أقدم تلميذ بالسنة التّاسعة في إحدى المدارس الإعدادية بمحافظة سيدي بوزيد بالجنوب التونسي، على إضرام النّار في جسده داخل المدرسة ممّا أسفر عن إصابته بحروق من الدرجة الثالثة.
ويبلغ التّلميذ جميل المنصوري 14 سنة، حسب مدير المدرسة، الذي أفاد أنّه طرد التلميذ مطالبا إياه بإحضار ولي أمره، مما دفعه إلى التهديد بحرق نفسه، ثم أحضر مادة قابلة للاشتعال وأوقد النار في جسده.
ليست هذه الحالة الأولى التي يقدم فيها شخص على حرق نفسه، فمنذ أن أوقد البوعزيزي في جسده نارا كانت الشرارة الأولى في اندلاع الثورة، حتى باتت هذه الظاهرة ملفتة للانتباه في تونس ما بعد الثورة.
فقد ارتفعت حالات الانتحار في تونس لتبلغ منذ يناير/كانون الثاني 2011 إلى أواخر 2013 حوالي 450 حالة، بمعدل 15 حالة وفاة شهريا و20 محاولة انتحار.
وقد بلغت نسبة الانتحار حرقا أكثر من 60 بالمئة من جملة حالات الإقدام على الانتحار، وذلك وفق إحصاءات صادرة عن وزارة الداخلية.
يذكر أنّه تم تسجيل أكثر من 220 حالة انتحار في الـ 3 سنوات الأولى من اندلاع الثورة، وتشمل الإحصاءات الرّسمية نحو 53 بالمئة من الشباب، كما تشمل بقية الفئات العمرية حتى الشيوخ (الأعمار من 13 إلى 70 سنة).
وبعد أن كان الانتحار يتم سرا وفي أماكن بعيدة أو مغلقة، تحول الانتحار -لا سيما حرقا- من مسألة خاصة إلى مسألة عامة، وأصبح يتم أمام الجميع ليبين حجم الاحتجاج والمعاناة التي يعانيها المنتحر.
وللانتحار أسبابا متعددة، منها اجتماعیة أو اقتصادية، أو بسبب الأمراض النفسية والقلق والشعور بالیأس، أو تعاطي المخدرات.
وقد أوضح عماد الرقيق –أخصائي علم النفس- أنّ ظاهرة الانتحار تضاعفت في تونس بعد الثورة بسبب حالة الفوضى وضبابية الرؤية السّياسية والاقتصادية والخوف من المستقبل.
مشيرا إلى أنّ الضغوط الاقتصادية، وغياب الحلول، وانسداد الآفاق خاصّة أمام الشباب، إلى جانب وضعية البلاد، كلها عوامل تحفّز بعض الفئات خاصة المهمشين على الإقدام على الانتحار.
وقد تفاقمت ظاهرة الانتحار حرقا خلال الفترة الأخيرة في تونس حتى بلغت مرحلة مثيرة للقلق والخوف والصدمة، وباتت تتطلب دراسة معمّقة من أجل وضع حدّ لها بعد أن انتشرت بين الشباب في مختلف المدن والقرى، بل شملت جميع محافظات البلاد تقريبا دون استثناء، حتى باتت صحفنا اليومية لا تكاد تخلو من خبر عن إقدام شخص على حرق نفسه.