ويعد كثير من الفلسطينيين استشهاده خسارة كبيرة، ليس فقط لأنه من رواد الثورة، بل نظراً لأن المعادلة تغيّرت وتم توقيع اتفاق أوسلو مع الاحتلال، فيما كان معروفاً عنه معارضته الشديدة لأية حلول سلمية مع إسرائيل، ورفضه الاعتراف بها.
أقرّت إسرائيل باغتيال الوزير بعد ربع قرن من الجريمة. ففي عام 2013، سمحت سلطات الاحتلال بنشر مقابلة للمراسل الإسرائيلي رونين بيرغمان، مع ناحوم ليف، وهو ضابط وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة الإسرائيلية الذي قاد الهجوم في منزل الوزير في تونس عام 1988. وبعيداً عن تفاصيل الاغتيال والخرق الأمني حينها، إلا أنّ حركة "فتح"، وهو أحد مؤسسيها، لم تثأر له بشكل مباشر حتى الآن.
أول الرصاص وأول الحجارة
أبو جهاد، رجل امتلك من الذكاء والفطنة السياسية والعسكرية ليشكل خطراً على دولة الاحتلال الإسرائيلي. حمل القائد الفلسطيني، الذي ولد في مدينة الرملة الفلسطينية عام 1935، أفكاراً تخطيطية جريئة، وعند اغتياله في 16 أبريل/ نيسان 1988، كان يدير عمليات الانتفاضة الأولى ومهندسها. وتتهمه الدوائر الإسرائيلية بأنّه مفجّرها. والفلسطينيون يعتزون بأنه "أول الرصاص وأول الحجارة".
درس خليل الوزير في جامعة الإسكندرية في مصر، ثم انتقل إلى السعودية فأقام فيها أقل من عام، وبعدها توجّه إلى الكويت وظل فيها حتى عام 1963. وهناك تعرّف على رفيق دربه الرئيس الراحل ياسر عرفات وشارك معه في تأسيس حركة "فتح".
في عام 1963، غادر الكويت إلى الجزائر، حيث سمحت السلطات الجزائرية بافتتاح أول مكتب لحركة "فتح" وتولّى مسؤولية ذلك المكتب.
غير أنه غادر الجزائر إلى دمشق، حيث أقام مقر القيادة العسكرية وكلّف بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين. كما شارك في حرب 1967 وقام بتوجيه عمليات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي في منطقة الجليل الأعلى. وتولى بعد ذلك المسؤولية عن القطاع الغربي في حركة فتح، وهو القطاع الذي كان يدير العمليات في الأراضي الفلسطينية.
وخلال توليه قيادة هذا القطاع في الفترة من 1976 – 1982، عكف على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة، كما كان له دور بارز في قيادة معركة الصمود في بيروت عام 1982 والتي استمرت 88 يوماً خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
70 رصاصة اغتالت الوزير
في ليلة اغتياله، بحسب الاعترافات الإسرائيلية، تم إنزال 20 عنصراً مدرباً من "الموساد" الإسرائيلي من أربع سفن وغواصتين وزوارق مطاطية وطائرتين عموديتين للمساندة على شاطئ الرواد، قرب ميناء قرطاج في تونس، وبعد مجيئه إلى بيته كانت اتصالات عملاء "الموساد" على الأرض تنقل الأخبار. توجهت القوة الكبيرة إلى منزله فقتلت الحراس وتوجهت إلى غرفته وأطلقت عليه زخات من الرصاص، واستقرت في جسده سبعون رصاصة، فتوفي في اللحظة نفسها.
اغتيل خليل الوزير وعمره 52 عاماً، قضى غالبيتها في المعارك العسكرية. شارك في معركة الكرامة عام 1968، وأحداث أيلول الأسود عام 1970، وحصار بيروت عام 1982. وهو المسؤول المباشر عن عمليات عدّة خارج فلسطين وداخلها، ولعل أشهرها عملية دلال المغربي، التي قتل فيها أكثر من 37 إسرائيلياً عام 1978.
كما اتهمت إسرائيل الوزير بتصعيد الانتفاضة، التي كانت أحداثها تدور وقت اغتياله. وتحديداً، بأنه كان يُعتقَد أنه مهندس الهجوم الثلاثي على مجمع تجاري.
دفن أبو جهاد في مخيم اليرموك في دمشق في 21 أبريل/ نيسان. وقاد قائد "فتح" ياسر عرفات موكب الجنازة. وقال أثناء التشييع إن "إسرائيل تظن أنها باغتيال أبو جهاد ستقضي على فتح والانتفاضة، لكن كل فلسطين أبو جهاد".
في عام 1997، نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية تقريراً عن اغتيال أبو جهاد. أورد التقرير أنّ رئيس الوزراء السابق إيهود باراك قاد مركز قيادة الوحدة البحرية على قارب صواريخ على شواطئ تونس كان مشرفاً على عملية الاغتيال. وفي عام 2012، تبنت إسرائيل رسمياً المسؤولية عن اغتياله.
ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية وقتها - بإذن من الرقابة العسكرية - تفاصيل اغتيال القائد الفلسطيني، ما يعني عملياً تبني تل أبيب تلك العملية.
وقالت الصحيفة العبرية إن الرقابة العسكرية سمحت لها بعد مفاوضات استغرقت ستة أشهر برفع السرية عن المعلومات التي أدلى بها ليف والتي تعد بمثابة إقرار من إسرائيل بمسؤوليتها عن تلك العملية التي اغتيل فيها أيضاً حراس لأبي جهاد.