يحفرون قبورنا

27 سبتمبر 2014
مخيم للاجئين السوريين في عرسال تعرض للحرق (الأناضول)
+ الخط -
لو كانت ذاكرة البشر أطول، لكان عالمنا أفضل ربما. صحيح أنّ عددنا كان سيكون أقل فوق سطح الأرض، كون الأحزان التي لا تُنسى كانت ستخطف كثراً، إلا أنه يمكن المغامرة والقول إنّنا كنا سنعيش بسلام أكبر، ذلك أنّ المنطق يفيد بأننا كنا سنستفيد من العبر وسنتذكّر دروس التاريخ، وهو ما لا يسمح به قُصر الذاكرة. حديث الذاكرة يعود اليوم في لبنان، مع المشاهد التي تتناقلها يومياً وسائل التواصل الاجتماعي في كل مكان يتواجد فيه لاجئون سوريون، أي في كل بقعة من لبنان. صور وفيديوهات ترصد انتقاماً جماعياً من السوريين على أيدي أجهزة أمنية لبنانية رسمية وغير رسمية في إطار البحث عن الداعشيين المفترَضين.

باتت عقيدة الأجهزة الأمنية اللبنانية تتعامل مع مليوني لاجئ وفق قاعدة أن "كل سوري هو داعشي حتى إثبات براءته" التي قد لا تظهر أبداً، بما أن اللحية قد تكون دليلاً، كذلك صورة علم الثورة السورية على هاتف جوّال لعامل سوري مقيم في لبنان، أو مسقط الرأس المسجّل على بطاقة هويته... نحن أمام سلوك سياسي ستكون له نتائج أكيدة تصب في خانة معاكسة لأهداف الحملة: المداهمات الجماعية لمنازل ومخيمات اللاجئين السوريين بصورة عشوائية، والاهانات والاعتقالات وما يشوبها من تعذيب وتفنُّن في التعامل اللاآدمي مع اللاجئين السوريين... كلها دفعت وستدفع مَن هرب مِن "داعش" وشقيقه في سورية، إلى العودة للارتماء في أحضان أي وهم مطروح ضد القوة التي تمارس الإهانة والاذلال والتعذيب.

كلام لم يعد مجرد سيناريو متوقعاً، إذ تشهد بلدات ومدن عرسال وضواحيها خروج تظاهرات للاجئين سوريين "عاديين"، تستعيد شعار الثورة السورية الأول، "يا الله مالنا غيرك يا الله"، مضافاً إليها تنويعات تطلب العون من الشيطان، أي من داعش أو جبهة النصرة أو أياً كان. هؤلاء لا ينتمون لا إلى "جبهة النصرة" ولا يؤيدونها، بل يجدون أنفسهم معاقبين من قبل الجميع لذنب أنهم سوريين، هكذا، لمجرد أنهم وُلدوا في تلك البقعة وحكمتهم حتمية الجغرافيا والسياسة. لو كانت ذاكرة أصحاب قرار معاقبة السوريين جماعياً، أطول، لفهموا أنّهم لا يفعلون سوى حفر قبورنا جميعاً.
دلالات
المساهمون