يوسف الكعفاهي.. كائنات هشّة في صخب مرّاكش

03 يونيو 2014
+ الخط -
تحت عنوان "رسومات الكَعْفَاهي"، انطلق مؤخّراً في رواق "دار الشريفة" (مراكش) معرض للفنان التشكيلي يوسف الكعفاهي (1969) يضم نحو ثلاثين عملاً فنياً، هي ثمرة اشتغال هادئ ورصين لفنان راهن على تنويع مقارباته الفنية، إن تقنياً أو جمالياً، عبر اختبار إمكانات الرسم والتصوير والنحت والحفر (السيريغرافيا والليتوغرافيا) على سندات مختلفة.

ومنذ أول معرض له قبل عقدين ونصف من الزمن، سعى الكعفاهي إلى تطوير لمسته الفنية بالمثابرة والإنصات الهادئ، مستفيداً في ذلك من تكوينه الأكاديمي في "المعهد الوطني للفنون الجميلة" بمدينة تطوان، ومن معاشرته ثلّة من الفنانين المغاربة والأجانب الكبار أغنوا ذائقته الإبداعية وساهموا في صقل موهبته وفتحوا أمامه أفقاً مغايراً للإبداع، إضافةً إلى مراكمته برفقتهم التجربة والمغامرة على حد سواء.

فنان هادئ وكتوم، تكاد ضحكة الكعفاهي المواربة تختصر عمقه ودرايته العميقة بمجاهل الفن ووجوهه. قليل الكلام ومنصت ذكي، لا يفتح فمه غالباً إلا ليضيف جملة مفيدة أو يحدّ من غلو فكرة متسرّعة، يسبقه في ذلك خجله وحذره اللذان لا يخفيان على أصدقائه.

استناداً إلى هذه الخلفية الإنسانية والمعرفية، تأتي أعمال الكعفاهي على شكل مشروع يرتكز على ميزتي التنويع والتجديد المسكونين بروح المغامرة، لا سيما في ما يرتبط بالاستعمالات التقنية (الرسم والنحت والحفر) وتوظيفها مجتمعةً في مختلف لوحاته، مستفيداً في ذلك من الخبرة الفنية التي اكتسبها خلال سيرورته الفنية، بدءاً بتجربة اللاشكل، مروراً بمرحلة الثنائية اللونية (أحمر ـ أبيض) التي جاور فيها لغة التجريد، وصولاً إلى مرحلة طغيان اللون الأسود.

كل ذلك مكّنه من ترسيخ تجربته الحالية التي تقوم على تقنية "التشويه" الفني، سواء تعلّق الأمر بالمبالغة الفنية أو في التعامل مع اللون أو الشكل أو الحركة على السواء، حيث تظهر لوحته خالية من كل ثرثرة لونية، أو إفراط في الحركة، أو تقتير في التعامل مع الفضاء.

ويبدو ذلك واضحاً من خلال تكريس ذلك التعاطي الموضوعاتي الذي دشنه الفنان في أعماله السابقة، ويقوم على التقاط وتجسيد تلك اللحظات الشاردة التي تداهم الإنسان ساعة سهوه، وهي عادة ما تكون مهملة ولا تستأثر بفضول العابرين. إنها لحظات الانفلات من كل تصنّع، وهي إلى ذلك تعبير عن استسلام الجسد (بما يعكسه من تعبيرات ومن وضعيات مختلفة تغلب عليها تلقائية الحركة) لروح المصادفة ولشحنة الاسترخاء الذي يغري بالجمال.

من هنا تتبدى "كائنات" الكعفاهي وهي مستلقية فوق سند لوحته كما لو أنها كائنات استثنائية، فتعطي الانطباع بأنها من "صنع" عين الفنان، أو بأنه وحده من رآها أو "تخيّلها" في استسلامها المتعب، وفي تلقائيتها التعبيرية المثيرة للفضول ولمتعة الإنجاز.

كائنات محبطة وهشة تم انتقاؤها من زحمة المشاهدات التي تؤثث صخب المدن الكبرى، ومدينة مراكش على وجه الخصوص. وهي من خلال أوضاعها المأزومة تلك، تملك ذلك النوع من السحر الذي يجعل المتلقّي ينجذب، منذ النظرة الأولى، إلى دواخلها، إلى أحاسيسها، وإلى تيهها الذي يبرع الفنان في اقتناص أبسط تعابيره وأقلها تكلفة فنية وجمالية، وأعمقها دلالة ومغزى وجاذبية.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يستمر المعرض حتّى 31 آب/ أغسطس 2014

رواق دار الشريفة، 8 درب الشرفا الكبير مواسين المدينة، مراكش

دلالات
المساهمون