يحدث في المغرب
لماذا قاطعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينتظم، الأسبوع الجاري، في مراكش، ومعها جمعيات حقوقية أخرى؟ هل كان الأمر يستحق المضي في اتخاذ هذا القرار الحساس جداَ، في ظل رهان الدولة المغربية على تحسين صورتها في المنتدى العالمي، ورغبتها في تحقيق مزيد من التقدم، في مجالٍ، يعترف شركاء الحركة الحقوقية، والدولة ومجلسها الوطني لحقوق الإنسان، أن العمل فيه جارٍ، لكن نتيجته ليست مثالية، فما تزال هناك تجاوزات ترتكبها الإدارة، ولم يعد المطلب الحقوقي مناهضة حالات تعذيب معزولة في مخافر الشرطة، بل يشمل حماية المال العام ومحاربة كل أشكال الفساد، وتمدد ليصبح آلية سياسية، حتى أن الحدود بين السياسي والحقوقي انتفت، ولم تعد هناك فواصل بين المجالين. ولقد نعتت "الجمعية"، مراتٍ، بأنها حزب في لباس حقوقي.
وهذا، ربما، سبّب انزعاج الدولة في المغرب من الجمعية، وأخريات في فلكها، ولفيف حقوقي، حيث تحري مؤاخذتها على أنها تحولت من راصد حقوقي إلى فاعل سياسي.
وبالنظر إلى أن التجاوزات في الحقل الحقوقي ليست مستجدة في المغرب، بل حقيقة تسعى على قدمين، باعتراف الدولة نفسها، لا بد من توضيح أمرين: الأول، أن الدولة، بذكاء بالغ، استطاعت أن تضم إليها وجوهاً معروفة في العمل الحقوقي وأعضاء سابقين في "الجمعية" ومن كبار قياداتها، وأدمجتهم في هيئةٍ شبه رسمية، هي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومن أهم وجوهه، رئيسه إدريس اليزامي، وسكرتيره العام محمد الصبار. الأول عاش سنوات في المنفى الأوروبي، وأمضى الثاني سنوات من شبابه سجيناً سياسياً. وهذا أحدث حالة "نفسية" داخل الجمعية، وأفرغها من كوادرها، والعملية تجري منذ قرر المغرب الرسمي طي صفحة الماضي، ضمن "الإنصاف والمصالحة"، وكانت الحركة الحقوقية المغربية فاعلة في التجربة مع رئيس المنتدى، الراحل إدريس بنزكري.
الأمر الثاني أن تحسن المغرب دولياً في حقوق الإنسان، وتخلي الجمعيات العاملة في المجال عن لغة التقارير السنوية النارية، جعل إطاراً فاعلاً، مثل "الجمعية"، يعيش تحدي البحث عن أرضٍ حقوقية بكر، لمّا تقربها يد، فكان تصدرها الحراك الاجتماعي، في موجة حركة 20 فبراير وما بعدها، زيادة على تعاطيها مع موضوع حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، ما جعل الدولة تستشعر أجراس خطر تدق من بعيد، فحاولت لملمة الوضع بسرعة، وكان أن جرى تفجير قضية الدعم الذي تتلقاه جمعيات المجتمع المدني من الدولة، ومن المنظمات الدولية، قبل سنة، وتم العمل، ضمن مخطط مدروس، للتشنيع بمتلقي ما سمي "الدعم الخارجي"، وهذا أشاع تخوفاً لدى الفاعلين في المجاليْن، الحقوقي والمدني، بأنه ليس هدف فتح موضوع الدعم الخارجي تطبيق القانون ومعرفة حسابات هذه الهيئات والتحقق من صرفها مالاً، عاما وخاصا، ولكن، وراء الأكمة ما وراءها.
بدأ الأمر بمناوشات في البرلمان، وانسحاب جمعياتٍ كثيرة من فعاليات الحوار الوطني حول المجتمع المدني. وما هذه المواقف المتشجنة بين الدولة والفاعلين في الحقلين، الحقوقي والمدني، إلا استمرار لمعركة تفجرت، اليوم، في صيغة مقاطعة المنتدى العالمي.
في ضفة أخرى، كان لافتاً بيان جماعة العدل والإحسان الحاد في مختتم اجتماع مجلس دائرتها السياسية. إذ يلتقي، من حيث لغته، مع بيان انسحاب "الجمعية" من المنتدى، ويتفوق عليه، في درجة تشخيصه الوضعين، السياسي والاجتماعي. ما يعني أن الجماعة الإسلامية القوية في المغرب تعتزم الخروج من حالة كمونٍ دخلت فيها، بعد انسحابها المدوّي من حراك الربيع المغربي، فلم يوفر البيان، حتى الحكومة بقيادة عبد الإله بنكيران، في مؤشر على نهاية شهر العسل بين المكونين الإسلاميين الفاعلين في المغرب.
ليست المصادفة هي التي تجعل كل هذه التيارات تنتظم ضمن مجرى واحد، فنباح الكلاب، كما يعرف الرعاة، تحذير من ذئب الفلوات!