يوسف بصبوص: منحوتات تستنطق الخشب

11 يناير 2015
النحات في محترفه (راشانا)
+ الخط -

لا نستطيع الحديث عن الحياة التشكيلية في لبنان من دون الوقوف مطولاً عند تجربة الإخوة بصبوص. فأعمالهم النحتية النصبية التي حوّلت بلدة راشانا، مسقط رأسهم، إلى متحفٍ كبير في الهواء الطلق، أصبحت مع الوقت معلماً أساسياً في الثقافة اللبنانية المعاصرة.

على امتداد أكثر من ستين عاماً، اشتغلت عائلة بصبوص على تحويل راشانا إلى "مملكة" للنحت. ويعود الفضل، بشكل أساسي، للأخ الأكبر، ميشال، الذي توفي عام 1981، ليتابع بعده المسيرة أخواه ألفريد ويوسف. هكذا، أسس الأخيران، عام 1994، "سمبوزيوم" النحت في البلدة، حيث استضافا خلال أحد عشر عاماً أكثر من خمسٍ وثمانين نحاتاً من مختلف أنحاء العالم، نذكر منهم الفرنسي ريمون جاكييه والعراقي محمد غني حكمت.

يوسف، الأخ الأصغر في العائلة، الذي تُعرض أعماله في النحت على الخشب حالياً في فضاء متحف "مقام" للفن الحديث والمعاصر، في بلدة عاليتا اللبنانية، يمثّل الجانب الفطري في عائلة بصبوص. فهو لم يتعلم النحت، أكاديمياً، كما فعل شقيقاه؛ إذ درس ميشال، ومن بعده ألفرد، الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية في بيروت، كما أتيح لميشال الفرصة للإقامة في باريس والاضطلاع على الفن الأوروبي عن قرب، ولذلك ليس من المستغرب أن نشاهد في أعماله بعض التأثيرات من النحاتَيْن، الروسي أوسيب زادكين والبريطاني هنري مور.

تآلف يوسف بصبوص (1926 ـ 2001) مع تقنيات ومواد النحت باكراً، إذ عمل كحجّار ومعلم بناء، قبل أن يبدأ بمساعدة أخويه في تنفيذ أعمالهم النصبية، ليحترف شيئاً فشيئاً نحت الحجر ويبدأ في تكوين رؤيته الفنية الخاصة.

وإلى جانب مهارته في النحت على الحجر، يتميز يوسف بصبوص بأسلوبه في معالجة الخشب، إذ ينتج من هذه الخامة القاسية/المرنة أعمالاً تدور في فلك التجريد، رغم بعض الإشارات التشخيصية. ففي عملٍ يعود إلى بداية التسعينيات، نشاهد كتلتين رشيقتين من خشب الزينون نحتهما الفنان حتى أصبحتا شكلاً مختصراً لطائرين في حالة تداخل أو احتواء.


وتعكس تكويناته التجريدية قدرته على تطويع الخامات الصلبة معتمداً بشكل أساسي على تلقائيته في معالجة الكتلة والفراغ، وعلى تأثيرات المكان/ الجغرافيا. فعلى الرغم من تأثّره بتجربة النحت عند أخويه الكبيرين، إلا أنه استلهم كثيراً من البيئة الجبلية، خصوصاً من بلدته.

لقد أسس الأخوة بصبوص، من خلال تجربتهم الممتدة على أكثر من ستين عاماً، لحالة ثقافية نادرة في العالم العربي. فبلدة راشانا، التي ارتبط اسمها باسمهم، تحولت إلى حديقة نحتية وواحة ثقافية تستقطب الفنانين والسياح على حد سواء. اليوم، يتابع الجيل الثاني من العائلة مهمة الحفاظ على هذا الإرث الثقافي الغني، طامحاً في تحويل المكان من متحف عائلي إلى مؤسسة وطنية تخلد وتحمي أعمال المبدعين.

المساهمون