يناير ضد يوليو

29 يوليو 2014
+ الخط -

ما أكثر التصريحات المستفزة التي ينطق بها الانقلابي، عبد الفتاح السيسي، في كل مرة يخرج فيها على جمهوره، أسير الاستبداد على حد تعبير الكواكبي، بخطاباته المسجلة دائما، والتي كان آخرها حديثه عن ثورة يناير الشعبية المجيدة في ذكرى 23 يوليو التي أسست لحكم العسكر، وكان انقلابه الدموي ضدها، وضد شرعيتها الدستورية ونظامها السياسي الذى أقرته، على أنها امتداد لما تعارف على تسميته فيما بعد بثورة 23 يوليو عام 1952، والحقيقة أنه لم يكن أول القادة العسكريين الذين حاولوا تمرير هذا الحديث المستفز للتعبير عن ذلك الامتداد الشاذ، وغير الحقيقي، فقد سبقه إليه من قبل المشير حسين طنطاوي، في أول احتفال سنوي لثورة 23 يوليو، عندما كان على  رأس المجلس العسكري الحاكم، بموجب تفويض الرئيس المخلوع. وكانت الثورة لا تزال في الشارع وحضن الشعب الذي خدع معظمه في رواية رسمية، ثبت يقينا زيفها فيما بعد، عندما قيل إن الجيش حمى الثورة، والتي اتضح بعدها أن الحقيقة أن المجلس العسكري قام بحماية الجيش من الثورة التي كانت ستصل إليه، لو استمرت في الميدان، ولو ساعة أخرى، فضلاً عن حماية المجلس العسكري نفسه، بصفته الجناح الأهم من أجنحة النظام الحاكم الذي قامت ضده الثورة.

ومن دون الدخول في تفاصيل ذلك اليوم الغريب، والعجيب أيضاً، في تاريخ الثورة المصرية، يوم التنحي والتكليف المشؤوم، في 11 فبراير من عام 2011، يبقى السؤال عن حقيقة ذلك الامتداد الوهمي بين ثورة و"ثورة" أخرى، كما يسميها أصحابها، على الرغم من اختلافهما في كل شيء، فكيف  تكون  ثورة 25 يناير الشعبية الخالصة امتداداً  لتلك الحركة الانقلابية العسكرية والفئوية التي قبلها الشعب، وسماها ثورة، وناضل قبلها عقوداً، انقلبت ضده تلك الحركة، بعد انتصار أحد أجنحتها على الآخر في أزمة مارس 1954 التي أسست لما يطلق عليه الآن حكم العسكر أو جمهورية الضباط؟ كيف تكون يناير امتداد يوليو، وهي في الأصل قامت ضدها؟
ولا يخفى أن حسني مبارك لم يكن له نظام سياسي خاص به، بل جاء على نظام قائم بعد يوليو، قد تختلف أشكاله وصوره، من دون اختلاف أسسه وقواعده التي أعادت دورتها من جديد، بعد ثلاثة أعوام من ثورة 25 يناير، وأخرجت لنا الانقلابي، كما أخرجت المخلوع من قبل، وهو الذي شهد على نفسه بأنه رجل المصادفة بامتياز، وما كان يحلم بعد انتهاء خدمته في الجيش إلا بعمل مدني في لندن، وفوجئ بسلفه يختاره نائبا له، لمواصفات يتمتع بها الرجل، بما يجعله مطيعا وخانعا وغير متمرد. وهذا ما ابتلى به الشعب المصري ثلاثة عقود من حكم رجل المصادفة، حتى قامت ثورة الشعب في يناير، إضافة إلى أن الأهداف الستة التي أعلن عن تحقيقها من القائمين على أمر يوليو لم يتحقق منها شيء، ما جعل تلك الحركة للتغيير، استبدلت نظام الحكم الملكي والقصر بحكم نظام أمراء العسكر، واستبدلوا الإقطاعيين والباشوات بالرأسماليين والضباط.
 
ولا وجه للتقارب بين ثورة يناير التي تكونت لإسقاط منظومة الاستبداد، وتأسيس قواعد الحكم الديمقراطي، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين كافة، وتأسيس دولة القانون، وإنهاء حكم جمهورية الضباط، وبين حركة انقلابية، بحسب الأصل، باركها الشعب، ثم انحرفت لتأسيس الدولة العسكرية القمعية التي ما زلنا نعانى منها، خصوصاً بعد عودتها كاملة بصورة أكثر سوءاً مما كانت عليه في نسختها الأولى.

والغريب أن العسكر في تلك المحاولة البائسة التي يحاولون من خلالها الربط بين يناير ويوليو يتناسون، دائماً، أن لديهم "ثورة" تسمى بثورة 30 يونيو، فلماذا لا تكون هذه الامتداد ليوليو، خصوصاً إذا كانت قد حققت في نتائجها ما حققته يوليو وزيادة؟ لماذا يصرون على حشر أنفسهم في ثورة يعبرون، أحياناً، عن نظرتهم لها بأنها كانت مؤامرة خارجية كونية. لماذا يتمحكون دائما في ثورة يناير التي حضروا لها سهرة 30  يونيو الانقلابية، ليجهزوا عليها للأبد؟ خصوصاً إذا كانت "ثورة" خالصة لهم من دون الناس، تحضيراً وإعداداً وتنفيذاً وتأميناً. ولهذا، فهي عندنا انقلاب وستبقى للأبد.

 

 

 

avata
avata
أحمد قاسم البياهوني (مصر)
أحمد قاسم البياهوني (مصر)