تنشط الشرطة السورية الحرة منذ عام 2012 خارج مناطق النظام، فتوفر الأمن للمواطنين، حتى بات هؤلاء يثقون فيها ويعتمدون عليها. لكنّ الشرطة تتخوف من وقف الدول المانحة تمويلَها وما سيؤدي إليه من تراجع في عملها.
في اتصال رسمي، لشركة "أجاكس"، الوسيطة بين الدول المانحة (الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والدنمارك وهولندا وألمانيا)، مع الشرطة الحرة في الشمال السوري، جرى إبلاغ الأخيرة أنّ الدعم المقدم من هذه الدول سيتوقف خلال الأشهر المقبلة، ما يعني تراجعاً كبيراً في عمل أجهزة الشرطة الناشطة في مناطق مختلفة بين محافظتي حلب وإدلب. وتلعب مراكز الشرطة التي تحظى بقبول شعبي دوراً كبيراً في ضبط أمن هذه المناطق، بالإضافة إلى خدمات أخرى تقدمها وفق ما تتطلبه الحاجة.
تسعى الدول الغربية إلى الحدّ من نشاط التنظيمات المتطرفة وتجفيف مصادر دعمها، وهو سعي يرى مراقبون أنّه إعلامي واستعراضي فقط، إذ يُطبَّق نقيضه على الأرض مع توقف دعم المؤسسات المدنية. ويبقى دعم تلك التنظيمات قائماً بل في ازدياد، علماً أنّها تسيطر على معابر دولية وأخرى محلية تجني منها مردودات هائلة، بالإضافة إلى الضرائب التي تفرضها.
العميد المنشق، أديب الشلاف، قائد شرطة حلب، ومؤسس الشرطة الحرة، يستغرب في لقاء مع "العربي الجديد" توجه الدول المانحة إلى مثل هكذا قرارات في هذا التوقيت، متسائلاً عن جدوى إضعاف المؤسسات المعبرة عن الثورة في سورية. يقول: "لا ندري السبب الرئيسي لإيقاف الدعم، هم أخبرونا أنّ عملنا كشرطة حرة مميز، وأنّنا من أنجح المؤسسات التي جرى التعامل معها. أعتقد أنّ القرار سياسي بحت". وعن البحث عن حلول أو صيغة تفاهم لتفادي وقف الدعم، يقول الشلاف: "نحاول التواصل مع الدول المانحة، ونأمل ألّا يتوقف هذا الدعم المقدم، الذي سيؤدي انقطاعه إلى تراجع كبير في عمل جهاز الشرطة في المناطق المحررة".
من جهته، يؤكد العقيد علي الزين، عضو مجلس قيادة الشرطة، والمنشق منذ عام 2012 عن وزارة الداخلية السورية، أنّ أيّ توقف لدعم الشرطة الحرة هو دعم بطريقة غير مباشرة للتنظيمات الإرهابية، كهيئة تحرير الشام، التي تسعى إلى توسيع سيطرتها في الشمال السوري: "لا يمكن القول إلا أنّ توقف الدعم عن أيّ مؤسسة ثورية فاعلة، هو دعم للمشاريع المضادة للثورة وعلى رأسها التنظيمات المصنفة إرهابية، وهذا ما نستغربه من الدول التي تدعي محاربة الإرهاب". يتابع الزين: "عملنا منذ أكثر من خمس سنوات على تأسيس جهاز شرطة محترف في المناطق المحررة، واستطعنا حجز مكان لنا بين المدنيين الذين يثقون فينا إلى حدّ كبير، خصوصاً من خلال السياسة التي اتبعناها نحو التوجه لنكون شرطة مجتمعية وليس جهازاً أمنياً قمعياً. غيابنا أو تراجع دورنا اليوم يعني توسع دور الفصائل المتطرفة، وتوجه الناس من جديد مضطرة إلى ما يسمى بالشرطة الإسلامية التابعة لجبهة النصرة".
مع بداية خروج عدد من المدن والبلدات في الشمال السوري عن سيطرة النظام السوري، وبدء سيطرة الجيش الحر عليها، وجد سكان تلك المناطق أنفسهم في حالة من الفراغ الأمني الكبير، مما دفعهم إلى تشكيل قوى حماية ذاتية لكلّ بلدة وقرية تساهم في التقليل من الجرائم وملاحقة فاعليها، ومع بدء ظاهرة الانشقاقات عن مؤسسات النظام السوري، وانشقاق عدد كبير من ضباط وصف ضباط وزارة الداخلية، توجه عدد من هؤلاء المنشقين لتنظيم صفوفهم وتشكيل نواة لجهاز شرطة محترف.
العميد المنشق فؤاد سويد، القائد الحالي لشرطة إدلب الحرة، يتحدث إلى "العربي الجديد" عن بدايات تشكيل الشرطة الحرة في المحافظة: "بدأ الضباط وصف الضباط المنشقين عن جهاز شرطة النظام السوري، بتشكيل جهاز لضبط أمن المناطق المحررة في محافظة إدلب في النصف الثاني من عام 2012، سمّوه حينها الأمن السوري الحر، الذي تطور بعدها ليصبح مؤسسة تحت اسم الشرطة الحرة". يضيف سويد: "بقي عناصر الشرطة الحرة يعملون كمتطوعين، دون تقديم أيّ دعم لهم من أي جهة، حتى الشهر الثامن من عام 2014، عندما قررت بعض الدول المانحة تقديم بعض أنواع الدعم، الذي أحدث تغيراً نوعياً في مراكز عملنا وتوزعها".
ساهم دعم الدول المانحة للشرطة الحرة، في رفع مستواها، وتطوير تنظيمها الإداري، بحسب تصريحات العقيد علي الزين، إذ يشرح لـ"العربي الجديد" الهيكلية التي توصلت إليها قيادة الشرطة للقيام بالمهام الموكلة إليها بالطريقة المناسبة: "تتألف مؤسسة الشرطة الحرة من مجلس قيادة أعلى للشرطة مؤلف من مجموعة من الضباط (4 ضباط) يضاف إليهم ضابط ارتباط. يعقب المجلس الأعلى قائد الشرطة الذي يشرف على قادة القطاعات، ويتابع عمل الفروع المنبثقة عن قيادة الشرطة، وتتبع لهذه الأفرع مجموعة من المراكز المنتشرة في عدد من بلدات ومدن الشمال السوري".
تنتشر مراكز الشرطة الحرة في محافظتي حلب وإدلب، بواقع 58 مركزاً، من بينها عدد من المراكز المرورية التي تنظم السير في مناطق وجودها، وتتابع وقائع الحوادث المرورية، ويقتصر وجود مراكز الشرطة على المناطق التي لا تقع تحت نفوذ هيئة تحرير الشام. يوضح العقيد الزين أنّهم كشرطة حرة لا يعملون في مناطق هيئة تحرير الشام، ويرفضون أساساً أيّ عمل في مناطق سيطرة التنظيم على حد تعبيره.
يكاد وجود الشرطة الحرة يكون معدوماً في مناطق النفوذ التركي، شمال حلب (درع الفرات - غصن الزيتون)، إذ قامت السلطات التركية بتشكيل جهاز شرطة آخر، بحسب العميد أديب الشلاف: "عرضنا على الأتراك أن يبقى وجودنا كشرطة حرة متخصصة ومحترفة، لكن كان الرد أنّ أيّ وجود يجب أن يكون عن طريقهم، مما اضطرنا إلى الانسحاب من تلك المناطق وتحويل معداتنا وآلياتنا لصالح المجالس المحلية الموجودة في المنطقة".