04 أكتوبر 2024
يطير من مصر إلى أوروبا ليكذب
انزعجت مؤسسات عديدة في الدولة المصرية وأذرع للنظام الحاكم من بيان البرلمان الأوروبي الذي تحدث، بالأساس، عن قضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، وعن الاختفاء القسري في مصر، وعن التضييق على المجتمع المدني وانتهاكات حقوق الإنسان، وتضييق هامش الحرية بشكل عام. وبالطبع، انبرى الإعلام الموالي للنظام الحاكم في الدفاع الهستيري، ونفى وقوع أي انتهاكات، وعاد إلى الحديث عن المؤامرات الأوروبية والكونية ضد الرئيس المعجزة، قاهر المؤامرات.
وربما يتعجب بعضهم من أن الدفاع الهستيري، ونفي وقوع أي تجاوزات، ثم وصلات الردح والسب للبرلمان الأوروبي، وللغرب عموماً، لم تقتصر على الإعلام الموالي للسلطة، ولا حتى على أجهزة السلطة وممثليها، بل أصابت العدوى البرلمان المصري، أيضاً، وهو المؤسسة التي من المفترض "نظرياً" أن تعبّر عن الشعب، وليس السلطة، فالمفترض "نظرياً" أن مجلس النواب هو الذي يراقب أداء السلطة التنفيذية، وهو الذي يمنع تغوّلها، وهو الذي يحاسب ويقيّم ويصحح. ولكن، ليس من الغريب، ولا العجيب، أن يقف مثل هذا البرلمان في صف السلطة، فليس من الغريب، ولا العجيب، أن تجد مثل ذلك البرلمان يدافع عن الباطل، ويهلل ويطبل، بغرض إخفاء الحقيقة، فقد تم وضع قوانين الانتخابات والدوائر وممارسة الحقوق السياسية، من أجل الحصول على هذه النوعية من البرلمانات، مجرد ختّامة مطاط للموافقة وتمرير القوانين، ولا مانع من إثارة قضايا فرعية، أو معارضة صورية، إنه البرلمان الذي بدلاً من أن ينتفض من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، ومن أجل تعديل القوانين سيئة السمعة والمقيدة للحريات، تجده يدافع عن الباطل.
قرّر مجلس النواب المصري إرسال وفد إلى أوروبا، من أجل الكذب والتضليل، يطير ليكذب في وفد برلماني برئاسة الليبرالي السابق، أحمد سعيد، المدافع عن الفاشية والاستبداد حالياً، يطير إلى أوروبا على حساب الناس وأموال الشعب، لكي يدافع عن قانون التظاهر وحبس الشباب بتهم باطلة، ليكرّروا الأكاذيب الحكومية نفسها عن أهمية قانون التظاهر من أجل مكافحة الإرهاب، وأن قانون التظاهر بالمعايير الأوروبية نفسها وباقي هذا التضليل. ولكن، هل ستجدي هذه التبريرات في تفسير هذا الكمّ من الأحكام بالسجن، بموجب قانون التظاهر، وخصوصاً الأحكام بالسجن على الشباب، الذي ليس له علاقة بأي عنف أو إرهاب، هل ستجدي تبريره مكافحة الإرهاب في تفسير سجن عشرات من شباب ثورة 25 يناير، وفي تفسير العداء والتنكيل ضد هذه الثورة التي احترمها العالم كله. ولكن، كيف سيفسر الوفد البرلماني المصري، عندما يتحدث مع الغرب هذا الكمّ من القصص الخيالية المنتشرة في الإعلام المصري الموجه، عن أن ثورة يناير مؤامرة غربية ضد مصر؟
بالتأكيد، سيتعجب البرلمان الذي يمثل الشعوب الأوروبية من تشبيه قانون التظاهر المصري بالأوروبي، فالتظاهر في أوروبا بمجرد الإخطار، ولا يحتاج لموافقة الحكومات، وحتى في حالات الانفلات أو الشغب لا تتعدّى العقوبات دفع الغرامة والتعويض لأي تلفيات، أما الحبس فهو، في أضيق الحالات، لمن يثبت عليه "تعمد تكرار" الشغب والإتلاف للممتلكات. ولكن، ليس بالأهواء ولا بالمشاع، كما عندنا.
وبالطبع، سينفي وفد البرلمان كل ما يقال عن الاختفاء القسري، على الرغم من أن كل من في
البرلمان يعلم، تمام العلم، أن هناك عشرات من حالات الاختفاء القسري، أو الاحتجاز، أو الخطف من البيوت، بشكل شبه يومي، ولا يتم إبلاغ من يتم القبض عليه بأي تهمةٍ أو سببٍ للقبض، ولا يتم إعلام أهله بمكان الاحتجاز، ويختفي تماماً عدة أسابيع، وربما شهور، وربما يتعرض للتعذيب، ولا يظهر أنه محبوس على ذمة قضية ما، يتم إعدادها على عجل، إلا بعد الضغط والسؤال وإثارة الموضوع إعلامياً، وربما يتم العثور عليه مقتولاً في أحد الشوارع، كما حدث مع ريجيني.
كيف سيفسر وفد البرلمان الطائر الروايات الأمنية الساذجة والمتضاربة عن قتل ريجيني؟ هل مات في حادث مرور فعلاً، كما قيل في أول الأمر، أم قتله شخص تعارك معه بجوار السفارة، أم قتلته عصابة خطف وسرقة الأجانب في القاهرة الجديدة، ولماذا تم تصفية العصابة بالكامل، ولماذا لم تتصرّف العصابة في متعلقات ريجيني. بالتأكيد، ستكون تبريرات الوفد المصري هي نفسها التبريرات الساذجة عن المؤامرة، لتكدير العلاقات مع إيطاليا، أو الحديث المكرّر عن عدم استباق التحقيقات التي قد تستمر سنوات بدون نتيجة.
لن يعترف وفد البرلمان المصري بأن لدى أجهزة وزارة الداخلية تاريخ في ذلك، الخطف والتعذيب واختراع أي قصة إن انفضح الأمر. لن يعترف بأن الغرض الحقيقي من قانون التظاهر هو التنكيل بثورة 25 يناير وشبابها. لن يعترف الوفد بالتضييق على المجتمع المدني الجاد، وبالمنظمات الحقوقية خصوصاً. ولكن، هل سيكرّر وفد البرلمان المصري الحديث الإعلامي المحلي عن المؤامرات الغربية الأوروبية، باستخدام المجتمع المدني لتخريب مصر؟ أعتقد أن من الصعب تكرار هذا الهراء في أوروبا، فالجميع يعلم أن الجهات المانحة للمجتمع المدني المصري هي نفسها المانحة للحكومة المصرية، وأن الجهات الأوروبية التي تدرب نشطاء المجتمع المدني نفسها التي تدرب المسؤولين الحكوميين، وهي الجهات التي درّبت أعضاء في البرلمان المصري قبل شهور.
انتفض البرلمان المصري من أجل الكذب على البرلمان الأوروبي والعالم، بحجة (أو ذريعة) الدفاع عن صورة مصر. ولكن، أليس من يقوم بالانتهاكات هو من يسيء لمصر؟ أليس الأفضل وقف الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، من أجل تحسين صورة مصر، بدلاً عن استمرار الانتهاكات، واستمرار الكذب والتضليل.
أليس من سلطة البرلمان "نظرياً" تعديل عقوبات قانون التظاهر؟ أتذكّر بشيء من الأسى الزملاء والرفاق السابقين الذين صبّوا لعناتهم ضدي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، عندما قرّرت تحدي قانون التظاهر وفضحه عملياً. وقتها قالوا إن عليك أن تسلك القنوات الشرعية، وتحتفظ بمعارضتك قانون التظاهر في سرّك، وتنتظر انتخاب البرلمان الذي سيقوم بإلغاء قانون التظاهر أو تعديله، وها هو البرلمان مجرد ختّامة مطاط للموافقة على كل شيء. وبالطبع، الموافقة على قانون التظاهر والموافقة على انتهاكات حقوق الإنسان والموافقة على التضييق على الحريات.
فمن دافع عن قانون التظاهر شريك في حبس الشباب، ومن يدافع عن الظلم والانتهاكات شريك في الظلم والانتهاكات، واقتراح أنه بدلاً من نفي الانتهاكات، وطالما أن البرلمان المصري لا يقوى على تعديل أو تصحيح أي شيء، فعليهم إعلانها صراحةً، مثلما فعل وفد الكونغرس الأميركي، أخيراً، عندما أعلنوا بوضوح دعمهم السيسي، على الرغم من انتهاكات حقوق الإنسان.
وربما يتعجب بعضهم من أن الدفاع الهستيري، ونفي وقوع أي تجاوزات، ثم وصلات الردح والسب للبرلمان الأوروبي، وللغرب عموماً، لم تقتصر على الإعلام الموالي للسلطة، ولا حتى على أجهزة السلطة وممثليها، بل أصابت العدوى البرلمان المصري، أيضاً، وهو المؤسسة التي من المفترض "نظرياً" أن تعبّر عن الشعب، وليس السلطة، فالمفترض "نظرياً" أن مجلس النواب هو الذي يراقب أداء السلطة التنفيذية، وهو الذي يمنع تغوّلها، وهو الذي يحاسب ويقيّم ويصحح. ولكن، ليس من الغريب، ولا العجيب، أن يقف مثل هذا البرلمان في صف السلطة، فليس من الغريب، ولا العجيب، أن تجد مثل ذلك البرلمان يدافع عن الباطل، ويهلل ويطبل، بغرض إخفاء الحقيقة، فقد تم وضع قوانين الانتخابات والدوائر وممارسة الحقوق السياسية، من أجل الحصول على هذه النوعية من البرلمانات، مجرد ختّامة مطاط للموافقة وتمرير القوانين، ولا مانع من إثارة قضايا فرعية، أو معارضة صورية، إنه البرلمان الذي بدلاً من أن ينتفض من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، ومن أجل تعديل القوانين سيئة السمعة والمقيدة للحريات، تجده يدافع عن الباطل.
قرّر مجلس النواب المصري إرسال وفد إلى أوروبا، من أجل الكذب والتضليل، يطير ليكذب في وفد برلماني برئاسة الليبرالي السابق، أحمد سعيد، المدافع عن الفاشية والاستبداد حالياً، يطير إلى أوروبا على حساب الناس وأموال الشعب، لكي يدافع عن قانون التظاهر وحبس الشباب بتهم باطلة، ليكرّروا الأكاذيب الحكومية نفسها عن أهمية قانون التظاهر من أجل مكافحة الإرهاب، وأن قانون التظاهر بالمعايير الأوروبية نفسها وباقي هذا التضليل. ولكن، هل ستجدي هذه التبريرات في تفسير هذا الكمّ من الأحكام بالسجن، بموجب قانون التظاهر، وخصوصاً الأحكام بالسجن على الشباب، الذي ليس له علاقة بأي عنف أو إرهاب، هل ستجدي تبريره مكافحة الإرهاب في تفسير سجن عشرات من شباب ثورة 25 يناير، وفي تفسير العداء والتنكيل ضد هذه الثورة التي احترمها العالم كله. ولكن، كيف سيفسر الوفد البرلماني المصري، عندما يتحدث مع الغرب هذا الكمّ من القصص الخيالية المنتشرة في الإعلام المصري الموجه، عن أن ثورة يناير مؤامرة غربية ضد مصر؟
بالتأكيد، سيتعجب البرلمان الذي يمثل الشعوب الأوروبية من تشبيه قانون التظاهر المصري بالأوروبي، فالتظاهر في أوروبا بمجرد الإخطار، ولا يحتاج لموافقة الحكومات، وحتى في حالات الانفلات أو الشغب لا تتعدّى العقوبات دفع الغرامة والتعويض لأي تلفيات، أما الحبس فهو، في أضيق الحالات، لمن يثبت عليه "تعمد تكرار" الشغب والإتلاف للممتلكات. ولكن، ليس بالأهواء ولا بالمشاع، كما عندنا.
وبالطبع، سينفي وفد البرلمان كل ما يقال عن الاختفاء القسري، على الرغم من أن كل من في
كيف سيفسر وفد البرلمان الطائر الروايات الأمنية الساذجة والمتضاربة عن قتل ريجيني؟ هل مات في حادث مرور فعلاً، كما قيل في أول الأمر، أم قتله شخص تعارك معه بجوار السفارة، أم قتلته عصابة خطف وسرقة الأجانب في القاهرة الجديدة، ولماذا تم تصفية العصابة بالكامل، ولماذا لم تتصرّف العصابة في متعلقات ريجيني. بالتأكيد، ستكون تبريرات الوفد المصري هي نفسها التبريرات الساذجة عن المؤامرة، لتكدير العلاقات مع إيطاليا، أو الحديث المكرّر عن عدم استباق التحقيقات التي قد تستمر سنوات بدون نتيجة.
لن يعترف وفد البرلمان المصري بأن لدى أجهزة وزارة الداخلية تاريخ في ذلك، الخطف والتعذيب واختراع أي قصة إن انفضح الأمر. لن يعترف بأن الغرض الحقيقي من قانون التظاهر هو التنكيل بثورة 25 يناير وشبابها. لن يعترف الوفد بالتضييق على المجتمع المدني الجاد، وبالمنظمات الحقوقية خصوصاً. ولكن، هل سيكرّر وفد البرلمان المصري الحديث الإعلامي المحلي عن المؤامرات الغربية الأوروبية، باستخدام المجتمع المدني لتخريب مصر؟ أعتقد أن من الصعب تكرار هذا الهراء في أوروبا، فالجميع يعلم أن الجهات المانحة للمجتمع المدني المصري هي نفسها المانحة للحكومة المصرية، وأن الجهات الأوروبية التي تدرب نشطاء المجتمع المدني نفسها التي تدرب المسؤولين الحكوميين، وهي الجهات التي درّبت أعضاء في البرلمان المصري قبل شهور.
انتفض البرلمان المصري من أجل الكذب على البرلمان الأوروبي والعالم، بحجة (أو ذريعة) الدفاع عن صورة مصر. ولكن، أليس من يقوم بالانتهاكات هو من يسيء لمصر؟ أليس الأفضل وقف الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، من أجل تحسين صورة مصر، بدلاً عن استمرار الانتهاكات، واستمرار الكذب والتضليل.
أليس من سلطة البرلمان "نظرياً" تعديل عقوبات قانون التظاهر؟ أتذكّر بشيء من الأسى الزملاء والرفاق السابقين الذين صبّوا لعناتهم ضدي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، عندما قرّرت تحدي قانون التظاهر وفضحه عملياً. وقتها قالوا إن عليك أن تسلك القنوات الشرعية، وتحتفظ بمعارضتك قانون التظاهر في سرّك، وتنتظر انتخاب البرلمان الذي سيقوم بإلغاء قانون التظاهر أو تعديله، وها هو البرلمان مجرد ختّامة مطاط للموافقة على كل شيء. وبالطبع، الموافقة على قانون التظاهر والموافقة على انتهاكات حقوق الإنسان والموافقة على التضييق على الحريات.
فمن دافع عن قانون التظاهر شريك في حبس الشباب، ومن يدافع عن الظلم والانتهاكات شريك في الظلم والانتهاكات، واقتراح أنه بدلاً من نفي الانتهاكات، وطالما أن البرلمان المصري لا يقوى على تعديل أو تصحيح أي شيء، فعليهم إعلانها صراحةً، مثلما فعل وفد الكونغرس الأميركي، أخيراً، عندما أعلنوا بوضوح دعمهم السيسي، على الرغم من انتهاكات حقوق الإنسان.