تستعد أوكرانيا، اليوم الإثنين، لإحياء الذكرى الثالثة لانطلاق تظاهرات "الميدان الأوروبي"، على خلفية تراجع الرئيس الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، عن التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وسيتضمن برنامج احتفالات، ما أطلق عليه "يوم الكرامة والحرية"، إحياء ذكرى القتلى الذين سقطوا أثناء الاضطرابات، وأيضاً الضحايا في صفوف القوات الأوكرانية خلال العمليات في منطقة دونباس (دونيتسك ولوغانسك) شرق البلاد، والموالية لروسيا.
وعند انطلاق التظاهرات في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، لم يكن أحد يتصور تداعياتها، بدءاً من تحولها لأعمال عنف وهروب يانوكوفيتش إلى موسكو، وضم روسيا شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014، واندلاع معارك في دونباس في أبريل/نيسان من العام نفسه، ونشوب واحدة من أكبر الأزمات التي شهدتها العلاقات بين موسكو والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة. ويشير الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، إلى أن السبب الأولي لانطلاق التظاهرات يعود إلى عدول يانوكوفيتش عن التوجه نحو التكامل مع الاتحاد الأوروبي، لكن المواجهة والمطالب بالإطاحة به بدأت تتصاعد بعد استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين. ويقول سيميفولوس، في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة الأوكرانية كييف، "كان التكامل مع الاتحاد الأوروبي من النقاط الرئيسية لأجندة الطبقة السياسية الأوكرانية، لكن يانوكوفيتش كسر هذا الإجماع، ما أثار غضب القوى السياسية والشارع ورجال الأعمال". ويضيف "ليلة 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، استخدمت الشرطة الأوكرانية (بيركوت) العنف بشكل مفرط ضد المتظاهرين، مما أدى إلى زيادة عددهم إلى مليون متظاهر في 1 ديسمبر/كانون الأول، وارتفع سقف المطالب وازدادت راديكالية".
وحول رؤيته للوضع في أوكرانيا بعد مرور ثلاث سنوات، يقول "نحن الآن نعيش في بلد مختلف. لقد تغيرت الحياة السياسية فيه على نحو كيفي، وهناك مشاركة واسعة في المنافسة السياسية، وتجري إصلاحات إدارية، وأصبحنا نحقق نمواً اقتصادياً، وتم وضع حد لسيطرة الدولة على الحياة السياسية والاقتصادية كما كان الحال عليه في عهد يانوكوفيتش". وبشأن التقدم نحو التكامل الأوروبي، يشير إلى أنه "تم التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ونأمل في إعفاء الأوكرانيين من نظام تأشيرات الدخول قبل نهاية العام، إذ استوفت أوكرانيا كافة الشروط لذلك". ويعتبر سيميفولوس أن أكبر التحديات التي تواجهها أوكرانيا الآن هي "الحرب مع روسيا" في دونباس، في ظل تخلي أطراف مذكرة بودابست لعام 1994 عن التزاماتهم بضمان أمن أوكرانيا مقابل انضمامها إلى معاهدة منع انتشار السلاح النووي. ويضيف "ندرك جيداً أن الحرب مع روسيا ليست سهلة وتكلفنا كثيراً، ويتم إنفاق الموارد على الحرب بدلاً من التنمية، وسط تعثر تنفيذ اتفاقات مينسك التي باتت حبراً على ورق، واستمرار أعمال القتال".
وأسفرت إطاحة يانوكوفيتش عن تولي حكومة موالية للغرب زمام السلطة في كييف، مما أدى إلى أكبر أزمة في العلاقات مع موسكو، تمثلت بمواجهة مسلحة غير مباشرة في دونباس، ووقف حركة الطيران بين البلدين، وإغلاق السوق الروسية أمام المنتجات الغذائية الأوكرانية وغير ذلك من الإجراءات التي جمدت كثيرا من العلاقات بين موسكو وكييف. ويعتبر الخطاب الرسمي والإعلامي في روسيا ما حدث في أوكرانيا "انقلاباً"، ويؤكد أن ضم القرم جاء بعد استفتاء تقرير المصير في شبه الجزيرة ذات الغالبية الروسية، وينفي مشاركة القوات الروسية في أعمال القتال في دونباس والتي أسفرت عن سقوط أكثر من 9500 قتيل، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
ويرى كبير الباحثين في معهد بلدان رابطة الدول المستقلة في موسكو، يوري بارانتشيك، أن الأوضاع التي آلت إليها أوكرانيا، جاءت نتيجة لتدبير بعض القوى السياسية "انقلاباً غير دستوري". ويقول بارانتشيك، لـ"العربي الجديد"، إن "اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لم تكن تمنح أوكرانيا شيئا، بل كانت تنص على امتيازات للمنتجات الأوروبية في السوق الأوكرانية"، مضيفاً "كانت هناك قوى سياسية ممولة من الخارج ومستعدة لقتل عناصر الشرطة، وبعد وصولها إلى السلطة لم يكن لديها رؤية للحوار، بل بدأت بالقضاء على معارضيها، وكان رد فعل السكان في القرم وجنوب شرق البلاد طبيعياً. إذا كان يحق للراديكاليين في كييف حمل السلاح، فلماذا لا يحق لسكان دونباس؟". وحول رؤيته لآفاق التسوية في جنوب شرق أوكرانيا، يقول "أعتقد أن الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأميركي، دونالد ترامب، سيتفقان على عدول واشنطن عن دعم السلطات الأوكرانية، حتى تحدد لها مهلة للوفاء باتفاقات مينسك قبل أبريل/نيسان أو مايو/أيار من العام المقبل". يذكر أن أحداث "الميدان الأوروبي" استمرت حتى هروب يانوكوفيتش في 22 فبراير/شباط 2014 بعد موجة من أعمال العنف أسفرت عن سقوط أكثر من 100 قتيل، لتبدأ أوكرانيا والعالم صفحة جديدة من تاريخهما، لا تزال الرؤية فيه غير واضحة حتى بعد مرور ثلاث سنوات.