انطلقت في مدينة الصويرة جنوب المغرب، مساء الخميس، فعاليات الدورة الـ11 لمهرجان "الأندلسيات الأطلسية"، الذي يحتفي بفنون الغناء الأندلسي، وفنّ الشكوري المغربي. وهو نوع من الغناء اليهودي، بمشاركة فنانين مغاربة، مسلمين ويهود، لإحياء تراث غنائي وموسيقي مشترك، أسهم طوال مئات السنوات في صياغة هويّة توحّد مختلف الطوائف الدينية في المغرب، وتستعيد تفاصيل تجربة التعايش الديني في بلاد الأندلس، الموطن الأصلي لهذا الصنف من الطرب.
واختار منظّمو المهرجان، في "جمعية الصويرة موكادور"، افتتاح العروض الموسيقية المتواصلة حتّى الأحد المقبل، بمقطوعة موسيقية نادرة من التراث الأندلسي القديم تُدعَى "القدام الجديد الصويري"، تمّ أداؤها أمام السلطان العلوي مولاي عبد الرحمن في عام 1842.
ولم تتمكّن أيّ فرقة موسيقية أندلسية من إحياء تقاسيم وألحان هذه المقطوعة بعدما ظلّت طيّ النسيان لسنوات، قبل أن تنجح فرقة مُوسيقية محلية في مدينة الصويرة، هي "فرقة المعهد الموسيقي" بعد شهور من البحث والتدريب، في الحصول على مخطوط أشعارها، وإعادة تلحينها.
كذلك أدّى شبّان مغاربة، بعضهم من أصول يهودية وبعضهم مسلمون، مقاطغ غنائية تراثية من الطرب الأندلسي، وغنّوا أشعاراً ملحّنة من التراث الشعري العبري والعربي، ترافقهم فرقة موسيقية آتية من مدينة تطوان المغربية، إحدى المدن التي استوطنها المورسكيون الفارّون من الأندلس، وراكموا فيها تراثاً موسيقياً أندلسياً متنوّعاً.
في حديث لوكالة "الأناضول" اعتبر الموسيقي المغربي هشام دينار أنّ "مشاركة شباب يهود مغاربة في الغناء على المنصّة نفسها معنا هو تعبير عن روح الهويّة المغربية الجامعة، ويسهم في تعزيز روابط التواصل الثقافي والحضاري بين مختلف مكونات هذه الهويّة، ويشيع قيم التسامح وقبول الآخر".
من جانبه، قال الموسيقي اليهودي، ذو الأصول المغربية، غبريال أوهيو، في حديث لـ"الأناضول" إنّ "الشُبّان الموسيقيين، يهوداً ومسلمين، معنيُون بالحفاظ على هذه الذاكرة الموسيقية الفريدة، التي أبدعتها الأجيال السابقة، وخزّنتها مئات المقاطع الموسيقية الأندلسية، بعدما ألّفها وأدّاها فنّانون ينتمون إلى كلتا الديانتين، وعبّروا من خلالها عن أصالة وإبداع شعوب هذه المنطقة".
في وصلة غنائية ثنائية، أدّى الموسيقي اليهودي المغربي بنيامين بوزاكلو، أحد وجوه الموسيقى اليهودية البارزة في المغرب، والفنّان المغربي عبد الرحيم الصويري، أغاني على إيقاعات أندلسية أصيلة، في استعادة لتراث التعايش الديني والثقافي الذي احتضنته مدينة الصويرة، كإحدى أبرز مدن المغرب. هي التي سكنها قديماً عدد كبير من أبناء الطائفة اليهودية، وأقاموا فيها دور صلاتهم ومواسمهم الدينية والروحية.
ويحتفي مهرجان "الأندلسيات الأطلسية" أيضاً، خلال دورته الحالية، بلوحة الفنّان التشكيلي الفرنسي الشهير، دولاكروا، والتي تحمل اسم: "اليهود الموسيقيون لموكادور (الصويرة)"، وهي لوحة فنية قديمة تعود إلى القرن 19، وتشخّص رسماً لفرقة موسيقية من مدينة الصويرة، مبرزة التميّز الذي كانت تشتهر به جوقات هذه المدينة، وتضمّ في عُضويتها مُوسيقيين وفنّانين يهوداً ومسلمين.
يُذكَر أنّ أصول انتشار الغناء اليهودي في المغرب، وباقي بلدان الشمال الأفريقي، كالجزائر وتونس، تعود جذورها إلى حملات التهجير التي تعرّض لها اليهود والمسلمون من أرض الأندلس، بعد سقوط الحكم الإسلامي هناك. فأقامت جالية من اليهود الأندلسيين في المغرب، حاملة معها فنون التأليف والغناء الموسيقي.