أن تكون رئيساً في أفريقيا ما بعد مرحلة الاستعمار، يعني أمراً من اثنين: إما يتذكرك الجميع إلى الأبد بإيجابياتك وسلبياتك، وإما لا يتذكرك أحد لأنك لم تستمرّ طويلاً في السلطة بسبب انقلاب ما. في هذه الجدلية، سيكون روبرت موغابي باقياً في ذاكرة القارة الأقدم في الكوكب. الرئيس السابق لزيمبابوي، الذي توفي اليوم الجمعة، في أحد مستشفيات سنغافورة، جمع في سلوكه طيلة حياته التناقضات، فكان بطل استقلال بلاده من بريطانيا ومدمّرها في آنٍ بحكمه الديكتاتوري الذي استمرّ على رأس بلاده بين عامي 1980 و2017، متسبباً باضطرابات اقتصادية وانتهاكات لحقوق الإنسان، قبل انقلاب الرفاق القدامى عليه، عبر الجيش، الذي كان حامياً له طيلة السنوات الـ37. لم يحدّد أحد ممَّ كان يُعالج الرجل في مشفاه الآسيوي، فبعض المسؤولين ذكروا أنه كان يعاني من إعتام في عدسة العين، بينما أفادت وسائل إعلام خاصة بأنه كان مصاباً بسرطان البروستات. أما الرئيس الحالي لزيمبابوي، إيمرسون منانغاغوا، فقال في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن موغابي لم يعد قادراً على السير عندما نُقل إلى مستشفى في سنغافورة، لكنه لم يحدد طبيعة العلاج الذي يتلقاه. وغرّد منانغاغوا على "تويتر" واصفاً موغابي بأنه "رمز للتحرير".
في خضمّ احتمال وراثة غريس لروبرت موغابي، تحرّك الجيش، مختاراً إيميرسون منانغاغوا، مرشحاً له. ومنانغاغوا كان على خلاف مع غريس، واتهمها بمحاولة قتله عبر "تسميم المثلجات" الآتية من مزارعها، في أغسطس/ آب 2017، ما أدى إلى سقوطه أثناء تجمّع شعبي، ونقله على جناح السرعة إلى جنوب أفريقيا، حيث عُولج على عجل ونجا. وعلى الرغم من نفي غريس وفريقها الأمر، إلا أن الصدام بات حتمياً. فالحرس القديم في حزب موغابي "زانو ـ بي أف" لم يرتح لغريس، وخصوصاً أن موغابي أطاح بمنانغاغوا من نيابته، في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، ما حدا بالحزب لعقد مؤتمر عاجل في 15 نوفمبر، والاتفاق على إزاحة موغابي، وتمهيد الطريق لمنانغاغوا لخلافته. وهو ما حصل. فتقدمت الدبابات باتجاه المقرّ الرئاسي في هراري، وأبعدت موغابي عنه، مع تأكيد بيانات الجيش أن الهدف ليس موغابي، بل المجرمين المحيطين به. وكان بيان الحزب لافتاً في حينه "تمّ احتجاز العائلة الحاكمة وهي في أمان، وهو أمر ضروري للدستور ووحدة الأمة. لا زيمبابوي ولا زانو ـ بي أف ملكية خاصة لموغابي وزوجته. من اليوم سيبدأ عهد جديد بقيادة الرفيق منانغاغوا، الذي سيساعدنا في الوصول إلى زيمبابوي أفضل".