وعلى أساس نتائجها

27 نوفمبر 2016
+ الخط -
لم يكد المغاربة يرفعون أيديهم عن قلوبهم، اطمئناناً لمرور الورش الانتخابي للسابع من أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري "على خير وبخير"، وما تلاه من تعيين سريع لرئيس الحكومة، حتى استفاقوا على مسلسل رديء الإنتاج والإخراج، أبطاله أحزاب سياسية تحاول فرض تأويلات مغايرة لما رسمته صناديق الاقتراع.
وعلى عكس ما كانت عليه ساحة التنافس والتنابز، قبل الحملة الانتخابية وفي أثنائها، بين جبهة حزبية يقودها إخوان عبد الإله بن كيران ورفاق محمد نبيل بن عبد الله، مدعومين من حزب الاستقلال الذي انتظر الفرصة للالتحاق بهذا الصف من جهة، وحزب الأصالة والمعاصرة مدعوماً بالأحرار والدستوريين والاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية في الجهة المقابلة، فإنّ الجديد هو تواري القيادة المفترضة للجناح الثاني، والتي يمثلها حزب الأصالة والمعاصرة، لإفساح المجال للنسخة الجديدة من "الأحرار" بقيادة رجل "الأعمال" عزيز أخنوش الذي راج اسمه كثيراً رئيساً للحكومة الثانية بعد دستور 2011، لولا أنّ المسجلين في لوائح الانتخابات كان لهم رأي آخر، حينما اختاروا التجديد لبن كيران وحلفائه.
كان كل شيء يبدو ميسّراً لبنكيران لتشكيل حكومة أكثر انسجاما من الأولى والثانية، لكن الذي حصل هو أن زعيم "الأحرار" ووزير الفلاحة والصيد البحري في حكومة بنكيران وما قبلها، ربح أكثر مما أعلنت عنه وزارة الداخلية، بعدما جاء لمفاوضة بنكيران، وفي جعبته مقاعد برلمانية أصلية ومقاعد ملحقة من الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي، فيما تفرّغت قيادة "الأصالة والمعاصرة" للتأسيس الفلسفي "للمصالحة".
وباعتبار الفصل 47 من الدستور الجديد، لا يمكن أن تؤول مهمة تشكيل الحكومة إلا إلى شخص بنكيران أو أحد إخوانه، وبعد الالتفاف المتجّدد لهياكل "العدالة والتنمية" حول شخص بنكيران، و إصرار الأخير على المشي رفقة حزب الاستقلال، فإنّ تشكيل الحكومة وصل إلى الباب المسدود، بعدما اشترط عزيز أخنوش استبعاد الاستقلاليين شرطاً للعودة إلى الحكومة وتأمين الأغلبية من باقي مقاعده الملحقة.
الآن، و بعد أن قال أخنوش كلمته وأغلق الأبواب، استنفرت كلّ الأقلام الإعلامية والأكاديمية وفيالق المثقفين العضويين لإيجاد ثغرة دستورية يعود منها زعيم "الأحرار" إلى رئاسة الحكومة، أي بالمختصر المفيد، تحاول التنظير للانقلاب على المنهجية الديمقراطية الذي جدّد التأكيد عليها ملك البلاد مباشرة من العاصمة السنغالية دكار في خطاب المسيرة الأخير.
ويلاحظ، في بعض الفتاوى الدستورية التي يرى فيها أصحابها، أنّ الملك يمكنه اللجوء إلى الفصل 42 باعتباره "ضامن دوام الدولة، والحكم بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي"، ما يجعل فشل بنكيران في تشكيل حكومته، يمنح الضوء الأخضر للملك بتعيين من يراه مناسبا.
والحقيقة أنّ هذه القراءة لا تعدّ تجزيئية فقط للنص الدستوري، لكنها، تتعامل مع الدستور كأنّه ورقة تعامل يباح لحاملها التصرّف بكل الطرق، في حين أنّ الدستور، بما هو عقد اجتماعي، يرتّب التزامات على كلّ الفاعلين داخل المجتمع، وفي مقدّمتها المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية.
كثر الحديث عن الفصل 47 من الدستور، لكن أغلب القراءات، تتوّقف عند تعيين الملك "رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب"، في حين أنّ إضافة عبارة "وعلى أساس نتائجها"، أي الانتخابات، تستلزم أن يكون تعيين رئيس الحكومة خاضع لقراءة وحيدة لنتائج الانتخابات، وإذا فشل الرئيس المعيّن، فإنّ المنطق يقضي البحث عن نتيجة جديدة لانتخابات جديدة وليس قراءة أخرى لنفس الانتخابات.
من المتفق عليه في أوساط الفقه الدستوري أنّ الإجراءات السياسية إنّما تستمد شرعيتها من النص الدستوري، وفي حال عدم وضوحه يمكن اللجوء إلى العرف الدستوري الثابت والمتكرّر لكي يبنى على الشيء مقتضاه، ولذا، وفي غياب العرف الدستوري المطابق في هذا المجال، لا يمكن التسليم بأنّ العرف الدستوري يمكن أن يلجأ إليه مباشرة، في حالة غموض نص أو نقصانه، بل من الأولى استكمال نص دستوري، أو شرحه، عن طريق إخوانه من الفصول الدستورية للوثيقة نفسها أولاً، لأنّ إلزام المتعاقدين من داخل العقد أولى من إلزامهم من خارج العقد.
وفي هذا الصدد، وإن كان من دخل للفصل 42 من الدستور، فإنّ الملك مطالب حالياً، حسب منطوق النص بـ "صيانة الاختيار الديمقراطي"، وليس التدخل كـ "حكم بين المؤسسات"، لأنّ الأمر لا يتعلّق بمؤسسات ولكن بالأحزاب السياسية التي وصفها الفصل السابع من دستور 2011 بأنّها "تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين"، والمقصود بهذه الإرادة لا يقتصر فقط على البرامج والقناعات، بل يجب أن يمتد إلى التعبير عن إرادة الناخبين دعماً ورفضاً، وهو ما لا تريده الأحزاب التي يفاوض باسمها عزيز أخنوش، من خلال سعيها الحثيث إلى إعطاء نتائج مناقضة لما قالته الصناديق الزجاجية، في تكرار لما شهدته الانتخابات الجماعية والجهوية لسنة 2015.
أصبح المغاربة المقاطعون أكثر اقتناعاً، بأنّ المخزن لا يفرّط في شبر من نفوذه بسهولة، في الوقت الذي اقتنع فيه المشاركون بأنّ عصفوراً واحداً لا يصنع الربيع، وأنّ المعركة ليست معركة بن كيران لوحده.
A49D13BF-46C8-47D1-BFB0-75C4A8908F5B
A49D13BF-46C8-47D1-BFB0-75C4A8908F5B
توفيق سلمون (المغرب)
توفيق سلمون (المغرب)