يا خليج.. إلا اليمن

26 فبراير 2015
لا نريده اصطفافاً طائفياً (الأناضول)
+ الخط -

ما يمرُّ به اليمن في هذه الأيام من خُذلان لا يقل عن خذلان فلسطين والعراق وسورية ومصر بتمكين أقلية فئوية تجتمع بها القبائح وسوء الأوصاف، فعندما يسيطر مرتزقة الحوثيين على مفاصل الحكم في اليمن، التي تحدّها شمالاً المملكة العربية السعودية وشرقاً عُمان، وسط صمت لم يتجاوز مجرد إدانة من مجلس التعاون الخليجي، الذي لم يعترف باليمن إلا كُرويّاً! وعندما نعلم أن السُنّة في اليمن يشكلون75%، والزيديون يشكلون 25%، بينهم 2% فقط حوثيون، فنحن أمام تكرار السيناريو الطائفي الذي فرضه نظام الأسد في سورية، والنتيجة التي يدفع ثمنها الشعب السوري حالياً.

ولعل الأزمة اليمنية معقدة وذات أوجه عدة، فاليمن الذي يعيش تهميشاً اقتصادياً، رغم أن شعبه من أهل التجارة وموطنها، وتهميشاً سياسياً رغم أنهم أصل العرب ومنبعهم، وتهميشاً من الدعاة الذين عاشوا رغد الحياة وانشغلوا بوعظ السلاطين والتبطح لهم!

ولأهل اليمن من مديح الرسول الكريم، في ما أخرجه النسائي في سننه "كتاب التفسير" وابن حبان في "موارد الظمآن"، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما قدم أهل اليمن على رسول الله، عليه الصلاة والسلام، في المدينة، قال رافعا صوته: (الله أكبر الله أكبر جاء نصر الله وجاء فتح الله وجاء أهل اليمن) فقال بعض الصحابة: وما أهل اليمن؟!" فقال صلى الله عليه وسلم: "قوم نقية قلوبهم ولينة طباعهم. الإيمان يمان والحكمة يمانية، هم مني وأنا منهم". وفي الصحيحين عن أبي هريرة: "الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان"، وهو حديث متواتر، كما قال المناوي في فيض القدير، بل شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، بأنهم خير أهل الأرض، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده وغيره، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في طريق مكة، فرفع رأسه إلى السماء فقال: "أتاكم أهل اليمن كقطع السحاب هم خير أهل الأرض"، فقال رجل كان عنده من الأنصار: إلا نحن يا رسول الله، فقال المصطفى عليه السلام كلمة خفيفة ضعيفة: "إلا أنتم". وكأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يريد نشر هذا الاستثناء، ويريد أن ينشر أن أهل اليمن هم خير أهل الأرض.

ما يحدث من صعود للحوثيين في اليمن، الذين بالتأكيد لم تتسع قوتهم فجأة، فهم تحت تبنٍّ إيراني وغطاء أميركي وتغافل خليجي آثر مصالح ثانوية على مشروع سيكون ضرره جامعاً.

ولعل دول الخليج من خلال سياستها وإعلامها من أكثر الدول تحذيراً وعدائية تجاه المشروع الإيراني، رغم أن الواقع يُظهر أن المشروع (ماشٍ) رغم كل الجهود ضده. هل هو ضعف أم انهزام، أم أنها تبعية لقوة عظمى تلعب مع المشروع الإيراني لعبه قذرة، نعلم عنها ونخوض فيها ونتسخ ومن ثم نشكي من هذا الخوض؟!

كبحرينيين، نعلم إلى حدٍّ ما، قُدرة النَّفَس الطائفي على خلق أزمات طاحنة لا يجبرها الزمن، ونعلم أن نار الطائفية، عندما تتم تغذيتها بطعام السلاح، تكون لهيباً لا ينطفئ إلا بنار مثله تحرق من جميع الأطراف!

تمكين الحوثيين لم يكن صدفه أو في غفلة، بل ضمن خطة مُعلنة ومدروسة، ولكن كما قُلنا هناك أمور سيذكرها التاريخ كلعنات وويلات على مَن تغافل عنها!

خاض الحوثيون حرباً لم تدم طويلاً على الحدود السعودية، وهناك أخبار متداولة بأن السعودية تحشد من أجل تدخل عسكري تحت مظلة مجلس الأمن. وتشير التقارير الدولية إلى أن معدل التسلح في اليمن اليوم يساوي نصف معدل التسلح في الولايات المتحدة الأميركية، وإلى وجود أكثر من 60 مليون قطعة سلاح في اليمن، ولكن ما زال أهل اليمن في سلمية نسبية مقارنة بكمية السلاح وانتشاره، ولكن السؤال المهم إلى متى؟ وما هو تأثير ذلك على دول الخليج، التي هي سبب في أزمة اليمن من خلال سياسة خارجية استعلائية قائمة على التدخل السلبي!

من أجل داعش قام تحالف دولي شاركت فيه دول خليجية لدرء الخطر كما تزعم، ولكن الآن الخطر الحوثي قادم لها إن استمرت في مثل هذه السياسة، فما يحتاجه اليمن الآن هو دعم خليجي للشعب والأحزاب التي تمثله بصورة حقيقية، وعدم تسويغ الأعذار الواهية حول ماهية هذه الأحزاب، والتأويل في شأنها، فنحن لا نخفي سراً عندما نقول بأن الحزب الوحيد القادر على مجابهة الحوثيين هو التجمع اليمني للإصلاح، من خلال قوته وانتشاره وقياداته، التي ما زالت تملك مفاتيح الحل للأزمة اليمنية،

رغم حالة عدم التفاؤل التي تسود بين الشعوب العربية، وهي ترى حلم الربيع العربي الذي بدا مزهراً في ومضات، يتحول إلى جحيم عربي من خلال سقوط هذه الدول التي حاولت تنفس الحرية، فنماذج العراق وسورية وليبيا الخائضة في بحور الدماء والتي يكاد الوضع فيها أن يكون أقرب لجحيم مُستعر، تجعل اليمن في مرمى ليس ببعيد عن ذلك، إلا إن صححت الدول، التي بإمكانها تصحيح الوضع، الأمر، كما أفسدته في بقية الدول.

المال والسلطة والرخاء والأمن نِعَمٌ لا يملك إعطاءها إلا المولى عز وجل، فمتى ما تعالينا على هذه النعمة وحاولنا حرمان غيرنا منها بحجة الدفاع عنها سيزيلها المولى، كما كان في أمم وشعوب أخرى لها الفعل والجبروت ذاته، واليوم قصص هلاكها تروى كعبرة للمعتبرين!

اليمن بحاجة لنا، ليس تفضلا بل واجباً، وليس تكرماً بل سداداً لفضل اليمن وأهله لمن يحفظ الفضل لأهله. لا نريده اصطفافاً طائفياً بقدر ما هو حفظ لقدر الأمة، ومجابهة مشروع لا يجد ضيراً في إشاعة الفوضى وإراقة الدم في سبيل توسعه، وهو يجبن المواجهة في العلن فلذلك نجح في السر.

حفظ الله اليمن وأهله من شر المتآمرين وخذلان المجاورين وانقسام المتحالفين، والله غالب على أمره.


(البحرين)