أثارت تصريحات المستشار محمد مجدي العجاتي، وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب المصري، حول إمكانية مصالحة الدولة المصرية، مع عناصر جماعة الإخوان، جدلاً سياسياً وصخباً إعلامياً كبيراً على المستوى المحلي والإقليمي؛ فالبعض رأى في هذه التصريحات رسالة رسمية من النظام لقبول فكرة المصالحة مع الإخوان، باعتبار أن المستشار العجاتي يُعتبر أول مسؤول رسمي بدرجة وزير يطرح فكرة المصالحة مع الإخوان، وهو ما دعا أطرافا داخل النظام إلى الإعلان المبكر عن رفض هذه المصالحة، إذ حذر محمد عبد الهادي، رئيس تحرير جريدة "الأهرام" الرسمية، في مقال منشور بتاريخ 3 يونيو/حزيران الماضي، بعنوان "كواليس الضغوط الإقليمية والغربية:الموقف المصري من عملية إعادة تقديم الجماعة"، مما أسماه بـ"المؤامرة الدولية التي تهدف إلى إدماج الإخوان في الحياة السياسية المصرية مرة أخرى".
في الجهة المقابلة، رأى رافضو الانقلاب أن هذه الدعاوى، لا تعدو كونها دعاية إعلامية تستهدف تجميل وجه النظام عالميا في مجال حقوق الإنسان، وليست ذات أهمية كبيرة.
تحديات إنجاز المصالحة
تثير دعوات المصالحة، بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام المصري، جدلا بين النشطاء والخبراء والسياسيين المصريين؛ إذ يرى المحامي، عمرو عبد الهادي، عضو الجمعية التأسيسة التي أنيط بها وضع دستور 2012، أن الحديث عن المصالحة بين الإخوان والجيش غير مستغرب؛ مبررا ذلك بأن "التاريخ لم يشهد حرباً بلا نهاية، ولكن الصدام السياسي في مصر بالغ التعقيد؛ فالاشتباك هنا بين قوة راديكالية لا تفهم إلا لغة القوة، وهي الجيش، في مواجهة أقوى تيار مدني قام على خلفية دينية (الإخوان المسلمين)، ونتج عن هذا الصدام دماء وأشلاء وشهداء ومذابح".
ويكمل عبدالهادي أن المصالحة بين الطرفين، مشروطة بأمرين الأول يتمثل في قبول الجيش إقصاء السيسي ولواءات المجلس العسكري حتى يستطيع الإخوان تبرير ذلك لجموع قواعدهم.
والشرط الثاني، والحديث لعبدالهادي، "هو عدم المساس بمن في السجون من القيادات السياسية المعارضة للانقلاب ويمكن أن يحدث في مقابل تعهد هذه القيادات بعدم ممارسة العمل السياسي العام بعد الإفراج عنها".
ويختلف الباحث، محمد حسني، المتخصص في العلاقات الدولية والحركات الإسلامية في مركز مدارك للدراسات السياسية الإقليمية في إسطنبول مع المحامي عبد الهادي؛ إذ تقوم نظرته إلى ملف المصالحة على أن الصراع ليس بين طرفين فقط (الإخوان والنظام) قائلا: "نحن أمام أطراف متعددة داخل النظام والإخوان؛ والنظام بداخله عدة تيارات، إذ يوجد تيار يرى أن معركته مع الإخوان صفرية، حتى اجتثاث الإسلام السياسي من مصر، وهناك تيار يتبنى فكرة المصالحة مع الإخوان وفق خبرته التاريخية، المتمثلة في تعامله مع الجماعة الإسلامية والجهاد بالتسعينيات".
أما الإخوان فبداخلهم تياران، كما يقول الباحث حسني، الأول يرى أن أية فرصة للمصالحة يمكن المضي فيها على سبيل هدنة لالتقاط الأنفاس والحفاظ على كيان الجماعة حتى تمر حالة الاستثناء، طالما أنه لا يوجد بديل لاستمرار المواجهة، والتيار الآخر لا يمانع أيضا من التصالح مع النظام، ولكنه يشترط وقوع تسوية وليست مصالحة بحيث يخرج بجملة من المكاسب الممكنة التي تتجاوز سقف خروج المعتقلين فقط.
مما سبق، يتضح أن الحديث عن المصالحة ومستقبلها مرهون بمدى قدرة كل فريق داخل طرفي الصراع (الإخوان والنظام) على فرض تصوارته ورؤيته على الفريق المعارض له داخل دائرته وإقناعه بها، وهو ما يتفق معه محمد المهندس، القيادي في حزب "مصر القوية"، لافتا إلى صعوبة ملف المصالحة بين النظام والإخوان، قائلا "نحن أمام سيناريوهين، الأول هو الإقرار بوضع النظام الحالي بهيمنته على المجال العام في مقابل إخراج المسجونين وتخفيف القبضة الأمنية، والثاني يتضمن وضع قواعد جديدة لفتح المجال العام بما يشمل ذلك من إخراج المساجين وتحرير الصحافة وعودة النشاط السياسي وإعادة انتخابات البرلمان مع القبول بوضع قواعد عدالة انتقالية تقبل بتعويض أهالي الضحايا والإقرار بالأخطاء من الطرفين".
ويعتبر المهندس أن الخيار الثاني هو الحل الأمثل والأوفق لبدء حالة سياسية جديدة ولتحقيق العدالة الانتقالية، التي تجبر الكسور وتهدئ النفوس، ويضيف "لكن إن استمرت موازين القوى كما هي فلن نملك سوى الخيار الأول ونعتبره في هذه الحالة نقطة بداية لا نهاية؛ فالإخوان بوضعهم الحالي لديهم مشكلة في الخيارين، فإن رضوا بالأول فقد خانوا ما يسمونه بدماء ضحاياهم وخانوا شرعية مرسي، وإن قبلوا بالخيار الثاني فلا بد من أن يقدموا تنازلات للقوى السياسية وللمجتمع حتى يعودوا لممارسة السياسة وفق قواعد مختلفة وجديدة".
ويتشارك أحمد أمين الباحث السياسي بجامعة يلدريم بايزيد التركية، مع محمد المهندس في عدم استفادة المجتمع المصري في حالة تمت المصالحة وفق الخيار الأول، الذي طرحه القيادي في حزب مصر القوية، والقائم على خروج المعتقلين فقط دون فتح الفضاء العام السياسي والإعلامي، إذ يعتبر أمين "أن الاتفاق بين النظام ورموز جماعة الإخوان على المصالحة لن تكون له انعكاسات حقيقية على فك طلاسم المشهد السياسي المعقد، الذي تعيشه مصر، فقد بنى عبد الفتاح السيسي كل تحالفاته السياسية منذ قيادته للمشهد السياسي على ركن أصيل، وهو التخلص من جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها (منظمة إرهابية تمارس العنف تجاه الوطن والمواطنين)". وبالتالي فإن إقدامه على خطوة المصالحة هو بمثابة إعلان موت هذا التحالف السياسي، الذي قاده على كافة المستويات والأصعدة السياسية والإعلامية وغيرها. وبالتالي ستكون شرعية وجوده على المحك، خاصة وأن الجماعة تربط بينه وبين الانقلاب العسكري الدموي، الذي راح ضحيته مئات القتلى، وآلاف المعتقلين منذ أحداث رابعة في أغسطس/آب من العام 2013 وحتى اليوم".
في الجهة المقابلة، يرى أمين أن فكرة قبول الجماعة المصالحة مع النظام وتقديم شروط الإذعان من جهتها هو بمثابة نسف لفكرة تمسك الجماعة بشرعية الرئيس، محمد مرسي، وتنازلها عن الدماء، التي سالت في سبيل ذلك، وهو ما سيعمق الصراع داخل أروقة الجماعة، التي تمر بمرحلة دقيقة في الآونة الأخيرة تظهر في شكل صراعات بين القيادات التقليدية القديمة للجماعة وبين شبابها، الذين دفعوا الضريبة كاملة منذ ذاك الوقت. وبناء على ذلك، فستؤدي المصالحة إلى تعميق الأزمة بين قيادات الجماعة وقواعدها.
المجتمع المصري والمصالحة
يصف الروائي والباحث فى مقارنة الأديان، محمد عبد العاطي، مناقشة فكرة المصالحة بين الإخوان المسلمين والنظام من على أرضية سياسية فقط بـ"الأمر الخاطئ"، لافتا إلى ضرورة دراسة هذا الملف على طاولة المجتمع والثقافة قائلا "ليست هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها صدام عنيف بين الدولة والإخوان، فقد وقع شيء من هذا وإن بدرجات أقل إبان العصر الملكي، ثم بدرجة أكبر وأعنف إبان عبد الناصر، ثم اتخذت العلاقة إبان حسني مبارك طابع الشد والجذب وفق سقف غير مكتوب، إلى أن جاءت هذه المرة على يد السيسي فكان الصدام عنيفا والخسائر فادحة، وقد بدأت مؤخرا بعض الأصوات تتكلم ولو بهمس عن مصالحة تخفف من وتيرة الصراع وتقلل من العنف".
وتابع قائلا "لست مع الحلول الجزئية ولا أود التعامل مع المشكلات المزمنة بأسلوب الترقيع؛ فتجربة (الإسلام الحاكم) لم تفشل في مصر فقط ولكنها فشلت في عديد البلدان التي سارت على ذات الدرب، فقد فشلت في أفغانستان طالبان، وفي السودان الترابي، وفشلت في إيران الخميني، وكادت تفشل في تركيا أردوغان لولا إسراعه بالتخلي عن الشعارات الإسلامية وتركيزه على ما ينفع الناس من خدمات. والسؤال الذي نحن بصدده الآن: لماذا فشل هؤلاء؟ لماذا تصادموا مع الدولة واصطدمت بهم؟ وأرى أن الظرف التاريخي مناسب لطرح إشكالية الجماعات والتنظيمات الدينية من جذورها والاشتباك مع الأسئلة الكبيرة التي طالما تحاشينا إثارتها: ما هذه الجماعات؟ ولماذا نشأت؟ وما الفائدة المرجوة على الفرد والمجتمع من وجودها؟ وبدون الإجابة على أسئلة الأثر الحاصل على المجتمع من المصالحة سيظل الاحتقان الأهلي مستمراً والذي يعد العقبة الأولى في مسار استقرار وتقدم مصر".
ويتوافق الباحث، محمد حسني مع عبد العاطي في أن المجتمع المصري الشاب (60 % من عدد المصريين من الشباب) يمر بانعطافات جوهرية على المستوي السيكولوجي والثقافي والفكري منذ ثورة 25 يناير 2011، وسيشهد تحولات مفصلية حادة في السنوات القادمة؛ بسبب سياسة النظام الاقتصادية أو السياسة الأمنية، التي تهدف لإعادة تشكيل المجتمع وهو ما سيسبب بؤر توتر واحتجاج لن تكون بشكل ونمط ثورة يناير؛ وبالتالي ما يحتاجه الإخوان أو أي طرف معني بالأزمة المصرية هو أن تتصالح هذه الأطراف مع الشعب والمجتمع أولاً حتى لا تصطدم به مرة أخرى؛ بحيث يتوافق الجميع حركات وأحزاباً ونظاماً مع إيقاع حركة المجتمع وأجندته ومطالبه.
ويضع ممدوح الشيخ، مدير المركز الدولي للدراسات والتوثيق بالقاهرة اعتباراً مجتمعياً آخر متعلقاً بمستقبل ملف المصالحة بين الإخوان والنظام، يتمثل في ضرورة خضوع فكرة المصالحة لنقاش مجتمعي عريض وسياسي وثقافي للإجابة على سؤال حول دور الدين فى الفضاء العام؛ فالأحزاب والجماعات والمؤسسات السياسية على أساس ديني لم يحسم موقفها إلى الآن منذ ثورة 25 يناير ولم تتضمن الدساتير الصادرة بعد ثورة يناير أية نصوص قاطعة وواضحة تضبط العلاقة بين الديني والسياسي، وتوضح للفاعلين والمجتمع مساحات تداخل الديني مع السياسي والعكس".
المصالحة والصراع التاريخي
يرى الدكتور جاسم سلطان، مؤلف كتاب "أزمة التنظيمات الإسلامية (الإخوان نموذجا)"، أن عملية المصالحة هي عملية واحدة في مسار صراع (Conflict) قديم ومتفاعل بين تنظيم الإخوان المسلمين والجيش المصري؛ لأن كل طرف يعتقد أن أفكاره وتصوراته ومشاعره وإرادته في تناقض مع الطرف الآخر، وأن الطرف الآخر يمنعه من تحقيق ما يريد، وهو ما قادنا إلى الدخول فى نفق الأزمة ( crisis) والتي تُعرف استراتيجياً بأنها وقت تتكثف فيه المصاعب والمشاكل ويؤذن بالخطر وتصبح مسألة اتخاذ القرار أكثر إلحاحاً، ومما تقدم ندرك أن العلاقة بين (الإخوان والجيش) هي صراع ممتد تطفو على سطحه أزمات كبرى، وأحد تجلياتها وأخطرها الأزمة الحالية، نظرا لجسامة النتائج المترتبة عليها؛ بالنسبة إلى الاخوان وإلى مصر وإلى المنطقة العربية.
لكن، هل هناك أمل في مصالحة تاريخية وإعادة ترتيب المشهد بما يشكل مخرجا لمصر والجيش والإخوان على حد سواء؟ يجيب سلطان على السؤال السابق، بأن ذلك ممكن ومتاح، ولكنه يحتاج إلى خطة عمل تشتمل على عمل نظري لفهم الأفكار الكبرى الحاكمة للإخوان والجيش؛ والتي يكمن التناقض الحقيقي بين الطرفين بداخلها، والتي لم تُجْدِ المصالحات الجزئية السابقة في حل هذه التناقضات منذ نشوء الجماعة واصطدامها بالجيش أول مرة (الأفكار الحاكمة)؛ ثم ننطلق إلى الجانب الإجرائي والذي يتطلب تجهيز الإجابات على الأسئلة التالية، ما هي عقدة الموقف الاستراتيجية؟ ما هو ميزان القوة وأثره في استعدادات الفريقين للجلوس للتفاوض؟ ما هي درجة احتياج الجيش لمثل هذه المصالحة؟، ومن هو الطرف الممثل للإخوان؟ ومن هو الطرف الوسيط الملائم للقيام بالمصالحة؟ ومن خلال الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها؛ سنكتشف مدى إمكانية إبرام المصالحة بين الإخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية من عدمها.