوه شارة القائد ليلعب بجانب النجم نيكولا أنيلكا، الذي سجل أهدافاً كثيرة بفضل تمريرات بن عربية الحاسمة.
وبمجرد أن التحق بالمنتخب الجزائري في 2001 ، بعد جدل مع الاتحاد الفرنسي، انتقل بن عربية إلى مانشستر سيتي، وسجل 11 هدفاً، وهزم الجار مانشستر يوناتيد بمخالفاته الخرافية، هذا الأمر دفع الشارع الجزائري إلى اكتشاف الدوري الإنجليزي مع بن عربية، فأصبحت مباريات السيتي في الفضائيات المشفرة أو المفتوحة، موعداً لجميع عشاق الكرة الجميلة لرؤية ما يفعله في إنجلترا.
محرز حطم كل الأرقام ومحل حديث في مجالس الحكومة
وباختلاف الظروف والأماكن، حطم رياض محرز كل أرقام المشاهدات التلفزيونية لمباريات ليستر سيتي في الجزائر، وأصبحت مواعيد مباريات "الثعالب" حديثا في المساجد والمقاهي والمدارس والجامعات، وحتى في مجلس الحكومة بين الوزراء، "فمحرز مانيا" ظاهرة حقيقية تنامت في الجزائر بفضل مراوغات وتمريرات وأهداف ابن مدينة سارسيل الباريسية، الذي يعد حالياً الرجل رقم واحد في الجزائر.
ومن دون شك فإن لعب الإعلام الرياضي المكتوب والمرئي دوراً كبيرا في ارتفاع نسبة متابعة مباريات ليستر سيتي لدى الجزائريين، فلا توجد يومية تصدر في "الأكشاك" لا تتحدث عن محرز، ونشرات الأخبار الرياضية تفتتح عادة بما فعله رياض أو ما قاله عنه الآخرون.
كما أن بث مباريات ليستر على "بي إن سبورت" بتعليقات عربية مختلفة أثر كثيراً في الشارع الجزائري إلى درجة أن بعض أئمة المساجد تحدثوا عن ظاهرة تعلق الشباب الجزائري بنجمهم محرز بإيجابياتها وسلبياتها.
وانفجرت حناجر 5 ملايين جزائري صراخاً عندما سدد رياض بيسراه السحرية أول من أمس في مباراة واتفورد، مسجلا هدفه الـ15 في الدوري هذا الموسم، ثم خشي الملايين وهم يشاهدون رياض يمسك ركبته خوفاً من تعرض نجمهم للإصابة، قبل أن يأتي المدرب رانيري ويطمئن جماهير ليسترسيتي ومعهم ملايين الجزائريين على صحة مدللهم، فمحرز تحول إلى أوكسجين الجزائر.
اقرأ أيضاً:ملاكم كندي يفقد حياته في الإمارات!