نحاول عادة قبل أية مواجهة كبيرة أن نحلّل ونتوقّع مجريات وتفاصيل ونتائج، وخطط وتكتيك المدرّب الفلاني ومقارنتها بخطط وحنكة المدرّب الفلاني. كما نقرأ ونتابع عبر شاشات التلفزة والصحف في البرامج الرياضية والمقالات، الكثير من التحليلات قبل تلك المواجهة، ونشهد الحروب "الكلامية" والتهديد والوعيد بين جماهير الفرق المتواجهة.
لكن هذا كلّه يصبح مجرّد كلام، عند إطلاق الحكم لصافرة بداية المباراة.. ويصبح لاحقاً "طيّ النسيان"، عندما يطلق الحكم صافرة النهاية. ففي 90 دقيقة، قد تسقط جميع المعادلات.. وتتبدّل كل المعطيات، وتتغيّر كل الاتجاهات وتتحوّل جميع التوقعات.. في 90 دقيقة.. على ذلك العشب الأخضر، قد تكتب "أقدام" أحد عشر لاعباً، أجمل الحكايات.
عندما تأهلت الفرق الأربعة إلى نصف نهائي دوري الأبطال، لم يقتصر الاستخفاف بيوفنتوس الإيطالي على الجماهير فقط، بل وصل إلى الفرق نفسها من لاعبين وإداريين وحتى صحفيين.. فصورة الصحافي الإسباني مشجّع الريال وهو يصرخ منتشياً من السعادة بعد وقوع فريقه مع يوفنتوس تبدو وكأن الريال فاز باللقب.
ربما أغلب التحليلات والتوقعات كانت صحيحة ومنطقية، "على الورق". ولو كان هناك بعض المبالغة في التقليل من شأن اليوفي، إلا أن الفرق الثلاثة المتأهلة لنصف النهائي هي بالفعل أقوى من يوفنتوس ومرشحة بنسبٍ أعلى بكثير من اليوفي للفوز باللقب.
في مباراة الذهاب بين يوفنتوس والريال في تورينو، فاجأ يوفنتوس الجميع، وفاجأ ماسيميليانو ألليجري مواطنه كارلو أنشيلوتي، وفاجأ لاعبو يوفنتوس لاعبي الريال بالجديّة والالتزام على أرضية الميدان.
فلا بدّ أن أنشيلوتي كان يعتمد على قلّة خبرة ألليجري أوروبياً - مقارنة به على الأقل، ولا بدّ أن كرستيانو رونالدو كان يعوّل على رعونة جورجيو كييليني وأخطائه الساذجة في بعض الأحيان، كما يبدو أن لاعبي خط وسط الريال اعتقدوا أن "مايسترو" وقائد خط وسط اليوفي، قد تقدّم بالعمر ولا يمكنه مجاراة "شباب" خط وسط الريال.
لكن أنشيلوتي لم يتوقّع أن يتفوّق ألليغري "قليل الخبرة" عليه تكتيكياً.. وكرستيانو لم يتوقّع أن يكون كييليني بهذه الجدّية وأن يلعب دفاع "كما يقول الكتاب"، ولاعبو ريال مدريد لم يتوقّعوا أن يركض "العجوز" بيرلو أكثر من أصغر وأسرع لاعب في خط وسط الريال، بل في الفريق كله.
اللافت أنه وعلى الرغم من الأداء "المتوحّش" بالمعنى الإيجابي، الذي أظهره اليوفي في مباراة الذهاب، إلا أن التوقّعات والتحليلات والرهانات بقيت أقوى لمصلحة النادي الملكي، خصوصاً مع هدف كرستيانو في تورينو، وأن المباراة ستكون على أرض الريال. الفريق الذي خسر في جميع البطولات، ولا زال أمامه دوري الأبطال ليعوّض نتائجه المخيبة.
في مباراة الإياب، جاءت صافرة البداية "لتصفّر" جميع العدّادات والحسابات.. الريال كان أقوى بدنياً، واستحوذ أكثر على الكرة، وفي أوقات كثيرة من المباراة كان الأخطر. لكن يوفنتوس تفوّق "ذهنياً".. وألليغري مجدّداً تفوّق على أنشيلوتي تكتيكياً.. وبوفون كالعادة، كان على الموعد.
وجاءت صافرة النهاية، لتنهي معها آمال المدريديين بتحقيق أي إنجازٍ يذكر هذا الموسم، ولتكسر معها غرور بعض اللاعبين وأغلب مشجعي الميرينجي.. ولتضرب موعداً مع برشلونة في نهائي برلين.. ولترسل رسالة واضحة للويس إنريكي ورجاله مفادها أن لا يستخف هو الآخر بيوفنتوس لأن جميع التوقعات والحسابات قد تتبدّل "يوم الامتحان".. لأنه على أرضية الميدان فقط قد "يُكرم من يُكرم.. ويُهان من يُهان".
لمتابعة الكاتب... https://twitter.com/ShifaaMrad