أصبح تقنين الكهرباء في لبنان جزءاً من حياة الناس اليومية. وقد نشأ جيل كامل في لبنان، لم يعرف معنى الحصول على كهرباء 24/24 ساعة.
خلال الحرب الأهلية اللبنانية، التي دامت حوالي 15 عاماً (من العام 1975 حتى 1990)، عانى اللبنانيون بطبيعة الحال من تعاسة التغذية الكهربائية. إلا أنه في مرحلة ما بعد الحرب، التي شهدت إعادة الإعمار، وصولاً الى يومنا هذا، لم تأت كهرباء منتظمة الى بيوت اللبنانيين.
39 عاماً، ولبنان يعيش في عتمة متقطّعة. 12 وزيراً مروا على وزارة الطاقة والمياه، ولم يستطع أحد منهم تنفيذ خطة كهربائية تلغي الفساد المتغلغل في أروقة القطاع، وتصلح الشبكات الكهربائية المتهالكة، وتعيد إحياء معامل الانتاج وتعطي أملاً بالاستغناء عن ضوء الشمع.
وخلال هذه الفترة، بحث اللبنانيون عن بدائل. تم استيراد آلاف مولدات الكهرباء، وتم توزيعها على المناطق، لتتوزع بغالبيتها على "المحظيين" من أتباع الأحزاب الممثلة في الحكومات والبرلمانات المتعاقبة، وبالنتيجة، تم خلق سوق ضخمة كبديل عن كهرباء الدولة. سوق يقدر حجمها بمليارات الدولارات.
هكذا، وصل عدد مولدات الكهرباء اليوم الى حوالي نصف مليون مولّد، وفي موازاة ذلك، تم انفاق مليارات الدولارات على خطط اصلاح الكهرباء... ولم تأت الكهرباء.
خسائر على الجميع
في العام 2011، اعلن وزير الطاقة والمياه السابق، جبران باسيل، أن كلفة خسائر الكهرباء التقديرية المباشرة على الاقتصاد اللبناني تصل الى 6 مليارات دولار سنوياً، يضاف اليها 4 مليارات دولار ثمن محروقات ونقل، لتصبح الكلفة الاجمالية حوالي 10 مليارات دولار.
وفوق هذا المبلغ، تضاف نفقات استئجار بواخر الكهرباء من تركيا بكلفة تصل الى 392 مليون دولار.
في المقابل، يدفع المواطنون ملياراً و700 مليون دولار للمولدات الخاصة سنوياً. ويتكبد هؤلاء خسائر في محالهم التجارية وفي بيوتهم من جراء انقطاع الكهرباء تقدر بحوالي 1.5 مليار دولار.
مداخيل مهولة في سوق موازية
لا شك أن أزمة الكهرباء خلقت سوقاً غير نظامية لتأمين الكهرباء الى المنازل، اذ يتواجد في لبنان مئات الأشخاص الذين يقتنون مولدات كهرباء كبيرة ويوزعون الطاقة على بيوت المواطنين بأكلاف مرتفعة جداً، محققين بذلك أرباحاً ضخمة.
غالبية أصحاب المولدات، وخصوصاً من يمتلك منهم مولدات كبيرة، يحظون بغطاء سياسي وحزبي، كل بحسب منطقته، وليس على سبيل الصدفة، أن يكون هذا الغطاء من قبل أحزاب جلّها ممثل في البرلمان والحكومة اللبنانية.
أما المدهش في هذا الإطار، فهو أن الدولة تتعامل مع أصحاب المولدات الكهربائية كأمر واقع، ويجتمع وزراء الطاقة والمياه مع ممثلين عن أصحاب المولدات، ويحددون معهم تعرفة ساعات التغذية من الكهرباء غير النظامية، ويعقدون معهم مؤتمرات صحافية...
وتزيد ايرادات أصحاب المولدات الخاصة عن مليار و700 مليون دولار سنوياً، وفق وزير الطاقة والمياه السابق جبران باسيل، ما يجعل من سوق المولدات الخاصة سوقاً موازية وازنة في الاقتصاد اللبناني.
تقنين 500 ساعة شهرياً
يقول صاحب مولدات معوّض للكهرباء، في منطقة الاشرفية في بيروت لـ"العربي الجديد"، ان كلفة الاشتراك بمولد الكهرباء، للحصول على 5 أمبير من الكهرباء، تراوح بين 30 و33 دولاراً. ويشرح أن ساعات التقنين الكهربائي في المنطقة لا تتعدى الـ 3 ساعات يومياً، إلا أنه رغم ذلك يطلب سكان المنطقة خدمة الكهرباء الخاصة، وخصوصاً أصحاب المتاجر والمؤسسات.
ويشرح أن تسعيرة الاشتراك قد ترتفع في بعض الأشهر، في حال طرأت أعطال اضافية على شبكة الكهرباء وارتفعت ساعات التقنين.
أما في منطقة حارة حريك، في ضاحية بيروت، فساعات التغذية الكهربائية لا تتعدى الـ 6 ساعات يومياً. ويقول صاحب أحد المولدات في المنطقة، رائد حمزة، لـ"العربي الجديد"، إن ساعات التقنين الكهربائي تراوح بين 380 وصولاً الى 500 ساعة شهرياً، وبذلك ترتفع كلفة الاشتراك بالمولد بحسب زيادة ساعات القطع، وتراوح بين 100 و133 دولاراً شهرياً.
"نحن نخالف القانون"
ويلفت حمزة الى أن مؤسسة الكهرباء تحدد كلفة ساعة التغذية الكهربائية بـ 385 ليرة لبنانية (حوالي 26 سنتاً) "إلا أن المؤسسة لا تصرح عن ساعات القطع الفعلية، بحيث لا تحتسب الأعطال الكثيرة التي تصيب الشبكة والتي تزيد من ساعات التغذية عبر المولدات الكهربائية"، بحسب تعبيره.
ويقول حمزة إنه يوجد في منطقة حارة حريك حوالي 80 مولداً كهربائياً، ويضيف: "نحن لسنا شركات، وانما ندير مصالح مخالفة للقانون، نحن لا نحصل على أي ترخيص وإنما نقدم خدمة بدلاً من الدولة".
ويلفت الى أن ارباح بعض اصحاب المولدات تصل الى 300 و400 في المئة، وخصوصاً المولدات الكبيرة، أما المولدات الصغيرة فأرباحها ليست بهذه الضخامة".
إلى قضاء المتن (7 كلم عن بيروت)، تبلغ كلفة الاشتراك بالمولد الكهربائي (5 أمبير) حوالي 100 دولار وفق ما يقول أحد اصحاب المولدات، جوزف دحدوح لـ"العربي الجديد".
ويلفت دحدوح إلى أن كلفة ساعة التغذية عبر المولد تتفاوت بحسب أسعار المازوت، شارحاً ان البلدية تحدد كلفة الساعة واصحاب المولدات يلتزمون خوفاً من التضييق عليهم.
شكوى من الفاتورتين
ومع ارتفاع كلفة الاشتراك بالمولد الكهربائي، تزيد شكاوى المواطنين، خصوصاً أنهم يدفعون فاتورتين شهرياً: فاتورة كهرباء الدولة، وفاتورة الاشتراك بالكهرباء غير النظامية.
وتقول فاطمة فقيه، من منطقة عدلون في جنوب لبنان، لـ"العربي الجديد"، إن كلفة الاشتراك للحصول على 5 أمبير من الكهرباء بين الساعة الخامسة عصراً حتى منتصف الليل تصل الى 50 دولاراً، في حين ارتفعت الكلفة الى 80 دولاراً خلال شهر رمضان، بسبب تمديد ساعات التغذية عبر المولد حتى الساعة الرابعة فجراً.
وتقول فاطمة إن كلفة الاشتراك مرتفعة جداً، ولا تراعي مداخيل الناس ولا أحوالهم المعيشية، لافتة الى أنها تدفع فاتورة كهرباء للدولة بقيمة 40 الى 50 ألف ليرة كل شهرين، لترتفع كلفة الحصول على الكهرباء الى حوالي 100 دولار شهرياً، ومن دون الحصول على كهرباء 24/24 ساعة!
بدوره، يشكو طلال شبلي لـ"العربي الجديد"، وهو عامل في مؤسسة الكهرباء اللبنانية، من حدة انقطاع الكهرباء في شمال لبنان. ويشرح أن ساعات التغذية التي تصل الى بيته في طرابلس، لا تتعدى الـ 8 ساعات يومياً. ويلفت الى أنه يدفع 47 دولاراً كل شهرين كفاتورة كهرباء للدولة، ويضاف اليها حوالي 67 دولاراً لصاحب مولد الكهرباء.
ويقول شبلي: "أتقاضى راتباً شهرياً لا يتعدى 667 دولاراً، أدفع منه 400 دولار إيجار منزل، وأكثر من 114 دولاراً للكهرباء، وما تبقى يتوزع على الفواتير الأخرى، وأعمل في وظيفة أخرى لتوفير نفقات الحياة اليومية".