يوسف رخا.. الجماعة الأدبية ورقابتها

23 سبتمبر 2017
فيرناند ليجيه/ فرنسا
+ الخط -

نادراً ما يتم فتح نقاش حول رقابة "الجماعة الأدبية" في مصر، على النصوص المنبثقة منها أو من خارجها في ندوة مفتوحة، فالمنخرط ولو بشكل جزئي بحكم الكتابة الأدبية أو العمل الصحافي، في الوسط الثقافي المصري، يعلم أن النقاش حول رقابة الجماعة الأدبية حاضر دوماً، ويكاد لا ينتهي سواء في المقاهي أو الجلسات الخاصة أو على صفحات فيسبوك. لكنه في الأغلب نقاش مليء بالتحيّزات أحياناً، والشيطنة أحياناً أخرى، وإن كانت هناك بعض وجهات النظر التي تبدو موضوعية، إلا أنها قد تأتي من باب كسب جميع الأطراف.

منذ الإعلان عن الندوة التي حاضر فيها يوسف رخا، مساء يوم الأحد الماضي في "دار ابن رشد" في القاهرة، كانت هناك توقّعات لسماع صوت رخا وهو يتحدث عن رقابة الجماعة الأدبية دون تشنج، ربما مع تشريح هذه الجماعة وحجم الرقابة التي من الممكن أن تفرضها على كاتب، لتحرمه مكانته، وبالفعل بدأت الندوة على هذا النحو تحليلية عقلانية غير ذاتية.

قال رخا إن الجماعة الأدبية في كتابتها قبل رقابتها؛ ترسم في كثير من الأحيان خطوطاً عريضة، ليمضي الكتّاب عليها دون حيد. ويرى رخا أن الكتابة الواقعية أو الواقعية المفرطة، غالباً ما يكون لها هدف وطني أو سياسي، مثقلة بالولاءات وبالأحكام القيمية، ليكون فيها الصواب والخطأ معروفين بالضرورة، وضرب مثلاً على ذلك، قائلاً: "بعد الثورة كانت هناك موجة؛ أي كتابة ليس لها علاقة بالثورة أو التظاهر لا يعوّل عليها"، وهو بالطبع ما يرفضه رخا، معتبراً أياه نوعاً من الوصاية والرقابة على الكاتب.

تحدث رخا أيضاً حول الرقابة على اللغة، لكن هذه المرة من منطلق تجربته الخاصة في إدخال اللهجة العامية على الكتابة الفصيحة، على غرار كتابات العصر المملوكي التي يفضلها، يقول: "مثلما تمضي الجماعة الدينية في تقديم أماثل دينية وعظات، تمضي الجماعة الأدبية في وضع أماثل لغوية للكاتب، ترفض استخدام اللهجة المحلية في الكتابة، وكأننا في حاجة ليكون الكاتب اليوم معادلاً موضوعياً للمنفلوطي في محاولة لكبت طاقات اللغة وتطوّرها".

اعتبر أيضاً أن الجماعة الأدبية تمارس دوراً رقابياً على الاستيحاءات، كأن يستوحي كاتبٌ عمله من نصٍ لكاتب آخر. في هذه الحالة يتم اتهامه باللصوصية، "وكأن الكاتب يفترض أن يتعامل فقط مع الواقع وتجاربه الشخصية، ولا يتعامل أيضاً مع النصوص". أجمل رخا وصفه للجماعة الأدبية في شق الندوة الأول، بأنها جماعة جاهزة للتكفير والتخوين ولها قاموس من المقدّسات.

غير أنه بدا بعد ذلك مرتبكاً كلّما وُوجه بسؤال: من تقصد بالجماعة الأدبية تحديداً؛ هل هم الكتَاب أبناء جيل التسعينيات وبداية الألفية، أم هم الجيل الأكبر، أم جميع من يمارس الكتابة الآن، أم هم جماعة سرية ولنجعل المعنى في بطن الشاعر كما يُقال دوماً؟

غير أن رده كان يتراوح بين التملّص من الإجابة والسخرية من السؤال أو الحديث عن اسم كاتب بعينه، ثم التراجع سريعاً. بدا وكأننا أمام من يشهر سيفاً في وجه من يهاجمه في الظلام، ليبدو ما قيل هجوماً وليس جدلاً أو تحليلاً، خاصة أن ما سمّاه بالجماعة الأدبية لا ينسحب على كل جماعة قد نفترضها نحن، بمعنى ليس كل من يكتب على الساحة يعتبر الكتابة الواقعية أمراً إلزامياً أو إدخال العامية مع الفصحى أمراً مشيناً.

وفي سؤال لـ "العربي الجديد" حول: هل كلمة رقابة هنا هي الكلمة الدقيقة؟ أي الرقابة بمعناها السائد، والتي تمارس دوماً دوراً سلطوياً، يمنع الكاتب من الاستمرار في الكتابة، رقابة منع أو حبس أو نفي أو رفض للنشر. لماذا لا نسمي كل ما طُرح حالة جدل أو اختلافاً في وجهات النظر؟ أجاب رخا أن هذه الرقابة بالطبع تمارس إقصاءً متعمداً، وتفرض ما يشبه كُردوناً حول الكاتب، وهو ما يؤثر على حضوره ومكانته وعلى ترشيحات الجوائز! كما أن هذه الجماعة لا تمارس الجدل بقدر ما تمارس الهجوم على صفحات فيسبوك.

ربما لأجل ذلك اعتزل يوسف رخا فيسبوك، وكأنه يعتزل "الجماعة" بطريقة إبراهيمية "واعتزلتكم وما تعبدون"!

ختمت هذه الندوة إحدى الحاضرات بسؤال عفوي، لكنه ذو قدر كبير من الأهمية؛ لماذا الانشغال بالهجوم على ما يسمى الجماعة الأدبية طالما ببساطة يمكن اعتزالهم، وطالما لا يتوقف الكاتب عن كتابة ما يؤمن به؟

هذا السؤال يفتح المجال لسؤال آخر؛ هل من يعتزل الجماعة يعتزلها فعلاً، أم أن الانخراط حتمي ولو بالسلب بحكم التنافسية والانشغال الدائم بكرسي العرّاب.

دلالات
المساهمون