"من كل قلبي أتمنى لو يُطلب مني تنفيذ قطع من أعمالي في أكثر من بلد عربي. أنا من مواليد 1916، الوقت مداهم، ولا أحد يعرفني". هذا ما كتبته الفنانة اللبنانية سلوى شقير في ثمانينيات القرن الماضي، تعبيراً عن طموحها في تحقيق انتشار عربي أسوة بالانتشار العالمي الذي بدأته عام 1948 في العاصمة الفرنسية باريس، وتواصل أعمالها تحقيقه، حتى اليوم، من خلال المعارض العالمية التي تقام لعرض أهم أعمالها. استضافت مدينتها بيروت أولى معارضها عام 1948، وأقيم آخر معرض لها خلال العام الماضي.
امتدت هذه المعارض بين بيروت، والإمارات العربية المتحدة، ولندن، وباريس، والولايات المتحدة الأميركية، والبرازيل. وشكلت استضافة أعمالها في معرض "تيت مودرن" Tate Modern اللندني ذروة التقدير الدولي لأعمال سلوى، حيث تجاوز عدد القطع المعروضة وقتها 400، بحسب ابنتها المشرفة على أعمالها، هلا.
بلغت شقير عامها المئة في 24 يونيو/ حزيران، وكسرت القاعدة القائلة بأن المرء لا يُعرف في عصره. وهي قاعدة خطها صانع العود الدمشقي على عود أهداه لكوكب الشرق، أم كلثوم. تألقت سلوى شقير ككوكب من خارج السياق في مجال النحت الذي تميزت فيه. ورغم تقديمها مجموعة كبيرة من أنواع الفنون، من الرسم إلى تصميم المجوهرات والمفروشات والسجاد، وحتى الكتابة، بقي النحت هو الأقرب إلى قلبها الفنان وإلى عقلها المولع بالهندسة.
قدمت شقير كل أعمالها كفنانة فريدة ومتميزة سبقت عصرها، ونظّمت الفن التجريدي بلغة عربية معقدة التركيب، وبسيطة المبنى. وتنوعت أعمال الفنانة اللبنانية الحداثية بين المنحوتات الخشبية، والحجرية، والحديدية.
مراحل وأطوار
تخللت حياة سلوى العديد من الأحداث الشخصية والمحيطة بها التي أثرت في أعمالها، من دون أن تمس بفرادة الفن الذي قدمته انطلاقاً من نظرة جمعت الفن التجريدي الحديث بثقافتها وخلفيتها العربيتين. يقسم النقاد أعمالها إلى فترات زمنية حملت أسماءً مستوحاة من الأعمال التي أنتجتها خلال هذه الفترات، فكان العقد الممتد بين عامي 1951 و1961 "مسار الخط"، ثم طبعت الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) "الثنائيات" أو المثنويات التي قدمتها سلوى شقير على شكل أعمال فنية من قطعتين قريبتين كرمز لعودة الوحدة إلى المناطق اللبنانية التي شطرتها الحرب إلى قسمين.
وفي المرحلة الثالثة، قدمت شقير أعمال "القصائد" المستلهمة من صياغة القصائد العربية. وتقول هلا شقير لـ"ملحق الثقافة": "كانت اللغة العربية لغة والدتي في الرسم والنحت والتصميم، فظهرت الروح العربية التقليدية واضحة في أعمالها التي جمعت بين هذه الروح وبين القوانين الهندسية والفيزيائية". تذكر هلا "معاينة أحد الأكاديميين في الجامعة الأميركية في بيروت لأعمال والدتي التي صممتها باستعمال الخيوط المشدودة، وتأكيده أن هذه الأعمال تشكل تطبيقاً عملياً لقاعدة الدينامية الساكنة التي كانت حديثة الاكتشاف في حينه".
لم يُقلل هذا التأطير العلمي لمنحوتات سلوى شقير التي أعدتها من الخيوط من قيمتها الجمالية العالية، وهي جمالية زادتها الأشكال المتداخلة للخيوط داخل هياكل معدنية مستطيلة ومربعة ومستديرة، جابت قاعات المعارض العالمية، وبقيت "شابة" وحديثة رغم مرور عقود على تصميمها. كما شكّل تركيب المنحوتات متعددة الأجزاء التي نفذتها سلوى شقير، مُتعة للمشرفين على المتاحف، وهو ما أظهره تصوير عملية تركيب إحدى أعمال سلوى في "المتحف العربي للفن الحديث". كما أكّد الفيديو المصور باستخدام تقنية "تايم لابس"، على الروح الشابة في أعمال سلوى التي مضى على تصميمها أكثر من خمسين عاماً.
اقــرأ أيضاً
أم رياضية
تصف هلا والدتها بالأم الرياضية. وتذكر أن والدتها هي من صنعت مكعبات اللعب لها ولأطفال العائلة التي نشأت في منطقة "جل البحر" على شاطئ بيروت. ولم تحرم غزارة الإنتاج الفني لشقير عائلتها منها: "فقد لعبت معنا واكتشفنا معها البلدات النائية في الشمال اللبناني التي كنا نقصدها بسيارتها بدافع الفضول فقط. كما قرعت أبواب قصور السياسيين للاطلاع على تفاصيها الهندسية، ولم يمنعها أي عائق من تنمية روح الاكتشاف والتجربة لدينا ولديها".
وعلى الصعيد الفني، تواصل هلا "درس والدتها"، كما تقول، "لأن معظم أعمالها الفنية كانت سابقة لعصرها". تشير بيدها إلى إحدى المعروضات الثلاث في باحة متحف سرسق: "لا زلت لا أصدق حتى اللحظة أن والدتي صممت هذه المنحوتة في ستينيات القرن الماضي! لقد كان تنفيذها في عيد ميلادها المئة سهلًا ومنطقيًا". تتألف المنحوتة التي أشارت إليها هلا شقير من مستطيل ومكعبين مرصوصين بعضهما فوق بعض. تتداخل الأشكال الهندسية المتعددة في قلب المكعبين حتى يظن الناظر إليهما أنهما متطابقين تماماً، لكن التدقيق في المنحوتة يظهر اختلاف ترتيب نحت الأشكال الهندسية من دوائر ومثلثات ومربعات دخل كل مكعب. وتتداخل القطع الثلاث، التي تشكل معاً القطعة الثانية المعروضة في التكريم، عبر خطوط منحنية تكاد تختفي في وحدة القطعة. وتؤكد هلا شقير أن "خاصية التحول التي منحتها والدتي لأعمالها الفنية تميّزها عن غيرها من الفنانين، لأن كل قطعة من منحوتاتها المتداخلة يمكن النظر إليها كقطعة واحدة، وسرعان ما تتحول عند تفككيها إلى قطع فنية مستقلة قائمة وجذابة بحد ذاتها". وقد نقلت سلوى شقير هذا الفهم المُتجدد للمنحوتات إلى الرسومات التي قدمتها كمجموعات، وأخرجتها من إطارها التقليدي مانحة إياها أحجامًا أكبر وتداخلًا فريدًا بين الفن التجريدي وبين خلفيتها العربية.
سلوى في سرسق
لم تشعر أعمال سلوى شقير الثلاثة، التي زينت باحة متحف سرسق في العاصمة بيروت، بالغربة، خلال حفل التكريم الذي أقامته وزارة الثقافة للفنانة في عيد ميلادها المئة. فهي انضمت إلى عملين اثنين للفنانة اللبنانية يشكلان جزءاً من المجموعة الدائمة في المعرض. وتؤكد مديرة المتحف، زينة عريضة، لـ"ملحق الثقافة"، أن سلوى شقير "حازت على أولى جوائز المتحف التي مُنحت لها عام 1965، خلال فعاليات صالون الخريف في ذلك العام". وهي دلالة إضافية على "العلاقة الخاصة التي تجمع المتحف بالفنانيين اللبنانيين الذين عاصروا سلوى شقير. وكان من المنطقي تكريم الفنانة سلوى في هذا المتحف تحديدًا"، تقول عريضة.
غصت القاعة الكبرى في متحف نقولا سرسق في بيروت بالحضور في حفل تكريم سلوى شقير بمناسبة بلوغها المئة، وأنبأت زحمة السير حول المتحف بالحدث. لم يجد كل الحضور في القاعة مقعداً للجلوس، فجلسوا على الدرجين الضيقين المؤديين إلى المنصة. هناك تلقت هلا شقير درعاً تكريمياً من وزير الثقافة روني عريجي، الذي تحدث عن الفنانة "التي جسّدت توثّبًا ووعيًا حداثيًا لفهم أبعاد الفن كوظيفة اجتماعية وجمال إبداعي".
وتطرق عريجي إلى "النضال العروبي الذي جسدته سلوى شقير عبر النادي الثقافي العربي"، مشيراً إلى "تأثير العروبة في فنها إلى جانب الاتجاهات الحداثية التي جسدتها في باريس". وأثنى عريجي على "تلاحم الفنون في حياة الفنانة المُكرمة التي كانت من جيل التأسيس في الحياة الفنية اللبنانية".
وتخلل التكريم عرض مقتطفات من حلقة قديمة صورها تلفزيون لبنان الرسمي مع سلوى شقير، وصفت فيه الفنانة النحت بـ"روعة الوجود". وهي روعة جسدتها حركة أنامل سلوى في جمع قطع فنية جميلة لتتحول معًا إلى قطعة واحدة. وهو شكل من أشكال الفلسفة الخاصة التي قدمتها سلوى في فنها. "يمكن إضافة المزيد من الأجزاء إلى المنحوتة حتى الما لا نهاية"، بهذه العبارة اختصرت شقير الحياة التي تمنحها إلى منحوتاتها.
كما تخللت التكريم ندوة شارك فيها الأكاديميون جورج عربيد، ريم فضة، وكلير دايفس. قارن فيها المتحدثون بين المهندسة الراحلة زها حديد وسلوى شقير، مثلما أشار عربيد: "لأن الأولى قدمت أعمالاً هندسية أقرب إلى الفن، بينما قدمت سلوى أعمالاً فنية أقرب إلى الهندسة". كما وصفتها الكلمات بـ"مُجرّدة الفن الصوفي". وعرض المشاركون مخطوطات خاصة لمشاريع عملت سلوى شقير على تنفيذها، كمنزل متحرك، ومفروشات كانت صممتها واستخدمتها في منزلها في بيروت.
لم يقتصر الحضور في تكريم سلوى شقير على مجايليها أو أصدقائها، بل حضر عشرات المهندسين والفنانين الشباب لمعاينة مسيرة الفنانة. وشبّهها أحدهم بوالد الشخصية الخيالية الهوليوودية "الرجل الحديدي"، وهي الشخصية التي صممت أقصى ما يمكن تصميمه خلال فترة حياتها في السيتينات، وتركت للأجيال اللاحقة فهم هذه التصميمات والانطلاق منها لتقديم أشكال حديثة من الإبداع. وهو الإرث الكبير الذي تتركه سلوى شقير للعرب والعالم، علهم يدركونها في فضائها الإبداعي الخاص.
اقــرأ أيضاً
امتدت هذه المعارض بين بيروت، والإمارات العربية المتحدة، ولندن، وباريس، والولايات المتحدة الأميركية، والبرازيل. وشكلت استضافة أعمالها في معرض "تيت مودرن" Tate Modern اللندني ذروة التقدير الدولي لأعمال سلوى، حيث تجاوز عدد القطع المعروضة وقتها 400، بحسب ابنتها المشرفة على أعمالها، هلا.
بلغت شقير عامها المئة في 24 يونيو/ حزيران، وكسرت القاعدة القائلة بأن المرء لا يُعرف في عصره. وهي قاعدة خطها صانع العود الدمشقي على عود أهداه لكوكب الشرق، أم كلثوم. تألقت سلوى شقير ككوكب من خارج السياق في مجال النحت الذي تميزت فيه. ورغم تقديمها مجموعة كبيرة من أنواع الفنون، من الرسم إلى تصميم المجوهرات والمفروشات والسجاد، وحتى الكتابة، بقي النحت هو الأقرب إلى قلبها الفنان وإلى عقلها المولع بالهندسة.
قدمت شقير كل أعمالها كفنانة فريدة ومتميزة سبقت عصرها، ونظّمت الفن التجريدي بلغة عربية معقدة التركيب، وبسيطة المبنى. وتنوعت أعمال الفنانة اللبنانية الحداثية بين المنحوتات الخشبية، والحجرية، والحديدية.
مراحل وأطوار
تخللت حياة سلوى العديد من الأحداث الشخصية والمحيطة بها التي أثرت في أعمالها، من دون أن تمس بفرادة الفن الذي قدمته انطلاقاً من نظرة جمعت الفن التجريدي الحديث بثقافتها وخلفيتها العربيتين. يقسم النقاد أعمالها إلى فترات زمنية حملت أسماءً مستوحاة من الأعمال التي أنتجتها خلال هذه الفترات، فكان العقد الممتد بين عامي 1951 و1961 "مسار الخط"، ثم طبعت الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) "الثنائيات" أو المثنويات التي قدمتها سلوى شقير على شكل أعمال فنية من قطعتين قريبتين كرمز لعودة الوحدة إلى المناطق اللبنانية التي شطرتها الحرب إلى قسمين.
وفي المرحلة الثالثة، قدمت شقير أعمال "القصائد" المستلهمة من صياغة القصائد العربية. وتقول هلا شقير لـ"ملحق الثقافة": "كانت اللغة العربية لغة والدتي في الرسم والنحت والتصميم، فظهرت الروح العربية التقليدية واضحة في أعمالها التي جمعت بين هذه الروح وبين القوانين الهندسية والفيزيائية". تذكر هلا "معاينة أحد الأكاديميين في الجامعة الأميركية في بيروت لأعمال والدتي التي صممتها باستعمال الخيوط المشدودة، وتأكيده أن هذه الأعمال تشكل تطبيقاً عملياً لقاعدة الدينامية الساكنة التي كانت حديثة الاكتشاف في حينه".
لم يُقلل هذا التأطير العلمي لمنحوتات سلوى شقير التي أعدتها من الخيوط من قيمتها الجمالية العالية، وهي جمالية زادتها الأشكال المتداخلة للخيوط داخل هياكل معدنية مستطيلة ومربعة ومستديرة، جابت قاعات المعارض العالمية، وبقيت "شابة" وحديثة رغم مرور عقود على تصميمها. كما شكّل تركيب المنحوتات متعددة الأجزاء التي نفذتها سلوى شقير، مُتعة للمشرفين على المتاحف، وهو ما أظهره تصوير عملية تركيب إحدى أعمال سلوى في "المتحف العربي للفن الحديث". كما أكّد الفيديو المصور باستخدام تقنية "تايم لابس"، على الروح الشابة في أعمال سلوى التي مضى على تصميمها أكثر من خمسين عاماً.
أم رياضية
تصف هلا والدتها بالأم الرياضية. وتذكر أن والدتها هي من صنعت مكعبات اللعب لها ولأطفال العائلة التي نشأت في منطقة "جل البحر" على شاطئ بيروت. ولم تحرم غزارة الإنتاج الفني لشقير عائلتها منها: "فقد لعبت معنا واكتشفنا معها البلدات النائية في الشمال اللبناني التي كنا نقصدها بسيارتها بدافع الفضول فقط. كما قرعت أبواب قصور السياسيين للاطلاع على تفاصيها الهندسية، ولم يمنعها أي عائق من تنمية روح الاكتشاف والتجربة لدينا ولديها".
وعلى الصعيد الفني، تواصل هلا "درس والدتها"، كما تقول، "لأن معظم أعمالها الفنية كانت سابقة لعصرها". تشير بيدها إلى إحدى المعروضات الثلاث في باحة متحف سرسق: "لا زلت لا أصدق حتى اللحظة أن والدتي صممت هذه المنحوتة في ستينيات القرن الماضي! لقد كان تنفيذها في عيد ميلادها المئة سهلًا ومنطقيًا". تتألف المنحوتة التي أشارت إليها هلا شقير من مستطيل ومكعبين مرصوصين بعضهما فوق بعض. تتداخل الأشكال الهندسية المتعددة في قلب المكعبين حتى يظن الناظر إليهما أنهما متطابقين تماماً، لكن التدقيق في المنحوتة يظهر اختلاف ترتيب نحت الأشكال الهندسية من دوائر ومثلثات ومربعات دخل كل مكعب. وتتداخل القطع الثلاث، التي تشكل معاً القطعة الثانية المعروضة في التكريم، عبر خطوط منحنية تكاد تختفي في وحدة القطعة. وتؤكد هلا شقير أن "خاصية التحول التي منحتها والدتي لأعمالها الفنية تميّزها عن غيرها من الفنانين، لأن كل قطعة من منحوتاتها المتداخلة يمكن النظر إليها كقطعة واحدة، وسرعان ما تتحول عند تفككيها إلى قطع فنية مستقلة قائمة وجذابة بحد ذاتها". وقد نقلت سلوى شقير هذا الفهم المُتجدد للمنحوتات إلى الرسومات التي قدمتها كمجموعات، وأخرجتها من إطارها التقليدي مانحة إياها أحجامًا أكبر وتداخلًا فريدًا بين الفن التجريدي وبين خلفيتها العربية.
سلوى في سرسق
لم تشعر أعمال سلوى شقير الثلاثة، التي زينت باحة متحف سرسق في العاصمة بيروت، بالغربة، خلال حفل التكريم الذي أقامته وزارة الثقافة للفنانة في عيد ميلادها المئة. فهي انضمت إلى عملين اثنين للفنانة اللبنانية يشكلان جزءاً من المجموعة الدائمة في المعرض. وتؤكد مديرة المتحف، زينة عريضة، لـ"ملحق الثقافة"، أن سلوى شقير "حازت على أولى جوائز المتحف التي مُنحت لها عام 1965، خلال فعاليات صالون الخريف في ذلك العام". وهي دلالة إضافية على "العلاقة الخاصة التي تجمع المتحف بالفنانيين اللبنانيين الذين عاصروا سلوى شقير. وكان من المنطقي تكريم الفنانة سلوى في هذا المتحف تحديدًا"، تقول عريضة.
غصت القاعة الكبرى في متحف نقولا سرسق في بيروت بالحضور في حفل تكريم سلوى شقير بمناسبة بلوغها المئة، وأنبأت زحمة السير حول المتحف بالحدث. لم يجد كل الحضور في القاعة مقعداً للجلوس، فجلسوا على الدرجين الضيقين المؤديين إلى المنصة. هناك تلقت هلا شقير درعاً تكريمياً من وزير الثقافة روني عريجي، الذي تحدث عن الفنانة "التي جسّدت توثّبًا ووعيًا حداثيًا لفهم أبعاد الفن كوظيفة اجتماعية وجمال إبداعي".
وتطرق عريجي إلى "النضال العروبي الذي جسدته سلوى شقير عبر النادي الثقافي العربي"، مشيراً إلى "تأثير العروبة في فنها إلى جانب الاتجاهات الحداثية التي جسدتها في باريس". وأثنى عريجي على "تلاحم الفنون في حياة الفنانة المُكرمة التي كانت من جيل التأسيس في الحياة الفنية اللبنانية".
وتخلل التكريم عرض مقتطفات من حلقة قديمة صورها تلفزيون لبنان الرسمي مع سلوى شقير، وصفت فيه الفنانة النحت بـ"روعة الوجود". وهي روعة جسدتها حركة أنامل سلوى في جمع قطع فنية جميلة لتتحول معًا إلى قطعة واحدة. وهو شكل من أشكال الفلسفة الخاصة التي قدمتها سلوى في فنها. "يمكن إضافة المزيد من الأجزاء إلى المنحوتة حتى الما لا نهاية"، بهذه العبارة اختصرت شقير الحياة التي تمنحها إلى منحوتاتها.
كما تخللت التكريم ندوة شارك فيها الأكاديميون جورج عربيد، ريم فضة، وكلير دايفس. قارن فيها المتحدثون بين المهندسة الراحلة زها حديد وسلوى شقير، مثلما أشار عربيد: "لأن الأولى قدمت أعمالاً هندسية أقرب إلى الفن، بينما قدمت سلوى أعمالاً فنية أقرب إلى الهندسة". كما وصفتها الكلمات بـ"مُجرّدة الفن الصوفي". وعرض المشاركون مخطوطات خاصة لمشاريع عملت سلوى شقير على تنفيذها، كمنزل متحرك، ومفروشات كانت صممتها واستخدمتها في منزلها في بيروت.
لم يقتصر الحضور في تكريم سلوى شقير على مجايليها أو أصدقائها، بل حضر عشرات المهندسين والفنانين الشباب لمعاينة مسيرة الفنانة. وشبّهها أحدهم بوالد الشخصية الخيالية الهوليوودية "الرجل الحديدي"، وهي الشخصية التي صممت أقصى ما يمكن تصميمه خلال فترة حياتها في السيتينات، وتركت للأجيال اللاحقة فهم هذه التصميمات والانطلاق منها لتقديم أشكال حديثة من الإبداع. وهو الإرث الكبير الذي تتركه سلوى شقير للعرب والعالم، علهم يدركونها في فضائها الإبداعي الخاص.