ومع ذلك فقد أطفأت شمعتها السادسة

16 يناير 2017
أحيا تونسيون الذكرى السادسة للثورة في العاصمة (Getty)
+ الخط -

اتّسم يوم أول من أمس السبت، 14 يناير/كانون الثاني الحالي، ذكرى الثورة السادسة في تونس، بمشاهد متناقضة بين مختلف المدن التونسية قد تبدو غريبة على متابع يرى المشهد من بعيد بشكل كامل وينظر إلى كل التفاصيل في الوقت نفسه. فبينما كانت عائلات تونسية مع أطفالها تحتفي في العاصمة بالذكرى وتجدد الأمل في مستقبل الثورة، كان محتجون في بنقردان وقفصة وغيرها، يشعلون الإطارات المطاطية، بينما كانت الثلوج تزحف على الشمال الغربي لتبدأ معاناة الأهالي الموسمية مع كل شتاء.
وفي مشهد آخر من مساء السبت، كان الضحايا يسردون وقائع ما حصل لهم من معاناة أيام اندلاع الثورة. وفي القاعة نفسها كان الرئيس السابق، منصف المرزوقي، وعدد من السياسيين يؤكدون أن شعلة الثورة لم تنطفئ، وأن مسار العدالة الانتقالية هي بعض ثمراتها. وفي ذات اللحظة تقريباً كان رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في مكان آخر، يحتفي مع عدد من الطلبة بالثورة، يقدم رؤاه للتغيير وبرامج حكومته لحلحلة الوضع.
وأخيراً، اختار الرئيس الباجي قائد السبسي أن يذهب إلى قفصة ويلتقي عمال الحوض المنجمي، في رهان واضح على قطاع حساس للغاية اقتصادياً، بينما كانت المعارضة في المنطقة نفسها، تشير إلى أن ما أعلنه من إجراءات ليس إلا مجرد ذَرّ رماد في العيون.
مشهد سينمائي مركّب، اعتاد عليه التونسيون تقريباً، بين خوف ورجاء، وأمل وإحباط، وتأكيد على مسار ثورة غيّرت مسار البلاد، وسيذكر التاريخ أيضاً أنها غيّرت أكثر من ذلك، وطرحت أفكاراً واستهدفت عقولاً وحرَّكت بلداناً وقوى، وبين حملات تشكيك دورية لم تعد تلقى بالاً واهتماماً من تونسيين، ينعمون بنسائم الحرية، وينتقدون حكَّامهم... يتذمّرون من وضعهم اليوم، ولكنهم يأملون في غد أحسن، يعرفون أنه سيكون أحسن.
ولكن هذا المشهد التونسي، وعلى تعثّراته البسيطة، التي لم تهدد بناءه ولم توقف مساره منذ ست سنوات، يتأكد اليوم أنه مثال ممكن ومتاح، وبديل عن خيارات أخرى لم تنتج غير سفك الدماء وفوضى التقاتل والتقسيم، من دون أن تتوقف نخبه لحظة لتتمعّن في حجم الخراب الذي أحدثته حولها.
المساهمون