وبوفاة الشيخ حمزة تكون الطرق والزوايا الصوفية بالمملكة قد فقدت أحد رموزها وقادتها الدينيين، والذي بلغت شهرته الآفاق داخل وخارج البلاد، باعتبار أن للطريقة آلاف المريدين يأتونه كل سنة بمناسبة "المولد النبوي" يتبركون به، ويحيون حفلات دينية بالطريقة الصوفية في رحاب "مداغ"، وبحضرة الشيخ الراحل.
وسميت هذه الطريقة الصوفية بالبودشيشية، لكون الشيخ "سيدي علي بن محمد"، والذي حمل لقب "سيدي علي بودشيش" كان يطعم بيده الفقراء أيام المجاعة طعام "الدشيشة"، وهو الشعير المطحون رخيص الثمن، داخل زاويته، فاشتهر ذلك المكان بالزاوية البودشيشية.
ويعود تأسيس الطريقة البودشيشية بالمغرب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني أو الكيلاني، في القرن الخامس هجري، لكن أبرز شيوخها بالمغرب كان سيدي المختار بن محي الدين، المتوفى سنة 1914، والذي ركز على مسألة تبرك المريد بالشيخ، والشيخ أبو مدين بن المنور المتوفى عام 1955، والذي اهتم أكثر بالتزكية الروحية.
وبعد أبو مدين واصل الشيخ العباس زعامة الطريقة البودشيشية فترة من الزمن، ليترك المشيخة فيما بعد إلى ابنه الشيخ حمزة، وتولى أمور الزاوية منذ سنة 1972 إلى حين وفاته اليوم، أي لفترة ناهزت 45 عاماً، وفي عهده عرفت الطريقة الصوفية المذكورة إشعاعاً لافتاً.
وحدد الشيخ الصوفي الراحل علاقة المريد بالشيخ، والتي كثر حولها اللغط داخل زاويته واعتبارها بدعاً شركية من فرط التبرك بالرجل، في تصريح نادر له، بأنها "علاقة محبة تشبه الحليب أي شيء يسقط فيه يظهر فيه، فيفسد منظره، ويغير لونه، وإذا تغير لونه لم يعد حليباً"، معتبرا أن "تصوف الحقيقة قد ولى زمانه، والمطلوب اليوم إصلاح الخلائق، لا إطلاق الحقائق".
"إصلاح الحقائق" الذي تحدث عنه حمزة ترجمه على المستوى العلمي من خلال أمرين اثنين، الأول تربوي يتعلق بتزكية النفس وتطهير الروح، والتعلق بالله ورسوله من خلال الأذكار الصوفية المعروفة، وتثبيت العلاقة بين الشيخ والمريد، والثاني على مستوى المواقف السياسية التي باتت الزاوية تعلن عنها.
وشهدت الطريقة البودشيشية "منعرجا حاسما" في المشهد الديني والسياسية بالمغرب، خاصة بعد تولي أحمد التوفيق، والذي يُنسب إلى هذه الطريقة، منصب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية منذ سنة 2003 إلى اليوم، وأضحت للزاوية كلمتها ومواقفها المسموعة لدى المسؤولين.
وشاركت الزاوية البودشيشية بمواقفها في عدد من المحطات السياسية، خاصة في الاستفتاء على دستور سنة 2011، وخرجت ببلاغ وُصف بالنادر تدعو من خلاله المغاربة إلى التصويت بنعم للدستور الذي جاء في خضم ما سمي بالربيع العربي، كما أن الزاوية بصمت على مواقف سابقة، خاصة في موضوع الاعتداء على القرآن الكريم، أو في الدعوة إلى دعم حكم الملك محمد السادس عند وصوله إلى سدة الحكم سنة 1999.
وأما الإشعاع الخارجي للزاوية البودشيشية، فتجلى أساساً في اتساع رقعة مريدي الشيخ حمزة خصوصاً، والذين يأتون إلى لقائه في مقره الزاوية بمداغ، من كل حدب وصوب، ومن مختلف الجنسيات في العالم، وحتى من لدن عدد من المشاهير، كما أتى إلى تحيته قبل أسابيع السفير الأميركي وزوجته.