تأتي قمة برلين التي عقدت أخيراً بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرؤساء، الفرنسي فرانسوا هولاند، والروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني بترو بوروشنكو، بشأن الأزمة الأوكرانية والصراع السوري، لتسجل نقاطاً لمصلحة الدبلوماسية الألمانية في توقيت حرج دولياً. وتعكس القمة الدور الذي من الممكن أن تؤديه ألمانيا كوسيط من أجل الاستقرار بعد تعثر المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا مراراً، وإلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً في باريس بين الرئيسين هولاند وبوتين، في وقت فضلت فيه برلين التريث في فرض عقوبات جديدة من قبل الاتحاد الأوروبي على روسيا.
ويرى خبراء في الشؤون السياسية الأوروبية أن ما ينطبق على متانة الاقتصاد الألماني ينسحب على حضور برلين السياسي، ولا سيما أن السياسة الخارجية الألمانية تتمتع بقدر كبير من الثقة وبالمسؤولية على المستويين الأوروبي والدولي. وهو ما يساعدها على أداء دور مهم كوسيط من أجل الاستقرار في أوروبا. ويعتبر هؤلاء أن المستشارة الألمانية من جهة ووزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير من جهة ثانية يملكان ما يكفي من الرصانة والحنكة لمقاربة الملفات الشائكة والحساسة. ويستمدان ذلك من الحضور الذي حققته ألمانيا خلال العقد الأخير على مستوى العالم، وكذلك من مشاركتها في مفاوضات شاقة وفي أكثر من ملف.
وفي السياق، برهنت ألمانيا عن صدقية عالية في التعاطي، ما جعلها أحد أهم الشركاء الثابتين في إدارة النزاعات، ومنها الأزمة الأوكرانية والملف السوري والنووي الإيراني، وملف الأمن واللاجئين في أوروبا، فضلاً عن موقفها من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، يبدي مسؤولون أوروبيون قناعتهم الكاملة بروسيا شريكاً استراتيجياً لأوروبا، مع إعطائهم الأولوية والانحياز لأوكرانيا. ويطالبون الاتحاد الأوروبي بالكف عن تقديم بيانات لا قيمة لها، والمساهمة أيضاً في إنهاء أمد الموت اليومي في سورية. لكن هؤلاء يقرون بعدم قدرة الاتحاد على التأثير المباشر على موسكو. وهذا ما سبق أن عبر عنه صراحة في حديث صحافي، سفير الاتحاد الأوروبي السابق في سورية، مارك بيريني، قائلاً إن الخوف يبقى من أن تعرّض العقوبات محادثات السلام السورية للخطر، وعليه فإنه من الأفضل اعتماد السبل الدبلوماسية.
وفي هذا الإطار، يلفت محللون إلى ضرورة التعامل مع روسيا بحذر، وإبقاء خيارات دول الاتحاد مفتوحة، منها موضوع العقوبات، مع أن هذا الخيار هو مدار جدل واسع في أوروبا. ولم يتم الاتفاق على فرض حزمة إضافية من العقوبات على روسيا، خلال القمة الأوروبية الأخيرة. ويعزو محللون ذلك لاعتبارات عدة. ومن بينها أن العقوبات الغربية لم تعد تخيف موسكو بعدما تعايشت مع ضغط تأثيراتها الاقتصادية واستطاعت التصالح معها نسبياً، على الرغم من تعثر الروبل الروسي وتراجع الأعمال التجارية الدولية مع البنوك الروسية، وزيادة القيود أمام وصول روسيا إلى أسواق رأس المال الدولية. وتجسد ذلك في انكماش الاقتصاد عام 2015 بنسبة 3.7 في المائة، واستمر مع تجديد العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2017.
اقــرأ أيضاً
وفي ضوء ذلك، يشدد خبراء في الشؤون الخارجية الأوروبية على ضرورة منع روسيا من الاستمرار في دعم قوات بشار الأسد عبر مقاتلاتها الحربية وقصفها المدنيين في حلب. ويبدون أسفهم تجاه موقف الاتحاد الأوروبي المتقاعس والمتردد والحائر بشأن تشديد العقوبات على روسيا. ويأملون في ألا يكون الحديث عنها من المحرمات، في وقت ترسل فيه موسكو أسطول الشمال إلى شرق المتوسط، وذلك في أكبر تحرك عسكري روسي منذ انتهاء الحرب الباردة.
في المقابل، يدافع وزير الخارجية الألماني عن موقف التكتل الأوروبي من العقوبات. ويلفت، بحسب حديث له في مقابلة تلفزيونية أخيراً، إلى أن العقوبات ليست هدفاً بحد ذاته وأن الأولوية للمحادثات من أجل الوصول إلى تسوية سلمية، رافضاً فكرة العقوبات الإضافية لأن رفع الحصار (عن حلب) هو الأهم. ويشير إلى أن العقوبات لا تساعد الشعب السوري، والهدف هو تأمين الممرات الإنسانية في حلب والسعي لوقف دائم لإطلاق النار. وفي السياق نفسه، يعتبر مفوض الشؤون الروسية في الحكومة الألمانية، الذي ينتمي لحزب ميركل، في حديث صحافي، أن العقوبات غير مجدية ولم تؤد إلا إلى زيادة التصعيد العسكري والعناد والتشدد في الموقف الروسي، وأنها لن تغير شيئاً في السياسة الخارجية الروسية، إنما ستزيد من حدة التوتر وتدهور الوضع في كل من أوكرانيا وسورية.
وفي ما يتعلق بإمكانية ربط الملف الأوكراني بالنزاع في سورية، يأمل المتابعون بأن ينجح صناع القرار في العالم، وفي مقدمتهم ألمانيا، بالحد من التصعيد، وربما التقدم بخطوات ثابتة لإعلان وقف لإطلاق النار، إذا ما تم تنفيذ اتفاق مينسك للسلام في شرق أوكرانيا (أبرم في فبراير/شباط 2015). ويعتقد هؤلاء أن ذلك قد يتحقق لأنه ستكون لموسكو استفادة مباشرة، منها رفع العقوبات الاقتصادية ووصول الغاز الروسي إلى أوروبا. وبالتالي على الاتحاد الأوروبي ممارسة الضغط على كييف لتطبيق الاتفاق قبل انسحاب الانفصاليين، والقبول بحكم ذاتي عملاً بالمطلب الروسي. وعندها يصبح من غير المستبعد أن ينسحب هذا الحل على النزاع القائم في سورية. ومن الممكن أن تستجيب موسكو للمطلب الأوروبي بوقف العمليات والعمل لبلورة حل سياسي من خلال المفاوضات المتعلقة بالملف السوري، على أن تستكمل ألمانيا دورها أيضاً كوسيط بين روسيا وحلف شمال الأطلسي وأوكرانيا.
الخيار العسكري غير مستبعد
في المقابل، يلفت خبراء أمنيون إلى ضرورة عدم التراخي والتقصير في تجهيز الجيش الألماني. ويطالبون بتعزيز القدرات العسكرية الألمانية وبضخ المزيد من الأموال في ميزانيته، على الرغم من مناهضة برلين للأعمال الحربية. ويبررون ذلك بالقول إن العالم قد تغير، وعلى برلين مواجهة التحديات بجدية.
ويعتبر الخبراء أنفسهم أن هناك مخاوف فعلية من أن تضطر ألمانيا إلى الاعتماد على الخيار العسكري، لأن روسيا تسعى منذ عام 2012، للتمدد في أوكرانيا، وقد عادت إلى الشرق الأوسط، ولديها طموحات مختلفة عن الغرب. وألمانيا معنية بذلك حتى وإن كانت لا تملك الترسانة العسكرية الضخمة كونها تسعى جاهدة لأن تتحكم الأنظمة والاتفاقيات الدولية بمسار الأمور. إلا أن الهاجس الألماني من أن ينهار ذلك على حسابها هو هاجس جدي، وهو ما جاء في استطلاع للرأي أجراه مركز "فورسا" لمجلة "شتيرن"، ويظهر أن ثلث الألمان يتوقعون إمكانية حدوث صراع عسكري مع روسيا.
اقــرأ أيضاً
ويرى خبراء في الشؤون السياسية الأوروبية أن ما ينطبق على متانة الاقتصاد الألماني ينسحب على حضور برلين السياسي، ولا سيما أن السياسة الخارجية الألمانية تتمتع بقدر كبير من الثقة وبالمسؤولية على المستويين الأوروبي والدولي. وهو ما يساعدها على أداء دور مهم كوسيط من أجل الاستقرار في أوروبا. ويعتبر هؤلاء أن المستشارة الألمانية من جهة ووزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير من جهة ثانية يملكان ما يكفي من الرصانة والحنكة لمقاربة الملفات الشائكة والحساسة. ويستمدان ذلك من الحضور الذي حققته ألمانيا خلال العقد الأخير على مستوى العالم، وكذلك من مشاركتها في مفاوضات شاقة وفي أكثر من ملف.
وفي السياق، برهنت ألمانيا عن صدقية عالية في التعاطي، ما جعلها أحد أهم الشركاء الثابتين في إدارة النزاعات، ومنها الأزمة الأوكرانية والملف السوري والنووي الإيراني، وملف الأمن واللاجئين في أوروبا، فضلاً عن موقفها من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا الإطار، يلفت محللون إلى ضرورة التعامل مع روسيا بحذر، وإبقاء خيارات دول الاتحاد مفتوحة، منها موضوع العقوبات، مع أن هذا الخيار هو مدار جدل واسع في أوروبا. ولم يتم الاتفاق على فرض حزمة إضافية من العقوبات على روسيا، خلال القمة الأوروبية الأخيرة. ويعزو محللون ذلك لاعتبارات عدة. ومن بينها أن العقوبات الغربية لم تعد تخيف موسكو بعدما تعايشت مع ضغط تأثيراتها الاقتصادية واستطاعت التصالح معها نسبياً، على الرغم من تعثر الروبل الروسي وتراجع الأعمال التجارية الدولية مع البنوك الروسية، وزيادة القيود أمام وصول روسيا إلى أسواق رأس المال الدولية. وتجسد ذلك في انكماش الاقتصاد عام 2015 بنسبة 3.7 في المائة، واستمر مع تجديد العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2017.
وفي ضوء ذلك، يشدد خبراء في الشؤون الخارجية الأوروبية على ضرورة منع روسيا من الاستمرار في دعم قوات بشار الأسد عبر مقاتلاتها الحربية وقصفها المدنيين في حلب. ويبدون أسفهم تجاه موقف الاتحاد الأوروبي المتقاعس والمتردد والحائر بشأن تشديد العقوبات على روسيا. ويأملون في ألا يكون الحديث عنها من المحرمات، في وقت ترسل فيه موسكو أسطول الشمال إلى شرق المتوسط، وذلك في أكبر تحرك عسكري روسي منذ انتهاء الحرب الباردة.
في المقابل، يدافع وزير الخارجية الألماني عن موقف التكتل الأوروبي من العقوبات. ويلفت، بحسب حديث له في مقابلة تلفزيونية أخيراً، إلى أن العقوبات ليست هدفاً بحد ذاته وأن الأولوية للمحادثات من أجل الوصول إلى تسوية سلمية، رافضاً فكرة العقوبات الإضافية لأن رفع الحصار (عن حلب) هو الأهم. ويشير إلى أن العقوبات لا تساعد الشعب السوري، والهدف هو تأمين الممرات الإنسانية في حلب والسعي لوقف دائم لإطلاق النار. وفي السياق نفسه، يعتبر مفوض الشؤون الروسية في الحكومة الألمانية، الذي ينتمي لحزب ميركل، في حديث صحافي، أن العقوبات غير مجدية ولم تؤد إلا إلى زيادة التصعيد العسكري والعناد والتشدد في الموقف الروسي، وأنها لن تغير شيئاً في السياسة الخارجية الروسية، إنما ستزيد من حدة التوتر وتدهور الوضع في كل من أوكرانيا وسورية.
الخيار العسكري غير مستبعد
في المقابل، يلفت خبراء أمنيون إلى ضرورة عدم التراخي والتقصير في تجهيز الجيش الألماني. ويطالبون بتعزيز القدرات العسكرية الألمانية وبضخ المزيد من الأموال في ميزانيته، على الرغم من مناهضة برلين للأعمال الحربية. ويبررون ذلك بالقول إن العالم قد تغير، وعلى برلين مواجهة التحديات بجدية.
ويعتبر الخبراء أنفسهم أن هناك مخاوف فعلية من أن تضطر ألمانيا إلى الاعتماد على الخيار العسكري، لأن روسيا تسعى منذ عام 2012، للتمدد في أوكرانيا، وقد عادت إلى الشرق الأوسط، ولديها طموحات مختلفة عن الغرب. وألمانيا معنية بذلك حتى وإن كانت لا تملك الترسانة العسكرية الضخمة كونها تسعى جاهدة لأن تتحكم الأنظمة والاتفاقيات الدولية بمسار الأمور. إلا أن الهاجس الألماني من أن ينهار ذلك على حسابها هو هاجس جدي، وهو ما جاء في استطلاع للرأي أجراه مركز "فورسا" لمجلة "شتيرن"، ويظهر أن ثلث الألمان يتوقعون إمكانية حدوث صراع عسكري مع روسيا.