وسط مخاوف من حدوث تصيح مؤلم في أسواق المال العالمية، يتوقع محللون أن يتواصل هروب المستثمرين من أسواق الأسهم خلال الأسابيع المقبلة، لكن هنالك استبعاد لحدوث أزمة مالية في الوقت الراهن، وذلك ببساطة لأن الاقتصاد الأميركي قوي جداً ويتمتع بمؤشرات صحية على صعيدي معدل البطالة المنخفض والقوة الشرائية العالية، كما أشارت الأرقام الأخيرة.
وحسب تعليقات محللين لموقع "انفستوبيديا" المتخصص في أدوات الاستثمار، فإن هناك ثلاثة عوامل رئيسية وراء التراجع الكبير الذي شهدته سوق "وول ستريت"، أول من أمس، وأسواق أوروبا وآسيا، أمس.
وهذه العوامل هي ارتفاع العائد على السندات الأميركية، واحتمالات تباطؤ النمو العالمي وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي الأخير، وهشاشة أسواق المال الناشئة، يضاف إلى ذلك المخاوف من تصاعد وتيرة النزاعات التجارية وتداعياتها المكلفة على الشركات.
ويرى محللون لدى مكتب الوساطة "اوريل بي جي سي"، أن التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة لا يزال يؤجج المخاوف بسبب "أثره على النمو الصيني".
وفي تعاملات مضطربة، خسر مؤشر "داو جونز" نحو 832 نقطة، أو 3.2% من قيمته، في التعاملات التي جرت مساء الأربعاء، وهو ما يعد أسوأ أداء للمؤشر منذ يونيو/حزيران عام 2016، حينما صوّت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
كما أن مؤشر المخاطر أو خوف المستثمرين من حدوث هزة مالية أصبح الأعلى منذ 6 أشهر. وفي أوروبا، انخفضت الأسهم الأوروبية إلى أدنى مستوياتها في أكثر من 20 شهراً، أمس، في الوقت الذي قادت فيه المخاوف بشأن ارتفاع عوائد أدوات الخزانة الأميركية إلى عمليات بيع واسعة للأصول عالية المخاطر.
وفي أسواق الصرف، هبط الدولار، الذي يُنظر إليه عادة كأحد الملاذات الآمنة في أوقات الاضطرابات، وخسر مؤشر الدولار، الذي يقيس قوة العملة الأميركية مقابل ست عملات رئيسية، 0.25%، ليهبط إلى 95.27، أمس الخميس.
كما ارتفع الين، الذي يُنظر إليه كملاذ آمن أيضا، إلى 112.19 للدولار، وهو أعلى مستوياته منذ بداية الشهر الجاري، مدعوماً بالعزوف عن المخاطرة، في أعقاب تحذيرات من صندوق النقد الدولي بشأن النمو العالمي والاستقرار المالي.
وتعيش أسواق المال، منذ شهور، مخاوف حقيقية من تداعيات "الانقلاب في سعر الفائدة"، أو التحول الجاري في أميركا من "المال الرخيص" إلى "المال الغالي"، حيث واصل مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي"، رفع سعر الفائدة.
ولاحظ مصرفيون أن هنالك موجة هروب في أنحاء العالم من أسواق المال الناشئة وسنداتها.
في هذا الصدد، يقول محلل الأسواق في مصرف "مورغان ستانلي"، كريس ميتلي، أن المصارف رفعت من هوامش التحوط على صرف العملات الأجنبية، خاصة الدولار، لدرجة أن المستثمرين في ألمانيا واليابان غير قادرين على شراء السندات الأميركية.
وأضاف الخبير ميتلي في مذكرة للعملاء، أن الشركات اليابانية والألمانية لديها فائض تجاري سنوي من الصادرات يقدّر بحوالى نصف ترليون دولار، وبما أن الفائدة الحقيقية في أوروبا سالبة، أي "الفائدة الاسمية ناقصاً معدل التضخم"، فإنهم يشترون السندات الأميركية للحصول على عائد أعلى، وبالتالي فهم يرغبون في شراء الدولارات والتحوط لذبذبات الارتفاع والانخفاض في سعر صرف الدولار.
وحمّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المسؤولية في ما يحدث في أسواق المال، لسياسات مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)، معتبراً أنه "أصابه الجنون" في المساهمة في بلبلة الأسواق المالية.
ولفت ريتشارد هانتر، المسؤول في مؤسسة انتراكتيف انفستور، في تعليقات نقلتها وكالة "فرانس برس"، إلى أن "ضعف وول ستريت تسبب في انسحاب التراجع على بورصات أخرى، حيث هبطت الأسواق الآسيوية بشكل كبير، فيما تحاول البورصات الأوروبية لجم الوضع".
وأضاف "في غياب سبب مباشر، يحاول المستثمرون تجاوز القلق المتعلق بالتوتر التجاري والأثر على النمو العالمي ورفع نسب الفوائد في الولايات المتحدة".
ودافعت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، أمس الخميس، عن رفع أسعار الفائدة، في رسالة غير مباشرة موجهة إلى ترامب. وقالت لاغارد إن قرارات البنوك المركزية برفع الفوائد، مثل ذلك الذي اتخذه البنك المركزي الأميركي، مبررة على ضوء الأسس الاقتصادية.
لكن صندوق النقد الدولي خفّض، الثلاثاء، توقعاته للنمو العالمي بنسبة 0.2 نقطة، لتصل إلى 3.7% في عامي 2018 و2019، متحدثاً عن شكوك تحيط بالاقتصاد.
وحاول وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، من بالي حيث يشارك في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تهدئة الأمور، قائلاً "لا أعتقد أنه كانت هناك أخبار من الاحتياط الفدرالي اليوم لم تكن معروفة مسبقاً. الأسواق تتقلب".
لكن، يضاف إلى العوامل الثلاثة المذكورة في بداية المقال، مجموعة من المجاهيل التي تواجه المستثمرين، وربما يكون لها تأثير كبير على أسواق المال، من بينها نتائج الانتخابات الأميركية الخاصة بالكونغرس، والتي ستحدد إلى درجة كبيرة توجهات الرئيس دونالد ترامب خلال الفترة المتبقية من رئاسته، وكذلك عما إذا كانت أوروبا ستقبل خطة بريطانيا لإنشاء منطقة تجارة حرة. وقال باني لام، رئيس قسم الأبحاث في "سي اي بي انترناشونال"، "إنها مجرد بداية".