25 ترليون دولار قيمة"وول ستريت" والذئاب تتكاثر

لندن
2CA83E7B-EE56-4367-A7F1-2798831341F6
موسى مهدي
صحافي بريطاني من أصل سوداني؛ محرّر في قسم الاقتصاد في "العربي الجديد".
17 فبراير 2017
F539BB88-B4D6-442E-814D-3B8E72BF0023
+ الخط -


يحكي فيلم "ذئب وول ستريت" قصة الثروة وصناعة المال في سوق المال الأميركية، وكيف يتحول موظفون بسطاء في سنوات إلى أثرياء يملكون مليارات الدولار. 
وعلى الرغم من أن القصة فيها الكثير من المبالغات من حيث عجن المال بالمخدرات والسهرات الحمراء وكوكتيل الفساد، إلا أنها تعكس إلى حد ما، جزءاً من الواقع المعاش في حي المال غربي نيويورك.

فالوسطاء والمضاربون في سوق المال الأميركي لا يضاربون بأموالهم وإنما بأموال مستثمرين يأخذون عليها رسوماً ونسبة أرباح، وبالتالي فإنهم لا يخسرون شيئاً.
إذا ارتفعت البورصة فإنهم يكسبون نسبة من أرباح المال الموظف في محافظهم تضاف إلى الرسوم التي يأخذونها مقدماً على الأموال الموظفة، وإن هبطت البورصة، فإنهم يكتفون بالرسوم، وبالتالي فهم لا يخسرون في الحالين.

ويتجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ فوزه لخلق مجموعة من ذئاب المال في "وول ستريت" وليس ذئباً واحداً. فالبورصة تواصل ارتفاعها الجنوني، وبعد أن حطمت رقم 20 ألف نقطة، ارتفع مؤشر داوجونز المؤشر الرئيسي لقياس الأسهم، فوق 20600، وربما يصل "داو جونز" خلال الأشهر المقبلة، لتخطي حاجز 21 ألف نقطة، وهذا الارتفاع الكبير رغم ما يحمله من ثراء، فإنه في ذات الوقت يحمل العديد من المخاطر.

ولكن أين يقع سوق "وول ستريت"، وما هو حجمه، ولماذا يحدث هذا التحليق غير المسبوق لأسعار الأسهم الأميركية، وإلى أي درجة أثر ترامب في إنعاش سوق المال الأميركي؟
في هذا التحقيق تسعى "العربي الجديد" إلى الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها.
بورصة نيويورك وبنوك الاستثمار وشركات الوساطة، والتي تشكل سوق المال الأميركية، تقع في شارع صغير غربي جزيرة مانهاتن الأميركية، حيث يتم التعامل يومياً في أكثر من 25 ترليون دولار.

ويقع شارع "وول ستريت" في المنطقة السفلى من جزيرة مانهاتن ويتقاطع مع برودواي ويتجه نحو "إيست ريفر".

وللذين لا يعرفون مانهاتن فإنها واحدة من خمس جزر تشكل مدينة نيويورك. وهي في الواقع الجزيرة التي يطلق عليها العديد من الناس اسم نيويورك.

في هذه الجزيرة يوجد حي المال الأميركي "وول ستريت". كما توجد بها مقار معظم البنوك الكبرى مثل "غولدمان ساكس" و"جي بي مورغان" ومجموعة "سيتي غروب" و"دويتشة بانك"، وباقي المصارف الرئيسية في العالم التي تتاجر في الأسهم وأسواق الصرف والسندات.
وتعد سندات الخزانة الأميركية أكبر العوامل الجاذبة للمستثمرين في السوق الأميركي، رغم ضآلة عائدها في السنوات الأخيرة، إذ إنها من أكثر أدوات المال المضمونة الاسترداد وأكثرها سيولة، حيث يمكن لصاحب السندات التعامل معها وكأنها نقد في جيبه لتسوية صفقات البيع والشراء والرهن. وبالتالي، فهي من الاستثمارات التي لا تحمل مخاطر. ويعد هذا من أسرار إقبال المصارف المركزية والحكومات ذات الفوائض مثل دول الخليج والسعودية واليابان والصين على شرائها والاحتفاظ بها، مقارنة بسندات الديون الحكومية الأخرى.

وتستفيد سوق "وول ستريت" من مجموعة مؤشرات حتى قبل إعلان فوز ترامب، من بينها تحسن معدل النمو الأميركي ومعدل البطالة المنخفض واحتمالات زيادة سعر الفائدة الأميركية أكثر مرة خلال العام الجاري، وبحث المستثمرين عن الدخل بالدولار القوي في أسواق الصرف العالمية.

أما عن قيمتها، حسب بيانات بورصة "وول ستريت" الأخيرة، فتقدر القيمة السوقية لسوق المال الأميركي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، بحوالي 25.1 ترليون دولار. ويعادل ذلك تقريباً نسبة 40% من إجمالي قيمة الأسهم العالمية بما فيها السوق الأميركي، والتي تقدر قيمتها السوقية بنحو 61.7 ترليون دولار.

وتمثل السوق الأميركية نحو ثلاثة أضعاف السوق الصينية التي تقدر قيمتها بنحو 8.1 ترليونات دولار، لكن حينما يضاف للبورصات الصينية، السوق المالي في هونغ كونغ، فإن إجمالي قيمتها تفوق 11 ترليون دولار، وتعني القيمة السوقية، قيمة الأسهم الدفترية التي يسجلها كل سهم يومياً في نهاية التداول.

وربما يتساءل بعض عن السر وراء الارتفاع الجنوني في سوق "وول ستريت" في عهد ترامب، على الرغم من تناقضاته والمظاهرات التي تنم عن كراهية المواطنين داخل وخارج أميركا له؟

في الواقع، فإن دونالد ترامب رجل محظوظ جاء للحكم في وقت تتحسن فيه أسس النمو الاقتصادي في أميركا، إذ تقل البطالة وتنخفض نسبتها إلى أقل من 4.5% من القوى العاملة في أميركا ويرتفع معدل النمو الاقتصادي إلى قرابة 3.0%، وتتحسن فيه ربحية الشركات.
وحسب محللين فإن هذه عوامل مهمة في جذب المستثمرين، كما تساعد ترامب على الضغط على الدول والشركات متعددة الجنسيات التي يريد ابتزازها وتطبيق سياسته الحمائية.
ويجب الأخذ في الاعتبار أن المستثمر يبحث عن الربحية والسياسات المالية التي تحقق له ذلك، ولا يهمه كثيراً شعبية الرئيس أو عدم شعبيته حسب هؤلاء.

يضاف إلى هذا العامل الإيجابي المتاعب التي تواجهها أسواق منطقة اليورو ومخاطر تفككها وسط صعود التيارات" الشعبوية والوطنية" في كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا. وهذه التيارات ترفع من مخاطر الاستثمار في الأسواق المالية بمنطقة اليورو وتدفع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة التي تحقق أرباحاً، وبالتالي ترفع من جاذبية سوق "وول ستريت".

لكن هناك عوامل أخرى تعود إلى سياسات ترامب يمكن تلخيصها في النقاط الآتية، وهي:
أولاً: يخطط ترامب إلى "إصلاح النظام الضرائب"، وقد أعلن يوم الأربعاء في لقائه مع الرؤساء التنفيذيين لشركات تجارة القطع، أنه يخطط لنظام ضرائب سهل ومرن وسيخفض الضرائب على الشركات والأفراد. وهذ الخفض في الضرائب سيرفع من أرباح الشركات الذي سيترجم في ارتفاع سعر أسهمها. وبالتالي فالمستثمر في سوق "وول ستريت" سترتفع قيمة استثماراته مقارنة بالبورصات الأخرى.

هذا من جهة، أما على صعيد خفض الضرائب على الأفراد، فإن ذلك سينعكس في ارتفاع القوة الشرائية في السوق الأميركي الذي تقدر قيمته الاستهلاكية سنوياً بنحو 11 ترليون دولار.

ثانياً: يتجه مصرف الاحتياط الفدرالي لرفع سعر الفائدة الأميركية، ربما خلال شهر مارس/آذار المقبل، وهذا سيعني مزيداً من القوة للدولار مقابل العملات الرئيسية، وهو ما سيعني مزيداً من الجاذبية في الأدوات الاستثمارية الدولارية، سواء كانت هذه الأدوات أسهماً أميركية أو سندات خزانة أو سندات شركات.

ثالثاً: يهدد ترامب الشركات المتعددة الجنسيات الأميركية، بأنه سيفرض عليها ضرائب مرتفعة إن لم تأت بأموالها واستثماراتها إلى السوق الأميركية، وهو ما يعني مزيداً من الأموال المتدفقة على سوق المال الأميركية.

رابعاً: يرعب ترامب الحكومات الأجنبية الغنية، بأنه سيتخذ ضدها إجراءات عقابية مثل إعلان أنها "تتلاعب بالعملة" ، أو أنها تغرق السوق الأميركي بسلع مدعومة. وهذا يجعل هذه الدول حريصة على استرضاء ترامب حتى لا تفقد تسويق سلعها وخدماتها النفاذ للسوق الأميركية، أو تواجه بضرائب مرتفعة مثل تلك التي يلوح بها وتراوح بين 35 و55% على الصين والمكسيك.
خامساً: يخطط ترامب لإنفاق ترليون دولار على مشاريع البنية التحتية، وهذه المشاريع ستخلف وظائف وتنعش مصانع الأسمنت وشركات البناء والحديد والصلب.

ذات صلة

الصورة
ماركو روبيو خلال تجمّع انتخابي في بنسلفانيا 4 نوفمبر 2024 (Getty)

سياسة

مع اختيار الرئيس الأميركى المنتخب دونالد ترامب، الأربعاء، ماركو روبيو لشغل منصب وزير الخارجية في إدارته المقبلة، تتوجه الأنظار إلى سياسة النائب المحافظ
الصورة
دونالد ترامب ومحمود عباس بالبيت الأبيض في واشنطن 3 مايو 2017 (Getty)

سياسة

أكد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في اتصال هاتفي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيعمل على إنهاء الحرب وأبدى استعداده للعمل من أجل السلام
الصورة

سياسة

على الرغم من إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، إلا أنه ما زال يواجه تهماً عديدة في قضايا مختلفة، وذلك في سابقة من نوعها في البلاد.
الصورة
هاريس تتحدث أمام تجمع النتخابي في واشنطن / 29 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

حذرت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في خطاب أمام تجمع انتخابي حضره أكثر من 70 ألفاً في واشنطن من مخاطر فترة رئاسية ثانية لمنافسها الجمهوري دونالد ترامب.
المساهمون