ومات الرعاة بين تونس وباريس

26 نوفمبر 2015
بوزيد أقرب من باريس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

#أنا_الراعي_التونسي، وسم غزا مواقع التواصل الإجتماعي في تونس، ردّا على الجريمة الإرهابية التي طاولت مبروك السلطاني، وهو فتى يبلغ من العمر ستّ عشرة سنة، كان يرعى أغنامه في الجبل، فانتهى به الأمر إلى فصل رأسه عن جسده ورميه أمام منزله.

والده انتحر منذ سنوات من جرّاء الفقر المدقع، وأمّه ضريرة، فاجتمعت عليه وإخوته قسوة الحياة في جبال سيدي بوزيد، ولم يفلت من براثن وحوش بشرية التحفوا بالدين ففصلوا رأسه عن جسده.

#أنا_فرنسا، وسم آخر تزامن إطلاقه مع هذه الحادثة بعد الأحداث الإرهابية التي ضربت باريس وأودت بحياة أكثر من 150 فرنسيا من بينهم أختان تونسيتان، حملة وحملة مضادة على صفحات فيسبوك لم تكن بتلك العفوية، وإنما تعكس عمقا في التعامل مع الجريمتين، فعلى الرغم من إدانة الجانبين لأحداث تونس وباريس، إلاّ أنّ المساندين للراعي التونسي وعائلته عبّروا عن سخطهم  من تحوّل الرئيس الباجي قائد السبسي فور حدوث هجمات باريس إلى تقديم التعازي للسلطات الفرنسية، وتجاهله ذبح الراعي التونسي؛ قائلين للرئيس "سيدي بوزيد أقرب من باريس". 

وقد اعتبروا أنّ الزيارة زيادة على حملة وضع العلم الفرنسي على حسابات شخصية في فيسبوك لتونسيين، ما هي إلاّ تفرقة سمجة بين آلاف السوريين الذين يقتلون كلّ يوم بالطائرات الفرنسية إلى جانب الماليين والعراقيين وغيرهم من ضحايا النظام الفرنسي، فيما لا نجد لهم أثرا عند هؤلاء المندّدين بالإرهاب الموجّه نحو فرنسا.

فالإرهاب نوعان، نوع شرعي ينطلق من مطارات عسكرية رسميّة تسبقه لقاءات في نزل فخمة وخطط تصاغ على نخب الشمبانيا، ويعلن عن قراراته إمّا تحت لافتة العالم الحرّ الآتي من بعيد لكي يحرّر الشعوب من براثن التنظيمات الإرهابية، يحرّرهم نعم، ولكن من العيش ككلّ، يحرّرهم ليستحيلوا في القبور محرّرين من هؤلاء ومن هؤلاء.

وإرهاب فرنسي أشقر لا يرى، لأن الضحايا سمر عرب مدنيّون نعم، ولكنهم ليسوا كالمدنيين المحتفلين في ضواحي باريس، هذا ليس تبريرا، ولكنّه تنديد بإنسانيّة تأبى إلاّ أن تكون على القياس، فدم الراعي التونسي الذي فصل رأسه عن جسده عزيز والمجرم واحد والمستهدف هو الإنسان سواء كان تونسيا أو فرنسياً مدنيّا، ولكن المعايير تختلف بين أن تكون فقيراً أسمر، وبين أن تكون إنساناً غربياً مستهدفاً من تنظيم داعش الإرهابي.

إنّها الإنسانية المدانة التي تميّز حتى بين ضحايا مجرم واحد، فمن فئة الراعي التونسي البسيط، آلاف يقتلون كلّ يوم ويذبحون على أيدي الدواعش وغيرهم من دوائر النفوذ وأمراء الحرب العالميين، كذلك يقتل الرعاة هؤلاء الذين يعتبرهم البعض ذوي دماء ذهبيّة لا لشيء إلاّ لأنّهم شقر من عالم متقدّم، استشهد الراعي ومات الرعاة وحُطّم ميزان عدل وُضع فيه "دمّان بريئان" انتُصِر لأحدهما ولم يُنتصَر للآخر. 

(تونس)

اقرأ أيضاً: تونس... عودة الدولة الأمنية

المساهمون