تكبدت نسبة كبيرة من الشركات السعودية المدرجة في البورصة، خسائر فادحة خلال النصف الأول من العام الجاري، لتقترب خسائر بعضها من 10 آلاف في المائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2018، لتواصل نزيف الخسائر المتلاحقة خلال السنوات الأخيرة بفعل تهاوي الكثير من الأنشطة، جراء تراجع عائدات النفط وكلفة الحرب في اليمن والصراعات في منطقة الخليج.
وفي مسح لـ"العربي الجديد"، خسرت 50 شركة، تمثل نحو 28 في المائة من إجمالي الشركات المدرجة في السوق والبالغ عددها 179 شركة، كما تراجعت أرباح 88 شركة، بما يمثل نحو نصف الشركات.
وأظهرت نتائج أعمال الشركات، التي جرى الإفصاح عنها تباعاً خلال الأيام الماضية، أن 32 شركة تجاوزت خسائرها 100 في المائة، واقتربت خسائر إحدى الشركات من 10 آلاف في المائة، في حين تجاوزت خسائر 4 شركات ألفا في المائة.
وجاءت شركة تبوك الزراعية في صدارة الشركات الأعلى من حيث نسبة الخسائر التي بلغت 9580 في المائة، تليها مجموعة السريع التجارية الصناعية بخسائر بلغت نسبتها 3751.5 في المائة، ثم تكوين المتطورة للصناعات بنحو 1344 بالمائة وجازان للطاقة والتنمية "جازادكو" بنسبة 1164.7 في المائة.
وتكبد 14 قطاعا خسائر خلال النصف الأول من العام، مقارنة بالفترة المناظرة من 2018، من إجمالي 21 قطاعا وفق تصنيف القطاعات التي تندرج تحتها الشركات.
وسجل قطاع الطاقة تراجعاً حاداً وغير مسبوق في الأرباح، بنسبة بلغت 73.7 في المائة، متأثراً بتسجيل شركة بترورابغ خسائر بنسبة 109.7 في المائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حيث تكبدت 51.6 مليون ريال (13.7 مليون دولار)، مقارنة بأرباح بقيمة 530.6 مليون ريال في النصف الأول من العام الماضي.
كما هوت أرباح قطاع المواد الأساسية، حيث انهارت أرباح شركة سابك، أكبر شركة بتروكيماويات، بنسبة 54.8 في المائة، محققة 5.5 مليارات ريال (1.47 مليار دولار)، مقارنة مع 12.2 مليار ريال (3.25 مليارات دولار)، في الفترة المناظرة من 2018.
و"سابك" رابع أكبر شركة بتروكيماويات في العالم، مملوكة للدولة، حيث يملك صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي للبلاد) 70 في المائة من الشركة، فيما وقع اتفاقية لبيع حصته لشركة أرامكو السعودية، المملوكة للدولة أيضا، ولم يتم نقل الملكية بعد.
كما انهارت أرباح قطاع السلع طويلة الأجل بنسبة 196.2 في المائة، والمرافق العامة بنسبة 182.4 في المائة، وإدارة وتطوير العقارات 54.6 في المائة.
يأتي هذا في الوقت الذي انخفضت فيه صادرات النفط خلال يونيو/ حزيران 2019 للشهر الثالث على التوالي، وفق بيانات صادرة، الأسبوع الماضي، عن مبادرة البيانات المشتركة للدول المنتجة للنفط "جودي"، لتصل إلى 6.721 ملايين برميل يومياً، مقابل 6.942 ملايين برميل يوميا في مايو/أيار، لتسجل بذلك أدنى مستوى في 4 سنوات ونصف.
وأنتجت المملكة 9.782 ملايين برميل يومياً في يونيو/حزيران، ارتفاعا من 9.670 ملايين برميل يومياً في مايو/ أيار، وأظهرت بيانات "جودي" ارتفاع مخزونات النفط الخام إلى 187 مليونا و900 ألف برميل من 187 مليونا و723 ألف برميل في مايو/أيار.
وأخذت وتيرة صادرات النفط السعودية في التراجع، منذ نهاية مارس/ آذار الماضي، حيث انخفضت إلى مستوى 8.57 ملايين برميل يومياً في إبريل/ نيسان، مقارنة بــ 8.614 ملايين برميل يومياً في مارس/آذار، لتستمر بالتراجع خلال مايو/ أيار ويونيو/ حزيران.
وتقول السعودية إن خفض صادرات النفط يهدف إلى إحداث توازن في السوق العالمية، بينما تعيش منطقة الخليج حالة توتر شديدة، منذ مايو/أيار الماضي، حيث أدت التوترات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة، إلى حوادث لناقلات نفطية تم تخريبها، تم اتهام إيران بالوقوف وراءها، فيما شهدت محطات ضخ النفط في منطقة الرياض عدة هجمات من طائرات مسيّرة من قبل جماعة الحوثيين في اليمن، أدت إلى حدوث أضرار بهذه المحطات.
وأضحت الموارد النفطية التي تمثل ركيزة الاقتصاد السعودي في مرمى ضربات الحوثيين، ما يؤثر بشكل بالغ على إيرادات الدولة.
وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن تصعيد الحوثيين حربهم مع السعودية بضرب المنشآت النفطية، يعد انتقالا إلى مرحلة جديدة من الصراع مع السعودية، مرحلة ستكون الحرب الاقتصادية وضرب المنشآت الاقتصادية السعودية عنوانها الأبرز، مشيرة إلى أن السعودية تضيف كل يوم لائحة جديدة من الخصوم والأزمات.
وتتوقع الحكومة السعودية أن يبلغ العجز في ميزانية العام الجاري 131 مليار ريال (35 مليار دولار). ومن المرتقب أيضاً أن يزيد الدين العام إلى نحو 180 مليار دولار في 2019، وفقاً لموازنة هذا العام.
وتحولت دول الخليج العربي الغنية بالموارد النفطية، إلى أرض خصبة للديون في السنوات الأخيرة، إذ لم يعد الاقتراض مقتصراً على الحكومات، وإنما دخلت شركات عملاقة في الاستدانة تحت مبررات عدة.
وفي رصد لـ"العربي الجديد" نشر في مايو/أيار الماضي لطروحات السندات من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، اتضح أن ديون دول الخليج قفزت بنسبة 177 في المائة منذ نهاية 2013 حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري.
ووصلت ديون الخليج إلى نحو 478 مليار دولار بنهاية مارس/آذار 2019، مقابل نحو 172.4 مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول 2013. وركزت دول الخليج بقيادة السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، على الاقتراض لسد عجز الميزانية المتضخم.
وبحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، في مايو/أيار، أصبح المقترضون في دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك السعودية، من بين أكبر مصدري السندات (أدوات دين) في الأسواق الناشئة، إذ تضاعفت مبيعات السندات والأوراق المالية الإسلامية ثلاثة أضعاف في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام اعتباراً من عام 2016.
ولم يعد الاقتراض مقتصراً على الحكومات، وإنما دخلت الشركات الكبرى في سباق لطرح السندات. فقد باعت الحكومات والشركات في دول الخليج 51.2 مليار دولار من السندات والأوراق المالية الإسلامية منذ بداية العام حتى 27 مايو/أيار الجاري، ليتحول إلى "أرض خصبة للديون" وفق بلومبيرغ. وتضم قائمة المقترضين شركات أرامكو العملاقة للنفط السعودية، والاتصالات والمراعي.