يونس حسن خميري: في جحيم السويدي الأسمر

31 يناير 2015
+ الخط -

"من أنا لمن ينظر إليّ، خصوصاً حين يكون اسمي أمور، وأكون من أصول مهاجرة؟" إنه السؤال الذي يعبر نص الكاتب التونسي السويدي يونس حسن خميري (1978)، "أنادي أخوتي"، الذي صدر حديثاً عن "دار أكت سود" الباريسية، بترجمة من السويدية لمريان سيغال ساموا.

نعرف خميري من نصّه "غزو" الذي أخرجه جان لوي مارتينيلّي على "مسرح أمانديي" الباريسي عام 2010؛ ويتناول موضوع الهوية، أو بالأحرى الهويات المتعددة، عبر سفر في الزمن والجغرافيا (من جزيرة ساردينيا في القرن الثامن عشر إلى استوكهولم في القرن الحادي والعشرين) يتردد خلاله اسم "أبو القاسم" على طول النص؛ كما نعرف خميري من روايته "مونتيكور، نمرٌ فريد" التي روى فيها قصة تونسي مهاجر إلى السويد.

"أنادي أخوتي" يتابع الموضوع نفسه وينتمي، مثل النصّين السابقين، إلى ذلك النوع الهجين على مستوى الشكل. فهل هو رواية، كما نقرأ على غلاف ترجمته الفرنسية، أم نص مسرحي، كما صدر عن "منشورات مسرحية" في باريس أيضاً؟ الشكل المعتمد فيه هو مونولوغ داخلي طويل، تقطعه من حين إلى آخر نصوص قصيرة هي عبارة عن تعويذات تبدأ بـ "أنادي أخوتي" وتدعو "الأخوة" إلى السرّية أو التمرّد.

تتخلل النص أيضاً "حقبات" تندرج كل واحدة تحت اسم علم، ونقرأ فيها حوار "أمور" مع شخصيات مختلفة: شافي، رفيق الطفولة الذي بقي في مكان الولادة وأصبح أباً؛ أحلام، الأخت، التي غادرت تونس وعثرت على الطمأنينة في الديانة البوذية؛ وكارولينا، العاملة في مصلحة التلفون، والتي سترحل إلى جهة مجهولة.

تجدر الإشارة إلى أن النص انبثق من سلسلة مقالات شخصية كتبها خميري بعد التفجيرين اللذين وقعا في استوكهولم أواخر 2010. وفي نصه، ما إن تنفجر القنبلتان حتى تُوجّه أصابع الاتهام إلى الجهة المعتادة. الإرهابي هو "..."، يشبه "..."، ويرتدي "...".

يترك خميري هذه التحديدات معلّقة في نصّه، لا يحدّدها، أو بالأحرى لا يحتاج إلى تحديدها نظراً إلى "بداهتها". يطغى الاتّهام الغادِر على المدينة، التي تتصدّع تدريجياً تحت عينيّ "أمور": من جهة "إخوته" (في العائلة؟ في الدين؟ في المعاناة؟)، ومن الجهة الأخرى جميع الآخرين، أولئك الذين ينظرون إليه بشكلٍ موارب، الذين يرفضون خدمته في المتاجر لأنه ليس أبيض، الذين يوقفون أخوته على جانب الطريق.

على طول النص، ترتسم شخصية "أمور"، أو تتشوّه: شاب سويدي في العشرين يتردد على المراقص، ثم "إرهابي" محتمل يتسكّع في المدينة، على وشك ارتكاب جريمة. كما أن النص نفسه يخضع لبلبلة متعمّدة. فهل أن حوارات "أمور" مع الشخصيات الأخرى حقيقية؟ أم أنها تحصل فقط في رأسه؟

يرى "أمور" أمامه عالماً تشوّهه الاستيهامات: مجتمع منقسِم، عنصري، يلاحقه بريبته وكراهيته، ويدفعه إلى حالة من الانفصام. انفصام تغذّيه تفاصيل حياته: فهو سويدي يحمل اسماً عربياً، عاشر السويديين في المدرسة، ومارس رياضة كرة السلة داخل فريق "تريليبورغ"، ودرس في كلية الـ"بوليتيكنيك". لكنه أيضاً واجه العنصرية "العادية" في أحواض السباحة، واختبر عنف الشرطة لدى تدقيقها في الهويات وفقاً لملامح الوجه، وراقب صعود اليمين المتطرّف.

ومن فرط النظر إليه كـ "غريب"، سيصبح في النهاية غريباً، في نظر الآخرين وأيضاً في نظره، ويبحث عن ملجأ له داخل تلك الطائفة من "الإخوة". فبما أن مجتمعه يريد أن يرى فيه إرهابياً، لِمَ لا يصبح كذلك، أو على الأقل شخصاً عنيفاً، كما يتجلى ذلك في سلوكه تجاه فاليريا؟

من هو "أمور"؟ كل حذاقة نص خميري وقوّته تكمنان في عدم إعطائه جواباً عن هذا السؤال، أو تفسيراً مباشراً لشخصية بطله، وبالتالي في تركه لقارئه حرية تصنيف "أمور" كشخص "طيّب" أو "سيّئ"، عبر مرافقة "طفل الاغتراب" هذا في سفره، من الداخل.

المساهمون