100 يوم على الحكومة اللبنانية: إخفاقات وانتكاسات

22 مايو 2020
واصلت حكومة دياب نهج الحكومات السابقة (حسين بيضون)
+ الخط -
انتهت فترة السماح التي كان طلبها رئيس مجلس الوزراء اللبناني حسان دياب لتنفيذ تعهّداته خلال مائة يوم، غداة صدور مرسوم تشكيل الحكومة في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، والتي وعد بأنها ستعبّر عن تطلعات المعتصمين على مساحة الوطن، وأنها ستكون بمثابة فريق إنقاذ سيتعامل مع الضغوط الاقتصادية والمالية بإجراءات سريعة لا متسرعة. وقد طلب دياب أخيراً من كل وزير إعداد لائحة بما تحقّق في وزارته، وتم عرضها كلّها في جلسة عُقِدت أمس الخميس في السراي الحكومي.

من خلال جردة ميدانية سريعة، يمكن ملاحظة مدى فشل الحكومة الجديدة في التعامل مع أبرز القضايا السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية والنقدية والحقوقية خلال فترة الأشهر الثلاثة التي وضعتها لنفسها، لتؤكد بذلك أنّها تمثّل استمراراً لنهج الحكومات المتعاقبة القائم على المحاصصة وتقاسم مغانم السلطة وقمع الحريات الذي يتفاقم على نحو غير مسبوق عبر سلسلة الاستدعاءات التي تطاول مواطنين وناشطين وصحافيين بشكل شبه يومي، فضلاً عن تزايد حالات الاعتداء من قبل الأجهزة الأمنية (من قوى أمن وجيش) على مواطنين.

الفضيحة الكبرى للحكومة، تمثّلت في تسجيل سعر صرف الدولار مستوى لم يشهده لبنان في تاريخه، إذ لامس الـ4500 ليرة لبنانية، في حين بقيَ سعر الصرف الرسمي ثابتاً على 1515 ليرة؛ الأمر الذي انعكس غلاءً في أسعار السلع والمواد الغذائية الاستهلاكية وعلى صعيد القطاعات كلها. وخسر الموظف اللبناني أكثر من ستين في المائة من راتبه الذي يتقاضاه بالعملة الوطنية، ليصبح اللبنانيون أمام مشهد يمكن تلخيصه بارتفاع معدل البطالة والفقر والجوع، وانعدام القدرة الشرائية لدرجة أن المطاعم التي سمح لها بفتح صالاتها أمام الزبائن بعد تخفيف إجراءات التعبئة العامة التي فرضها فيروس كورونا، لم تقوَ على ذلك، لا بل أعلن القطاع السياحي مراسم تشييعه. وبدل إيجاد الحلول ومحاسبة التجار المحتكرين الذين يجنون أرباحاً طائلة على حساب وجع الناس، يخرج وزير الاقتصاد راوول نعمة بمواقف تدل على أنه يعيش في كوكب آخر، ويطلب من اللبنانيين تغيير أصناف مأكولاتهم وكأن لهم القدرة على الاختيار بين اللحوم التي تجاوز سعر الكيلو الواحد منها الـ30 ألفاً وبين الدجاج، متغافلاً عن أن كُثراً منهم باتت وجباتهم تقتصر على العدس إن توفر لديهم ثمنه.

وعلى الرغم من التوقيفات التي طاولت موظفين كباراً في البنك المركزي ونقيب الصرافين محمود مراد، وتجار العملة غير الشرعيين، والتي لم تؤثر في مسألة انخفاض سعر الصرف، لا بل استمرّ صعوداً، إلا أنّ التحقيقات لم تصل إلى حدّ الاستماع إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على الرغم من أنّ الاعترافات كلها ذكرت علاقته بالتلاعب بسعر الصرف. ويبدو ذلك مفهوماً عند معرفة أنّ سلامة هو "رئيس" النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، الذي يضع يده على الملف، والذي يشغل أيضاً منصب عضو في الهيئة المصرفية العليا لدى مصرف لبنان. كما لم تطاول التحقيقات كبار الصرافين الذين يُعرَفون بانتمائهم لـ"حزب الله"، ويعملون لصالحه في تهريب الدولارات إلى سورية، ويزودونه بالدولارات التي خسرها من جراء العقوبات الأميركية المفروضة عليه. في الأثناء، لوحظ تغيّر في حدّة موقف رئيس الحكومة الذي وصل سابقاً إلى حدّ التلميح باحتمال إقالة حاكم البنك المركزي ومحاسبته، قبل أن تهدأ المواقف حتى من قبل "حزب الله". هذا كلّه ولا تزال المصارف اللبنانية تحتجز ودائع اللبنانيين بالعملة الخضراء بحجة شحّ الدولار، علماً أنها حوّلت الملايين منها إلى الخارج خلال انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول، ولا تزال تمنح الدولارات لبعض الشخصيات النافذة ومعارفها.

من جهة ثانية، برزت فضيحة تهريب المازوت والطحين، المادتين المدعومتين من قبل المصرف المركزي، إلى سورية عبر المعابر غير الشرعية التي يفوق عددها المائة، ويسيطر عليها "حزب الله"، ويمنع إقفالها كونها تعدّ من الممرات الأساسية لنقل أسلحته وعناصره ومقاتليه لدعم نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من الاجتماعات التي شهدها قصر بعبدا الرئاسي، وخصصت للملف المذكور، إلا أنّ ترجمة المواقف المنددة بهذا الشأن لم ولن تحصل طالما أنّ "حزب الله" يريد الإبقاء على هذه المعابر، وهو اليوم يدعو أكثر من أي وقت مضى للتواصل مع سورية وفتح الحدود معها. وقد زار المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم قبل أيام سورية، حيث بحث ملفات عدة من بينها التهريب.

وفي سجل الحكومة، التي توصف بأنها حكومة حزب الله وحلفائه، فضيحة أخرى تمثلت في إطلاق سراح العميل لصالح إسرائيل، عامر الفاخوري، بعد صدور حكم في 16 مارس/آذار الماضي عن رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبد الله، بكفّ التعقبات بحقه، ومن ثمّ مغادرته لبنان بطوافة أميركية من مركز السفارة الأميركية في بيروت، على الرغم من صدور قرار قضائي يمنع سفره ومغادرته الأراضي اللبنانية. وقد شكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحكومة اللبنانية على تعاونها والعمل على إطلاق سراح الفاخوري المتهم بارتكاب جرائم قتل ومحاولة قتل أسرى داخل سجن الخيام، وخطف وتعذيب آخرين خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان قبل الانسحاب عام 2000.

كذلك، رسبت الحكومة في امتحان التعيينات، إذ فشلت في إضفاء منطق الكفاءة والخبرة والاستقلالية على المراكز الإدارية والقضائية، ولا يزال منطق المحاصصة والكباش السياسي يعرقل مسارها. ويضاف هذا إلى جملة مناسبات ومواقف أثبتت فيها حكومة حسان دياب أنها لا تضمّ وزراء مستقلين تكنوقراطاً، وهي حكومة "حزب الله" وفريق "الثامن من آذار"، باعتراف قادة هذه القوى أنفسهم. وسبق أن هدد رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية سابقاً بسحب ممثليه في الحكومة، وكذلك فعل رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما تتواصل تدخلات رئيس "التيار الوطني الحر"، النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، في الكثير من قرارات الحكومة، وآخرها قرار مجلس الوزراء في جلسة عقدها الثلاثاء الماضي، في قصر بعبدا برئاسة عون، استكمال السير بالعقد الموقع بين شركة "سوناطراك" الجزائرية ووزارة الطاقة والمياه في لبنان. وبدأت تحوم شبهات كثيرة حول هذا العقد، بعد اكتشاف شحنات زيت وقود مغشوش وتوسع التحقيقات في الملف، التي أدت إلى توقيف ما يزيد عن 20 موظفاً في وزارة الطاقة ومنشآت النفط، إلى جانب ممثل شركة "سوناطراك" في لبنان. وترتبط "سوناطراك" باتفاقية مع وزارة الطاقة اللبنانية لتزويدها بوقود الديزل وزيت الوقود (الفيول)، كانت تجدد كلّ 3 سنوات طيلة 15 عاماً. وهي مدة تعاقب فيها وزراء من "التيار الوطني الحر" على وزارة الطاقة التي لم تنجح حتى اليوم في تأمين الكهرباء للبنانيين، لا بل زادت ساعات التقنين.

في السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي جورج علم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة مختلفة عن سابقاتها من حيث الشكل، بمعنى أنّ رئيسها حسان دياب لم يكن من النادي السياسي التقليدي في لبنان، وهناك وجوه جديدة خارج الطبقة المألوفة من السياسيين، لكنها في العمق شبيهة بالحكومات المتعاقبة، لأنها تمثّل أطرافاً، والقرار فيها لا يتخذ إلا بعد مراجعة الطرف الذي رشحها. لذلك، بتنا نسمع عن قرارات، لكن الأفعال لم تترجم عملياً على الأرض".

ويشير علم إلى أنّ هذه الحكومة "تجرّأت وفضحت الوضع المالي الاقتصادي، وقالت إنّ لبنان مفلس، وقدمت ورقة بالخسائر؛ سواء لدى مصرف لبنان أو بالنسبة للديون المترتبة على الدولة ووضع المصارف. كما قدمت ورقة إصلاحية تحاول تسويقها لدى المجموعة الدولية لدعم لبنان والدول المانحة في مؤتمر سيدر (مؤتمر اقتصادي عقد بباريس بمشاركة 50 دولة، بهدف دعم اقتصاد لبنان)، وصندوق النقد الدولي". ويتابع: "باختصار، إذا لم تأتِ أموال من هذه الجهات، فكل الكلام الذي يقال حتى الآن لا قيمة له، لأنّ الأوضاع تزداد سوءاً على المستويات كلها، وقد جاءت جائحة كورونا في بلد مفلس، لتضيف أعباء جديدة على الحكومة ولتحدّ من نشاط الوزراء، وهذه حقيقة لا يمكن التهرب منها". ويؤكّد علم أنّ الحكومة "لم تتمكن من تحقيق إنجازات تكسب من خلالها ثقة الناس".

ويرى المتحدّث نفسه أنّ هذه الحكومة "هي حكومة حزب الله، ككلّ الحكومات السابقة"، ويشير إلى ملف التهريب مثلاً عبر المعابر غير الشرعية، ويقول:"هناك في المجتمع الدولي من يشير إلى مسألة تنفيذ القرار 1559 والاستعانة بقوات اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان) لضبط المعابر غير الشرعية إذا كان الجيش اللبناني وقوى الأمن غير قادرة على القيام بهذه المهمة، فيطلّ الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ليرفض هذا الموضوع. هنا كيف من الممكن للحكومة إذا رأت أن المصلحة الوطنية تقتضي الاستعانة بالقوات الدولية لإتمام هذه المهمة بين لبنان وسورية، أن تسير بهذا القرار في ظلّ رفض حزب الله؟". ويتابع علم: "هذا ما يعيدنا إلى لبّ المشكلة، أنّ هناك دويلة ودولة. الدويلة تأخذ الدولة حيث تريد وأينما تريد؛ الحرب أو السلم، وطالما هذه الازدواجية قائمة، وفي ظلّ طبقة فاشلة أوصلت لبنان إلى هذا المستوى المعيشي الاقتصادي المتردي، فإنّ الحكومة غير قادرة على العمل إلا بعجائب". ويلفت إلى أنّ لبنان مقبل على "ثورة الجياع وانتفاضة الطبقات الاجتماعية كلها، إلا إذا قدّم صندوق النقد الدولي المساعدات المالية لتكون بارقة أمل لتهدئة النفوس، وإعطاء فرصة لحكومة حسان دياب. ولكن الانتفاضة آتية حتماً إذا لم يأتِ الدولار إلى الداخل اللبناني، لأنّ المجاعة تدقّ أبواب اللبنانيين".

بدوره، يقول الناشط والمحامي عيسى نحاس، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك الكثير من الثغرات التي لا تزال موجودة، ولا سيما على الصعيد القضائي، خصوصاً أنّ أدوات عمل الحكومات السابقة لا تزال تعمل في مراكزها، وعلّة حكومة حسان دياب الأساسية هي من الطبقة السياسية التي تتحكم فيها أو تعرقل أعمالها". ويضيف نحاس: "قد يكون الإنجاز الوحيد الذي حققته الحكومة الحالية وضع خطة اقتصادية هي الأولى من نوعها في لبنان، ولكنها أتت بعد إفلاس البلد. في المقابل، لم نرَ أي تحرّك على صعيد استعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين أو مكافحة الفساد".

في سياق آخر، برزت الأساليب القمعية التي ارتفعت حدتها منذ نيل حكومة دياب الثقة؛ سواء مع الناشطين أو الصحافيين في ساحات الحراك، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وداخل مراكز التوقيف، إذ وصلت إلى حدّ تعذيب ناشطين موقوفين كهربائياً، كما حصل في صيدا جنوب لبنان أخيراً. ويكشف المسؤول الإعلامي لمؤسسة "سمير قصير – سكايز" جاد شحرور، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الانتهاكات التي ارتكبت بحق الصحافيين منذ بداية 2020 وحتى بداية شهر مايو/أيار الحالي تخطّت الثمانين، وكانت كالتالي: 3 حالات شتم، 12 استدعاءً أمنياً، 21 حكماً قضائياً، 9 حالات منع تصوير، 17 حالة ضرب، 7 حالات رشق حجارة وقنابل غاز، 3 حالات إصابة برصاص مطاطي، بالإضافة إلى حالة واحدة برصاص عادي من مصدر مجهول؛ فضلاً عن 3 حالات اعتقال لمصورين، مع اعتقال صحافي واحد، إلى جانب تسطير مخالفات بحجة كورونا، تمّ إلغاء بعضها بعد حالة الغضب التي سبّبتها".

ويشير شحرور إلى أنّ "تحولاً جذرياً حصل في طريقة التعاطي مع الصحافيين منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019. ففي الأعوام الماضية، كانت الانتهاكات ترتبط باستدعاءات أمنية لصحافيين وناشطين، لكن بعد الانتفاضة تحوّل المشهد إلى اعتداءات مباشرة على الصحافيين من قبل العناصر الأمنية، لعلّ أبرزها ما حصل أمام ثكنة الحلو (في بيروت) في يناير الماضي، إذ إنّ ما حصل يومها لا يمكن وصفه بالتفصيلي في بلدٍ يتغنّى بالديمقراطية".

ومع هذه الإخفاقات، ويمكن إضافة الكثير إليها سواء لناحية طريقة تعاطي الحكومة مع أزمة كورونا أو قمعها التحركات وإزالتها خيم المعتصمين في بيروت بحجة الفيروس والتعبئة العامة، وسكوتها عن السلاح المتفلت في مناطق نفوذ "حزب الله"، يرى ناشطون في انتفاضة 17 أكتوبر أنّ حكومة حسان دياب ستسقط في الشارع فور الانتهاء من أزمة الوباء العالمي.

المساهمون