19 ابريل 2021
يا لها من هدنة
عندما عقدت اتفاقية أستانة لوقف إطلاق النار في سورية، بمبادرة من روسيا وتركيا، اللتين انفردتا باقتراحها والتوصل إليها، شاعت أجواء أوحت بأنها ستكون مديدة، على عكس الهدن السابقة لها. حين كان أحد ما يشكّك في جديتها، كان يُسأل باستنكار: وكيف لا تكون نهائية، إذا كانت قد عقدت بضمانات قطعية من الطرفين الروسي والتركي، ثم من إيران التي استماتت كي تُقبل ضامناً ثالثا لها.
بيد أنه ما لبث أن تأكد أن المشكّكين كانوا على صواب، ومن أبدوا ثقتهم بالروس والإيرانيين أخطؤوا أيما خطأ، ذلك أنه بدل وقف إطلاق النار، وقع تصعيد لحرب الأسد وإيران إلى مستوى نوعي، لم يسبق أن شهدت الحرب السورية مثيلا له، بعد أن تولت إيران شن عملية عسكرية طاحنة ضد وادي بردى، بدأتها بقصف منشآت النهر التي تمد ملايين السكان في دمشق بالماء، ثم مرت بهجماتٍ قام بها مرتزقة حزب الله، تحت إشراف جنرالات طهران، زحف المشاركون فيها على الوادي شبرا بعد شبر، ودمروا كل ما وجدوه في طريقهم، بينما كانت إيران تعلن، من دون مواربة، تصميمها على تهجير سكان الوادي، واستقدام إيرانيين ولبنانيين إلى قراهم وبلداتهم.
بعد ثلاثة أسابيع من القتال الأشد ضراوة، ارتكبت خلالها جرائم تقشعر لها الأبدان، سقطت المنطقة التي تعرض سكانها للفتك بجميع صنوف الأسلحة، بما في ذلك غاز الكلور السام. في هذه الأثناء، كانت صرخات الملتزمين بوقف إطلاق النار تذكّر بما تم التوقيع عليه، وتصل إلى موسكو، وكانت تهديداتهم باعتبار اتفاقيته باطلة، بينما كان رد الروس يقتصر على جملةٍ واحدة: ليست الحرب خرقا لأي اتفاق، لأنها تستهدف جبهة النصرة. وقد كرّر الكرملين سخافته هذه، على الرغم من بيان رسمي أصدره مركز قيادة العمليات الروسية في حميميم، يقول إن الوادي خالٍ من جبهة النصرة والإرهابيين. والغريب أنه ما أن سلم مقاتلو الوادي أسلحتهم، حتى اختفت تهمة الانتماء إلى "النصرة" عنهم.
لم يقتصر العدوان على وادي بردى، بل تعداه إلى وعر حمص، حيث كثف النظام ومرتزقة إيران قصفه بجميع أنواع الأسلحة، وضغطوا على سكانه إلى أن قبل ممثلوه الدخول في مفاوضات هدنة. والمذهل أن ضباطا روسا قادوا المفاوضات، وهدّدوا بإبادة أهالي الوعر عن بكرة أبيهم، إذا رفضوا الاستسلام والترحيل. ما الذي حدث؟ تساءل السوريون. وهل هناك هدن خارج وقف إطلاق النار المغطى بضماناتٍ يفترض أنها أوقفت إطلاق النار، وبالتالي الهدن الجزئية التي تفرضها الحرب، الممنوعة، والتي تقوم على استغلال التهدئة العامة لعزل مناطق بعينها، وإرغامها على قبول الرحيل الجماعي والاستسلام.
بنجاح الضامنيْن، الروسي والإيراني، في تحويل وقف إطلاق النار إلى حربٍ قضمت مناطق مهمة خارج سيطرة النظام، ورحلت سكانها الذين بلغ عددهم في وادي بردى والوعر قرابة مائتي ألف مواطن، انتقل الضامنان والنظام إلى الخطوة الثالثة، وهي استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون، وبلغ إطلاق النار ذروته، وتبين أن لوقفه المزعوم معنى واحدا، يتقيد المقاومون به، ليستكمل الضامنان، الروسي والإيراني، اقتلاع مئات آلاف السوريات والسوريين من مناطقهم، بما لديهما من وسائل قتل جماعي.
والآن: هل سمع أحد، خلال التاريخين القديم والحديث، بوقف إطلاق نار يستخدم خلاله السلاح الكيميائي، وتحديدا ضد المدنيين؟ عن أي وقف إطلاق نار نتحدث، إذا كان النظام يحارب بغطاءٍ ومشاركةٍ من الضامنين، ويستخدم أسلحة لم تستخدم نيفاً وثلاثة أعوام؟ ثم، بربكم، كيف تكون الحرب، إن كان الطرف الذي يتقيد بوقف إطلاق النار يكافأ بهجماتٍ متلاحقةٍ هي أعنف ما واجهه خلال خمسة أعوام، لا بد من تصنيف نتائجها تحت حيثية التطهير العرقي والجغرافي؟ وإذا كان فوق يستهدف بالسلاح الكيميائي؟ وهل هناك صفاقةٌ تفوق صفاقة الروس، وهم يتهمون الضحية بانتهاك وقف إطلاق النار، لأنها احتجت على استمرار الحرب ضد الشعب السوري وتصعيدها، واستعمال الكيميائي ضد الآمنين؟
كم مرة يعتقد الروس والإيرانيون أننا سنقبل أن نلدغ من جحورهم، وبضماناتهم؟
بيد أنه ما لبث أن تأكد أن المشكّكين كانوا على صواب، ومن أبدوا ثقتهم بالروس والإيرانيين أخطؤوا أيما خطأ، ذلك أنه بدل وقف إطلاق النار، وقع تصعيد لحرب الأسد وإيران إلى مستوى نوعي، لم يسبق أن شهدت الحرب السورية مثيلا له، بعد أن تولت إيران شن عملية عسكرية طاحنة ضد وادي بردى، بدأتها بقصف منشآت النهر التي تمد ملايين السكان في دمشق بالماء، ثم مرت بهجماتٍ قام بها مرتزقة حزب الله، تحت إشراف جنرالات طهران، زحف المشاركون فيها على الوادي شبرا بعد شبر، ودمروا كل ما وجدوه في طريقهم، بينما كانت إيران تعلن، من دون مواربة، تصميمها على تهجير سكان الوادي، واستقدام إيرانيين ولبنانيين إلى قراهم وبلداتهم.
بعد ثلاثة أسابيع من القتال الأشد ضراوة، ارتكبت خلالها جرائم تقشعر لها الأبدان، سقطت المنطقة التي تعرض سكانها للفتك بجميع صنوف الأسلحة، بما في ذلك غاز الكلور السام. في هذه الأثناء، كانت صرخات الملتزمين بوقف إطلاق النار تذكّر بما تم التوقيع عليه، وتصل إلى موسكو، وكانت تهديداتهم باعتبار اتفاقيته باطلة، بينما كان رد الروس يقتصر على جملةٍ واحدة: ليست الحرب خرقا لأي اتفاق، لأنها تستهدف جبهة النصرة. وقد كرّر الكرملين سخافته هذه، على الرغم من بيان رسمي أصدره مركز قيادة العمليات الروسية في حميميم، يقول إن الوادي خالٍ من جبهة النصرة والإرهابيين. والغريب أنه ما أن سلم مقاتلو الوادي أسلحتهم، حتى اختفت تهمة الانتماء إلى "النصرة" عنهم.
لم يقتصر العدوان على وادي بردى، بل تعداه إلى وعر حمص، حيث كثف النظام ومرتزقة إيران قصفه بجميع أنواع الأسلحة، وضغطوا على سكانه إلى أن قبل ممثلوه الدخول في مفاوضات هدنة. والمذهل أن ضباطا روسا قادوا المفاوضات، وهدّدوا بإبادة أهالي الوعر عن بكرة أبيهم، إذا رفضوا الاستسلام والترحيل. ما الذي حدث؟ تساءل السوريون. وهل هناك هدن خارج وقف إطلاق النار المغطى بضماناتٍ يفترض أنها أوقفت إطلاق النار، وبالتالي الهدن الجزئية التي تفرضها الحرب، الممنوعة، والتي تقوم على استغلال التهدئة العامة لعزل مناطق بعينها، وإرغامها على قبول الرحيل الجماعي والاستسلام.
بنجاح الضامنيْن، الروسي والإيراني، في تحويل وقف إطلاق النار إلى حربٍ قضمت مناطق مهمة خارج سيطرة النظام، ورحلت سكانها الذين بلغ عددهم في وادي بردى والوعر قرابة مائتي ألف مواطن، انتقل الضامنان والنظام إلى الخطوة الثالثة، وهي استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون، وبلغ إطلاق النار ذروته، وتبين أن لوقفه المزعوم معنى واحدا، يتقيد المقاومون به، ليستكمل الضامنان، الروسي والإيراني، اقتلاع مئات آلاف السوريات والسوريين من مناطقهم، بما لديهما من وسائل قتل جماعي.
والآن: هل سمع أحد، خلال التاريخين القديم والحديث، بوقف إطلاق نار يستخدم خلاله السلاح الكيميائي، وتحديدا ضد المدنيين؟ عن أي وقف إطلاق نار نتحدث، إذا كان النظام يحارب بغطاءٍ ومشاركةٍ من الضامنين، ويستخدم أسلحة لم تستخدم نيفاً وثلاثة أعوام؟ ثم، بربكم، كيف تكون الحرب، إن كان الطرف الذي يتقيد بوقف إطلاق النار يكافأ بهجماتٍ متلاحقةٍ هي أعنف ما واجهه خلال خمسة أعوام، لا بد من تصنيف نتائجها تحت حيثية التطهير العرقي والجغرافي؟ وإذا كان فوق يستهدف بالسلاح الكيميائي؟ وهل هناك صفاقةٌ تفوق صفاقة الروس، وهم يتهمون الضحية بانتهاك وقف إطلاق النار، لأنها احتجت على استمرار الحرب ضد الشعب السوري وتصعيدها، واستعمال الكيميائي ضد الآمنين؟
كم مرة يعتقد الروس والإيرانيون أننا سنقبل أن نلدغ من جحورهم، وبضماناتهم؟