يوميات التهجير في سيناء: مسيرة إقامة المنطقة العازلة

24 يونيو 2015
لم يسمح الجيش للأهالي بإخراج الأمتعة والأثاث (فرانس برس)
+ الخط -
"استخدام استراتيجية التهجير في مدن ومناطق عدة في شبه جزيرة سيناء، على الحدود الشرقية لمصر، سيزيد من وتيرة العنف ويوسّع رقعة الأعمال العدائية ضد الجيش وقوات الأمن المصرية، إذ سيصعب في ما بعد تحديد جهة واحدة يمكن أن تتبنى المواجهة المسلحة مع السلطات". تحذير تطلقه مجموعة من الباحثين المصريين في تصريحات لـ"العربي الجديد" تعليقاً على حالة التضييق والحصار التي يعيشها أهالي سيناء يوميّاً.

ويسلط شهود عيان من أبناء محافظة شمال سيناء الضوء على سلوك يتّبعه الجيش المصري في تنفيذ مخططاته، بهدف إقامة منطقة عازلة على الحدود مع الأراضي الفلسطينية، والسعي لتوسيعها قدر الإمكان، بل وزيادة عمقها عمّا هو معلن، وفقاً للمراحل الثلاث، والتي صدر فيها مرسوم بقرار جمهوري، منذ بدء الحملة العسكرية على سيناء، وفرض حالة الطوارئ في مختلف مدنها ومناطقها، بما تشمله من إجراءات، كحظر التجوال، وهدم المنازل، وقطع الطرق، وصولاً إلى فرض حالة حصار حقيقية على الأهالي، بشتّى الطرق والوسائل.

يقول أحد أهالي الشيخ زويد "بعد بدء الحملة العسكرية في سيناء عام 2013 أصبح هدف الجيش، إيقاف مقوّمات الحياة في سيناء، تحديداً في مدينتي الشيخ زويد ورفح لأسباب لم نكن نفهمها حينها". ويضيف، "تسارعت الأحداث وتم اتخاذ العديد من الإجراءات الاستثنائية. فبعد عملية كرم القواديس في أكتوبر/تشرين الأول 2014 أعلنت السلطات المصرية إنشاء المنطقة العازلة في رفح وتهجير سكانها. ويعتبر هذا القرار من أهم أسباب زيادة العنف في سيناء، ولن نتكلم هنا عن التهجير في منطقة رفح ولكن سنتكلم عن التهجير غير المعلن في مدينة الشيخ زويد".

ويشرح "نعيش في الشيخ زويد، منذ وُلدنا، هي مدينة ساحلية يبلغ عدد سكانها نحو 60 ألف نسمة. تقع بين مدينتي العريش، ورفح على بعد نحو 37 كيلومتراً شرق العريش، وعلى بعد نحو 15 كيلومتراً من الحدود مع قطاع غزة. يتبع لهذه المدينة عدد من القرى، أشهرها، أبو طويلة، الجورة، المقاطعة، اللفيتات، الظهير، الشلاق، قبر عمير، الزوارعة، والتومة".

اقرأ أيضاً معاناة أهالي سيناء مستمرة: تجويع ومحاولات استغلال

ويرصد ناشطون من أبناء المنطقة العديد من مظاهر الحصار وتنفيذ خطط التهجير، ويشيرون إلى أنّ "ما لا يدركه العديد من المتابعين لشأن سيناء، هو أن أسلوب التهجير بدأ فعلياً في منطقة الشيخ زويد قبل رفح، وظهر ذلك بوضوح أثناء الحملات العسكرية اليومية في القرى التابعة للمدينة. فعلى مستوى مركز المدينة، أغلقت قوات الجيش الميدان الرئيسي في أغسطس/آب 2013 بشكل دائم، وتسبّب هذا الإغلاق في إخلاء أكثر من 150 محلاً تجارياً، من دون صرف أي تعويض لأصحابها، ما عدا تهجير ما لا يقلّ عن 50 أسرة يسكنون في الشقق القريبة من الميدان".

ويلفت الناشطون، إلى أنّ "في منطقة الكوثر، أغلق كمين الضرائب العديد من المحلات التجارية أيضاً، بالإضافة إلى تهجير ما لا يقل عن 10 أسر، تركوا منازلهم خوفاً من استهداف الكمين لهم". أمّا في حي الزهور، والذي يقع إلى جانبه المعسكر الرئيسي في الشيخ زويد، وهو معسكر الزهور، تم تهجير العديد من الأسر التي تسكن في الوحدات السكنية".

أما على مستوى القرى التابعة للمدينة، يعتبر الناشطون أنّه "تم تهجير شبه كامل لبعض القرى، كما حدث في قريتي التومة، واللفيتات، إذ قام الجيش بهدم جميع المنازل في هاتين القريتين واقتلاع جميع الأشجار واستهدافها بشكل يومي بالقصف المدفعي والجوي، فاضطر الأهالي إلى ترك المنطقة والانتقال إلى أماكن أكثر أماناً. وهناك بعض القرى تم تهجيرها بشكل جزئي. ففي منطقة الجورة جنوب المدينة، تم تهجير سكان ميدان مربعة الجورة، وهو من أكثر الأماكن أهمية في هذه القرية، والذي يضم ما لا يقل عن 50 محلاً تجارياً، بالإضافة إلى نحو 20 أسرة".

أما في قرى الظهير والمقاطعة والزوارعة، فقد تم تشديد الحصار عليها وتركيز الحملة العسكرية وإغلاق الطرق واستهداف المدارس والوحدات الصحية. يعطي الناشطون مثالاً على ذلك، قرية المقاطعة، والتي "هدمت فيها جميع المدارس والمعاهد الأزهرية خلال الأشهر الأخيرة".

اقرأ أيضاً: صواريخ "كورنيت" الموجّهة تدخل حرب سيناء

وفي ظلّ متابعتهم الأوضاع على الأرض، لاحظ الناشطون أنّ، "في الأشهر الثلاثة الأخيرة، استخدم الجيش طرقاً أخرى لتهجير بقية المناطق، عن طريق إقامة حواجز عسكرية جديدة بشكل دائم. فعلى سبيل المثال، في المنطقة الغربية لمدينة الشيخ زويد، أقيم أكثر من 5 حواجز في مناطق البوابة، الشلاق، الدولي، الإسعاف، وقبر عمير. هذه الحواجز موجودة على الطريق الدولي الرابط بين الشيخ زويد والعريش. كما قام الجيش بإنشاء 4 حواجز أخرى في المنطقة الجنوبية للمدينة، تحديداً، على طريق الشيخ زويد الجورة في مناطق السدرة، أبو رفاعي، أبو العراج، والظهير".

ويشير الناشطون إلى أن هذه الحواجز "تتسبب في تهجير جميع السكان المتواجدين في المنطقة المحيطة بها، على مسافات لا تقل عن كيلومتر واحد في جميع الاتجاهات، سواء بأمر من الجيش أو أنّ الأهالي يتركون منازلهم من تلقاء أنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر أكبر، وهو مرمى قذائف المدفعية التابعة للجيش التي تطلق من هذه الحواجز العسكرية، بطريقة عشوائية، باتجاه القرى الجنوبية، مما يضطر أيضاً العديد من السكان إلى ترك منازلهم في أماكن تتجاوز الكيلومتر الواحد بكثير. وزادت مخاوف الأهالي بعد تكرار سقوط ضحايا من المدنيين بسبب تلك القذائف التي تطلق بشكل شبه يومي.

ويرصد الناشطون أنّ "خططاً أخرى يتم تنفيذها، بالإضافة إلى هذه الإجراءات، إذ تقوم قوات الجيش بهدم منازل العديد من المواطنين الفارين من جحيم الحملة العسكرية بشكل كامل بحجة أنها منازل لإرهابيين مطلوبين للعدالة. لكن هذا الأمر لا ينطبق في أماكن أخرى. يفيد الناشطون أنّ "الجيش لم يهدم منزل القيادي في تنظيم ولاية سيناء، كمال علام، لأنه يقع في مدينة العريش، وهذا يجعلنا نضع أكثر من علامة استفهام على الخطة التي يسير عليها الجيش". 

ويلفت الناشطون إلى أنّه "في الأسبوعين الأخيرين، هدم الجيش المصري في منطقة حي الترابين فقط، والواقع على أطراف مدينة الشيخ زويد، 15 منزلاً بشكل كامل، إذ قام الجيش بهدم المنزل الثاني والأخير للمواطن يوسف زريعي سلمي الذي تمت تصفيته بعد اعتقاله منذ أكثر من سنة ونصف على يد قوات الجيش، والتي تناولت "العربي الجديد" قصته المأساوية، وهدمت بيت أخيه عيد زريعي سلمي الذي قتل أيضاً في فبراير/شباط 2014، هو وأسرته بقصف جوي، بالإضافة إلى منزل الأخ الثالث سعيد زريعي المعتقل منذ سبتمبر/أيلول 2013 وغيره من المنازل الأخرى".

ويحذر الناشطون من أن التهجير في مدينة الشيخ زويد يسير بوتيرة أسرع من التهجير في رفح، ولكن من دون تسليط الضوء عليها ومن دون فتح باب التعويضات أيضاً، ولا يزال مستمراً حتى الآن. فجميع من تركوا منازلهم في مدينة الشيخ زويد لم يحصل أحد منهم على أي تعويض أو بدل سكن، بل وصل الأمر، إلى عدم السماح بإخراج الأمتعة والأثاث معهم، مما يزيد من ألم المعاناة في وسط حملة عسكرية اقتلعت الأخضر واليابس".

اقرأ أيضاً مرصد حقوقي: الجيش المصري يرتكب جرائم حرب في سيناء

المساهمون