21 فبراير 2018
ولكن أخلاق الرجل تضيق
دخلت سورية رسمياً تحت عباءة الاحتلال الإيراني الروسي، وبات الأسد وكيلاً للباب العالي في طهران وموسكو. في العراق داعش باقية، وإن كانت لا تتمدد، فإنها لا تستسلم، ومازالت قادرة على إلحاق الأذى بالعراقيين الذين صاروا يتابعون مسلسل فساد نخب المنطقة الخضراء، أكثر من دعاية الحشد الشعبي عن جهاده ضد الاٍرهاب. مرَّ اليمن من عاصفة الحزم إلى (إعادة الأمل)، وهاهو دخل حرباً طويلة، لا يلوح في الأفق أمل بنهايتها القريبة. ما بقي من الدولة ينهار كل يوم، فيما تنظيم القاعدة وأخواته يبني الأرضيّة الجديدة التي ستنبث الجيل الثالث من الإرهابيين الفارين من العراق وسورية. في فلسطين، تُجهز ثورة السكاكين على ما بقي من أوهام السلام. يقول جيل "أوسلو" للنخب الفلسطينية التي ترهلت، حتى عادت بلا مشروع سياسي ولا وطني ولا تحرري: تعبنا من تسوّل السلام لدى إسرائيل، وحكومات الفصل العنصري المتعاقبة على حكمها، ابحثي، يا منظمة التحرير، لنفسك عن ملجأ، واتركينا نواجه المحتل باللغة التي يفهم.
في مصر، الإجهاز على مكتسبات الثورة المصرية وصل إلى نهايته، والنظام الذي جاء بانقلاب لم يعد قادراً على إقناع المصريين بالخروج من بيوتهم، للتصويت على من يمثلهم في برلمانٍ، يعرف الجميع أنه مجرد ورقة توت، تُستدعى لتغطي جزءاً من عورة الانقلاب، النسبة المتدنية للمشاركة في هذه اللعبة صفعة قوية على قفا السيسي، والبقية في الطريق. في ليبيا، وزعت القبائل شبه دولة القذافي، وما عاد أحد يستمع لأحد، ما أن أعلن المبعوث الأممي في الصخيرات عن إيجاد حل للأزمة، حتى خرجت المليشيات تعلن الانشقاق عن قياداتها السياسية، وكل تسوية وأنتم بخير. لبنان بلا رئيس ولا برلمان ولا حكومة شرعية، وحزب الله أصبح مخلباً إيرانياً متخصصاً في قصف السعودية إعلاميا وسياسياً. دول الخليج ما عادت واحات استقرار ورفاهية، أسعار النفط تنزل شهراً بعد آخر، والمظلة الأميركية تنسحب عن الخليج بالتدريج، تاركة للقوى الإقليمية مفاتيح الملفات المعقدة. قال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، أخيراً، إن بلاده رفضت عرضاً أميركياً، لترتيب أوراق المنطقة في غياب العرب. ولا توجد مبررات لكي لا نصدقه، باراك أوباما تعب من مشكلات شرق أوسط، لم تعد فيه أشياء كثيرة تغري بالاهتمام السابق. صار النفط وفيراً في بلاد العم سام، بعد اكتشاف طرق جديدة ورخيصة لاستغلال النفط الصخري. ولا شيء يهدد أمن إسرائيل الآن، والعالم العربي مشغول بالحروب الأهلية ومسلسل تفكيك دوله مستمرّ بلا توقف.
كل شيء تغير، وحده العجز العربي لم يتغير، وحده العقل العربي لم يفهم بعد أنه يحتاج إلى مراجعة عميقة من الذات، وأن الحكام العرب، ملوكاً ورؤساء وأمراء، يجب أن يتصالحوا مع شعوبهم، على قاعدة تحول ديمقراطي عميق وحقيقي، يُرجع إلى السلطة شرعيتها، وإلى الدولة تماسكها، وإلى المجتمع عافيته، بعيداً عن الانقسامات المذهبية والطائفية والدينية والعرقية. قالها لكم أوباما بصراحةٍ، لا نظير لها، وأنتم متخوفون من اتفاق النووي مع إيران. قال في حواره مع توماس فريدمان إن الخطر الحقيقي الذي يهدد الدول العربية داخلي، وليس خارجياً.
منذ تحول الربيع العربي إلى شتاء عربي، أصبحت تبكي على الأطفال في هذه المنطقة، ليس فقط المشردين في سورية، وليس فقط الذين يعانون حالياً من الأوضاع الإنسانية في اليمن. ولكن، على الشباب الإيراني العادي، أو الشباب السعودي والشباب الكويتي الذين يسألون أنفسهم: لماذا لا نمتلك الإمكانات نفسها التي يحلم بها بعض الأطفال في فنلندا، وسنغافورة، والصين، وإندونيسيا والولايات المتحدة؟ لماذا لا نرى هذا الاحتمال نفسه، هذا الشعور بالأمل؟ وأعتقد أن هذا هو ما يجب أن يركز عليه القادة في المنطقة.
قديماً، قال المتنبي: لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلها/ ولكنَّ أخلاق الرجال تضيقُ
في مصر، الإجهاز على مكتسبات الثورة المصرية وصل إلى نهايته، والنظام الذي جاء بانقلاب لم يعد قادراً على إقناع المصريين بالخروج من بيوتهم، للتصويت على من يمثلهم في برلمانٍ، يعرف الجميع أنه مجرد ورقة توت، تُستدعى لتغطي جزءاً من عورة الانقلاب، النسبة المتدنية للمشاركة في هذه اللعبة صفعة قوية على قفا السيسي، والبقية في الطريق. في ليبيا، وزعت القبائل شبه دولة القذافي، وما عاد أحد يستمع لأحد، ما أن أعلن المبعوث الأممي في الصخيرات عن إيجاد حل للأزمة، حتى خرجت المليشيات تعلن الانشقاق عن قياداتها السياسية، وكل تسوية وأنتم بخير. لبنان بلا رئيس ولا برلمان ولا حكومة شرعية، وحزب الله أصبح مخلباً إيرانياً متخصصاً في قصف السعودية إعلاميا وسياسياً. دول الخليج ما عادت واحات استقرار ورفاهية، أسعار النفط تنزل شهراً بعد آخر، والمظلة الأميركية تنسحب عن الخليج بالتدريج، تاركة للقوى الإقليمية مفاتيح الملفات المعقدة. قال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، أخيراً، إن بلاده رفضت عرضاً أميركياً، لترتيب أوراق المنطقة في غياب العرب. ولا توجد مبررات لكي لا نصدقه، باراك أوباما تعب من مشكلات شرق أوسط، لم تعد فيه أشياء كثيرة تغري بالاهتمام السابق. صار النفط وفيراً في بلاد العم سام، بعد اكتشاف طرق جديدة ورخيصة لاستغلال النفط الصخري. ولا شيء يهدد أمن إسرائيل الآن، والعالم العربي مشغول بالحروب الأهلية ومسلسل تفكيك دوله مستمرّ بلا توقف.
كل شيء تغير، وحده العجز العربي لم يتغير، وحده العقل العربي لم يفهم بعد أنه يحتاج إلى مراجعة عميقة من الذات، وأن الحكام العرب، ملوكاً ورؤساء وأمراء، يجب أن يتصالحوا مع شعوبهم، على قاعدة تحول ديمقراطي عميق وحقيقي، يُرجع إلى السلطة شرعيتها، وإلى الدولة تماسكها، وإلى المجتمع عافيته، بعيداً عن الانقسامات المذهبية والطائفية والدينية والعرقية. قالها لكم أوباما بصراحةٍ، لا نظير لها، وأنتم متخوفون من اتفاق النووي مع إيران. قال في حواره مع توماس فريدمان إن الخطر الحقيقي الذي يهدد الدول العربية داخلي، وليس خارجياً.
منذ تحول الربيع العربي إلى شتاء عربي، أصبحت تبكي على الأطفال في هذه المنطقة، ليس فقط المشردين في سورية، وليس فقط الذين يعانون حالياً من الأوضاع الإنسانية في اليمن. ولكن، على الشباب الإيراني العادي، أو الشباب السعودي والشباب الكويتي الذين يسألون أنفسهم: لماذا لا نمتلك الإمكانات نفسها التي يحلم بها بعض الأطفال في فنلندا، وسنغافورة، والصين، وإندونيسيا والولايات المتحدة؟ لماذا لا نرى هذا الاحتمال نفسه، هذا الشعور بالأمل؟ وأعتقد أن هذا هو ما يجب أن يركز عليه القادة في المنطقة.
قديماً، قال المتنبي: لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلها/ ولكنَّ أخلاق الرجال تضيقُ