2018 الأصعب اقتصادياً على المصريين... وتوقعات باستمرار الأزمات والغلاء

02 يناير 2018
المصريون يعانون موجات من الغلاء المتلاحق (Getty)
+ الخط -


أزمات عدة تواجه الاقتصاد المصري خلال العام الجديد، الذى لم يخف مسؤولون أنه سيكون الأصعب، مقارنة بالأعوام الماضية، ما يجعل المواطنون في مرمى صعوبات إضافية عنوانها المزيد من الغلاء واختناق المعيشة.

ومن المقرر أن تواصل الحكومة سياستها لإلغاء دعم الطاقة والسلع وزيادة الضرائب على بعض القطاعات الصناعية، وتعدل القوانين الخاصة بالمعاشات (التقاعد)، الأمر الذى سيرفع من قيمة المستقطعات من الأجور، مما يزيد من ارتفاع الأسعار وارتفاع الأعباء المعيشية على الكثير من المصريين الذين تحتجزهم المشاكل الاقتصادية من دون مؤشرات على إطلاق سراح يلوح في الأفق.

الحكومة المصرية، حددت ما وصفتها بـ"الصعاب"، التي ستواجهها خلال العام المالي الحالي الذي يحل في الأول من يوليو/تموز المقبل، أبرزها تقليص نسبة العجز في الموازنة إلى 8.5%، مقابل 9.5% مستهدفة خلال العام المالي الحالي، بالإضافة إلى خفض الدين العام إلى 94% مقابل 98%.

ولتحقيق هذه الخطوة، فإن المصريين على موعد جديد مع مزيد من رفع أسعار مختلف السلع والخدمات، والاقتراض الذي لا يتوقف.

وقالت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، إن "2018 سيكون عاماً صعباً، فإما أن يكون عنواناً لمرحلة جديدة تخف فيها وطأة المشاكل الاقتصادية والعبور بسلام، أو الانخراط في مشكلات مالية واقتصادية أكثر صعوبة".

ويعد العام المالي المقبل 2018 /2019، آخر عام في برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي وقعته مصر مع صندوق النقد الدولي نهاية 2016، حيث يستهدف تحقيق فائض أولي في الموازنة العامة بما يتراوح بين 1.7% و2% من الناتج المحلي، بينما يتوقع تحقيق فائض في الموازنة الحالية للمرة الأولى بنسبة 0.2%.

لكن المؤشرات الحقيقية تشير إلى تحقيق مزيد من العجز والاستدانة لسداد قروض مستحقة والتخفيف من وطأة العجز.

في الأمس فقط كشف مسؤول كبير في قطاع الدين العام بوزارة المالية المصرية، في تصريح لـ"العربي الجديد، عن أن الحكومة تعتزم اقتراض 415 مليار جنيه (23.5 مليار دولار) من السوق المحلية، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2018 ، لسداد ديون مستحقة، وسد جزء من عجز الموازنة العامة للدولة.

وتأتي هذه القروض، بزيادة تبلغ نسبتها 51% عن قيمة الاقتراض في نفس الفترة من 2017، الذي بلغ 275 مليار جنيه (15.5 مليار دولار).

وبجانب الاقتراض المحلي، تكثف مصر من الاستدانة الخارجية. وقفز الدين الخارجي بنسبة 41.6% على أساس سنوي إلى 79 مليار دولار، في ختام السنة المالية الماضية 2016/ 2017، مقابل 55.8 مليار دولار في نهاية السنة السابقة، وفق البيانات الصادرة عن البنك المركزي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبحسب المسؤول المصري فإن إجمالي الدين العام المحلي والخارجي تجاوز 4.5 تريليونات جنيه (254.2 مليار دولار).
 

هبوط إضافي للجنيه

وفي ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الدولة ومحدودية مواردها المالية، يتوقع أن يشهد الجنيه مزيداً من الانخفاض أمام العملات الأجنبية خلال 2018، وفق محمد الأبيض، رئيس شعبة الصرافة في اتحاد الغرف التجارية.

وقال الأبيض في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التوقعات تشير إلى اتجاه الدولار نحو 18 جنيها"، مستبعدا ما يروج له مسؤولون حكوميون وبعض الخبراء تراجع العملة الأميركية إلى 14 جنيهاً. ويتحرك سعر صرف الدولار في حدود 17.7 جنيها حاليا، بعد أن شهد صعوداً محدودا خلال الأسابيع الأخيرة.

وكان الدولار يقدر بنحو 8.88 جنيهات قبل قرار البنك المركزي المصري في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 تعويم (تحرير) سعر الصرف، والذي دفع العملة الأميركية لمستويات قياسية خلال أيام من هذا القرار، ولامست نحو 20 جنيها قبل أن تتراجع بشكل متباطئ وصولاً إلى المستويات الحالية إثر فترة من التذبذب الحاد بين الصعود والهبوط، لكنها لم تنخفض عن مستويات 16 جنيها.

ووفق توقعات خبراء الصرافة بعدم تراجع الدولار وإنما تحقيق المزيد من الصعود، فإن أسعار السلع لن تشهد انخفاضاً كما تروج الحكومة التي تقول إنها تستهدف معدلات منخفضة من التضخم خلال هذا العام، حسب تأكيد مسؤول مصرفي.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، فإن معدل التضخم سجل خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 26.7%.

وكان التضخم قد لامس 34% منتصف عام 2017، قبل أن تعلن الحكومة مستويات منخفضة عن هذا المستوى في الأشهر اللاحقة، غير أن خبراء اقتصاد قدروا التضخم بأكثر من 50% مقللين من شفافية البيانات الحكومية. ويستهدف البنك المركزي خفض التضخم إلى 13% خلال هذا العام.

وقال مصطفى بدرة الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد"، إن تراجع التضخم خلال 2018 مرهون بعدد من الإجراءات منها تراجع سعر صرف الدولار، بالإضافة إلى القضاء على الاحتكار، الذي يسهم بصورة أو بأخرى في رفع الأسعار، فضلا عن توفير بديل محلي جيد للمنتجات المستوردة، مما يقلل التكلفة وبالتالي يحقق سعراً أفضل".

وتوقع عبد المطلب عبد الحميد الخبير الاقتصادي، استمرار التضخم في الصعود، وعدم إحساس المواطن بانخفاض الأسعار بل ستظل تداعياتها حاضرة.

 

احتدام الأزمات 

ورأى وائل النحاس الخبير الاقتصادي، أن الأزمات الاقتصادية ستحتدم خلال العام الجديد، خاصة مع ارتفاع الأسعار عالمياً، ومواصلة الحكومة سياستها في خفض الدعم، الأمر الذي يجعل الغلاء مستمراً.

وقال النحاس: "ستواصل الحكومة الاقتراض وستتجه الأعباء نحو الارتفاع، وتقل فرص توظيف أموال البنوك في الاستثمار، ما يعني عدم تحريك الإنتاج الحقيقي وتقلص توظيف العمالة".

في المقابل تقول الحكومة إنها تستهدف تحقيق معدل نمو 5.5% وخفض البطالة إلى 10%، وزيادة الاحتياطي النقدي ليغطي 5.5 أشهر واردات.

وقالت بسنت فهمى عضو مجلس النواب (البرلمان)، إن مواجهة التضخم من أهم التحديات التي تواجه الحكومة حالياً، حيث أن ارتفاع الأسعار أصبح شكوى جماعية، خاصة مع تراجع قيمة الجنيه أمام العملات واستمرار ارتفاع معدل الاستيراد بسبب عدم وجود بدائل محلية جيدة لكافة السلع، وإن انحسر قليلا بسبب عدم توافر الدولار بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية.

ورغم تداعيات تهاوي الجنيه على رفع الأسعار، تستعد الحكومة لإقرار زيادات جديدة في أسعار الوقود والكهرباء وتذاكر القطارات ومترو الأنفاق قبل يوليو/تموز المقبل.

كما يتوقع إدخال تعديلات ضريبية من شأنها زيادة الأسعار، وفق عبد الرسول عبد الهادي الخبير الضريبي، الذي قال إن هناك مخاوف من تعديلات تتم على قانون الضريبة على القيمة المضافة، وكذلك إخضاع الاقتصاد غير الرسمي للضرائب، ما سيدفع الأسعار نحو مزيد من الصعود.

وطبقت مصر ضريبة القيمة المضافة في سبتمبر/ أيلول 2016 بنسبة 13%، لكنها رفعتها إلى 14% منذ مطلع يوليو/تموز 2014، وذلك لتوفير موارد مالية عبر إجراءات مؤلمة لمحدودي الدخل والفقراء بشكل خاص.

كانت بيانات صادرة عن وزارة المالية منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قد كشفت عن أن عائدات الضرائب على السلع والخدمات، تمثل أكثر من نصف إجمالي الإيرادات الضريبية، حيث بلغت خلال يوليو/تموز وأغسطس/ آب الماضيين، 32.1 مليار جنيه (1.8 مليار دولار)، بما يمثل 57.4% من إجمالي الإيرادات الضريبية خلال هذين الشهرين.

وتسعى الحكومة إلى زيادة حصيلتها الضريبية بهدف الحد من العجز المتفاقم. وحسب أرقام رسمية، تستهدف الحكومة تحصيل ضرائب بقيمة 604 مليارات جنيه (33.5 مليار دولار) خلال العام المالي الحالي 2017 /2018، لتمثل نحو 74% من إجمالي الإيرادات المتوقعة.

وقال هاني توفيق المحلل المالي، إن مصر تحتاج إلى استثمار أجنبي حقيقي لدعم الاقتصاد، وتوفير فرص عمل وزيادة الدخل القومي، موضحا: "نحتاج معدل نمو حقيقي لا يقل عن 7% حتى يلمس المواطن تحسنا في الاقتصاد".

وأضاف أن تحسين بيئة الاستثمار وإقراض المشروعات، سيكون له دور كبير في تقليل التضخم والركود الحالي لدى مجتمعات الأعمال.

المساهمون