28 ديسمبر 2021
وعد فلسطين في ذكرى وعد بلفور الاستعماري
إذا كانت بعض سرديات الحركة الصهيونية ومزاعمها قد ذهبت إلى أن تعتبر بريطانيا كانت "العائق الأساس" أمام تحقيق مشروع "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين، فما رأي أصحاب تلك السرديات في مواقف الحكومة البريطانية اليوم، وهي تصر على الاحتفاء بمئوية الوعد المشؤوم الذي قدم فلسطين على طبق من ذهب النيات الاستعمارية، وهي تخطط للاحتفاظ بفلسطين بقعة تابعة تقوم السلطة التي ستسيطر عليها بدور وظيفي لحماية المصالح الاستعمارية المقيمة في المنطقة، من قبيل التحكّم في قناة السويس أو العابرة في اتجاه الهند والمستعمرات البريطانية.
هكذا نشأت الحاجة الاستعمارية إلى وجود كيان وظيفي تستثمره الإدارة البريطانية في الاحتفاظ بمستعمراتها ومصالحها الحيوية فيها. وهكذا وعلى القاعدة الاستعمارية القديمة نفسها، تستمر بريطانيا، في الوقت الراهن كذلك، في التشبث بمنطق النزوع الاستعماري الذي يرفض الاعتراف بجريمة الوعد المشؤوم الذي مهّد لقيام إسرائيل، على أنقاض أرض الشعب الفلسطيني ووطنه، تحت عناوين ومزاعم توراتية لم تُثبت اللقى الآثارية والأبحاث الأركيولوجية صحة أيٍّ من فرضياتها ووجودها في فلسطين. ولهذا، يجري الانحياز لثوابت الأهداف الاستعمارية في تبرير وجود إسرائيل كيانا وظيفيا وُجد لخدمة تلك الأهداف أولا، وللتخلص من مشكلة يهود أوروبا ثانيا، واستثمارهم في تنغيص حياة شعوب المنطقة، والهيمنة على ثرواتها واستتباع أنظمتها وتوظيفها في خدمة أهداف القوى الاستعمارية.
وهذا الفخر الذي تبديه رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، اليوم، بعد مائة عام على
صدور ذاك الوعد الذي أنشئت بموجبه إسرائيل، هو فخر المستعمر الذي لا يرى في كل ما فعلته إسرائيل في وطن الفلسطينيين وفي المنطقة، وما قامت به من مجازر يندى لها جبين البشرية المتحضرة، هذا الفخر مدعاة لفخر المستعمر بأفعال ربيبه التي فاقت أفعال معلمه. وها هي ماي، وهي تصف شعورها بالفخر إزاء ما أفضى إليه وعد بلفور من قيام إسرائيل بكل أفعالها الجرمية وارتكاباتها العنصرية والاحتلالية والاستيطانية واقتلاع قسم من الشعب الفلسطيني من أرض وطنه التاريخي، مدعاة لفخر يستحق الاحتفال بذكراه المئوية.
وقد سعت الحركة الصهيونيّة، وإزاء إقامة اليهود في فلسطين، مرّة على اعتبارها "وطنا قوميّا لليهود"، ومرّة أو مرّات؛ على اعتبار فلسطين أرضا ووطنا لـ "أمّة يهوديّة"، فمنذ ما قبل صدور وعد بلفور، ونص المذكّرة التي قدّمها وايزمان إلى سير سايكس (18/7/1917) تؤكّد على "الواجبات" التي تذكّر بمخططات ومشاريع الاستعمار الغربي؛ والتي صيغت على غرارها تلك المذكّرة من قبيل: يجب الاعتراف رسميّا بإسكان اليهود في فلسطين كأمّة يهوديّة. يجب أن يمنح يهود فلسطين كل تسهيل للحصول على الجنسيّة وشراء الأرض. يجب أن تشكّل شركة يهوديّة لاستعمار فلسطين تكون مهمّتها: تغذيّة الاستعمار اليهودي بكلّ وسيلة ممكنة، وتشجيع الهجرة وتنظيمها، والنهوض بفلسطين زراعيّا وثقافيّا وصناعيّا وتجاريّا، وتسهيل حيازة أراضي الحكومة، وحق بناء الطّرق والسكك الحديديّة والموانئ. يجب أن يمنح يهود البلدان الأخرى كامل الحق في الهجرة إلى فلسطين. ويجب إبداء الرأي عند تعيين حاكم وهيئة موظّفين لإدارة فلسطين.
أمّا المشروع الصهيوني للوعد (18/8/1917) فهو يمثّل العيّنة أو النموذج الذي أكّدت عليه كل مشاريع الوعود التي فصلت بين "الوعد الأوّل" حتى صدور الوعد الرسمي أو النص النهائي لوعد آرثر بلفور، وزيرا لخارجية بريطانيا في 2 نوفمبر/تشرين الأول 1917: تقبل حكومة صاحب الجلالة المبدأ القائل بوجوب إعادة قيام فلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي. وستبذل حكومة صاحب الجلالة أفضل جهودها لتحقيق هذه الغاية، وسوف تناقش الوسائل والطرق الضروريّة مع المنظمة الصّهيونيّة.
أمّا مشروع ملنر (أغسطس/آب 1917) ومشروع بلفور للتاريخ، فهما الأقرب في صياغتهما إلى مشروع الصياغة الصهيونية الواردة أعلاه "تقبل حكومة صاحب الجلالة المبدأ القائل بوجوب إقرار أيّة فرصة لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، (إعادة قيام فلسطين كما في مشروع بلفور ما قبل الوعد)، وسوف تبذل أقصى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، ولسوف تكون مستعدّة للنظر في أيّة مقترحات بشأن هذا الموضوع، والتي قد ترغب المنظّمة الصهيونيّة في عرضها عليها. ويعد مشروع ملنر- آمري (4/10/1917) الأقرب إلى النص النهائي للوعد: "تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للجنس اليهودي (للشعب اليهودي كما في النص النّهائي)".
في المقابل، وفي وقت مبكر كان هناك من عارض الوعد أو مشاريع الوعود التي قدّمت للحركة الصهيونيّة، لا بل ذهب بعيدا في رفض اعتبار اليهود أمّة، وبالتالي رفض تحويل فلسطين إلى "وطن قومي" لتلك "الأمّة" المزعومة أو المختلقة. وهذا ما عبّر عنه وزير شؤون الهند (اليهودي الوحيد في مجلس الوزراء البريطاني مونتاغو) في رسالة إلى لورد سيسيل (14/9/1917)، ما يفنّد مزاعم الصهيونيّة إزاء فلسطين، وما يقوّض وعود تحويلها إلى دولة يهوديّة ورفض تكوين "أمّة جديدة" في فلسطين، من هنا تأكيده على المبادئ: لا توجد أمّة يهوديّة رغم اعتناق كثيرين بدرجات متفاوتة الدّيانة نفسها. إذا قيل لليهود إنّ فلسطين هي وطنهم القومي، فإنّ كلّ دولة أخرى سوف تتّجه فورا إلى التّخلّص من مواطنيها اليهود، وبذلك سوف نجد في فلسطين عددا ضخما من السكّان يطردون أهلها الحاليّين، ويأخذون أحسن ما في البلد، ولسوف يحضر هؤلاء من كل أجزاء الكرة الأرضيّة يتحدّثون مختلف اللّغات، ولا يستطيعون التّفاهم مع بعضهم إلاّ عن طريق المترجم. لا أعترف بأن فلسطين اليوم مرتبطة باليهود، أو أنّها مكان ملائم كي يعيشوا فيه. الوصايا العشر قد أعطيت لليهود في سيناء. حقّا إن فلسطين تلعب دورا كبيرا في التاريخ اليهودي، لكن الأمر كذلك أيضا بالنسبة للتاريخ الإسلامي الحديث، وقد أصبحت فلسطين بعد عهد اليهود؛ تلعب دورا أكبر من أيّ دولة أخرى في التاريخ المسيحي، قد يكون المعبد اليهودي موجودا في فلسطين، لكن موعظة الجبل وصلب المسيح قد حدثا هناك أيضا.
وكما كان الأمر قبل مائة عام، هناك بين البريطانيين من يرفض الانسياق خلف السرديات
الاستعمارية التي شجعت على إنشاء "الوطن القومي اليهودي" على أنقاض وطن الشعب الفلسطيني، وهنالك اليوم من يطالب بإقامة الدولة الفلسطينية، وهي بمعنى من المعاني "الشق الآخر من دولة وعد بلفور"، على قاعدة القبول به وضرورة تطويره، كما كان ينبغي أن تذهب المسألة يومها لاقتسام الوطن الفلسطيني إلى دولتين. الأمر الذي قاد إلى صدور قرار التقسيم الذي لم ينفذ حتى اليوم. وبقي الأمر على ذاك الحال حتى حرب يونيو/حزيران 1967، واحتلال البقية الباقية من فلسطين، فأصبح الشعار الموازي للتسوية الراهنة يقوم على قاعدة "حل الدولتين" من منظور آخر مختلف، فالدولة "البلفورية" قائمة، أما الدولة الفلسطينية فلم تجد بعد من يستطيع تجسيدها على الأرض، على الرغم من قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وفق "أوسلو". وفي موازاتها، قام الاستيطان بحملاته وغزواته الكبرى التي تتواصل، وتعمل معاولها التهويدية في أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس.
وقد خاطب أحد أعضاء الوفد الشعبي البريطاني الذي جاء لزيارة فلسطين أخيرا رئيسة وزراء بلاده قائلا: الأولى أن نعمل من أجل حرية الشعوب، لا الاحتفال بمئوية ذكرى "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، فبريطانيا اليوم لم تنس وعدها ووعيدها، وهي تريد أن تحتفي به بفخر المستعمر العريق. وفي المقابل، لم ينس الفلسطينيون وطنهم المسلوب، وحتى لو مات الكبار جميعا، فالصغار الذين تربوا على وعي هويتهم الوطنية، وإدراكها ومعرفتها، لن ينسوا فلسطينهم أبدا.
وإذا كان هناك من يعتقد، مثلما يشير وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، إلى ضرورة إيجاد حل واقعي عادل ومتفق عليه، لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بما ينسجم مع خلاصات قرار الأمم المتحدة رقم 1515؛ فإن قضية اللاجئين إحدى قضايا الصراع وجوهره، ويجب حلها في إطار وطن الشعب الفلسطيني ودولته، لا في أطر أخرى يجري فيها استبعاد اللاجئين من وطنهم، وإقصاء تطلعاتهم في أن يعيشوا فوق ترابه، وفي ممتلكاتهم التي أبعدوا عنها، لا في منافٍ قريبة أو بعيدة، فلا شيء يعوض الإنسان عن أرضٍ هي ملك آبائه وأجداده.
لذا فإن وعد فلسطين، ينبغي أن يظل وعد الحرية الأقدس، على الضد من "وعد إسرائيل" الذي ما كان ولن يكون يوما سوى وعد "العبودية المختارة" الذي انحازت إليه دول الاستعمار الغربي، لتؤيد الاحتلال وعنصريته وفاشيته، ولتبني على أطلال خرافات توراتية لم توجد في فلسطين، دولة استعمار استيطاني لا تختلف كثيرا عن مشابهة دولهم الكولونيالية صاحبة الارتكابات العظمى في الإجرام والمسلكيات الفاشية.
هكذا نشأت الحاجة الاستعمارية إلى وجود كيان وظيفي تستثمره الإدارة البريطانية في الاحتفاظ بمستعمراتها ومصالحها الحيوية فيها. وهكذا وعلى القاعدة الاستعمارية القديمة نفسها، تستمر بريطانيا، في الوقت الراهن كذلك، في التشبث بمنطق النزوع الاستعماري الذي يرفض الاعتراف بجريمة الوعد المشؤوم الذي مهّد لقيام إسرائيل، على أنقاض أرض الشعب الفلسطيني ووطنه، تحت عناوين ومزاعم توراتية لم تُثبت اللقى الآثارية والأبحاث الأركيولوجية صحة أيٍّ من فرضياتها ووجودها في فلسطين. ولهذا، يجري الانحياز لثوابت الأهداف الاستعمارية في تبرير وجود إسرائيل كيانا وظيفيا وُجد لخدمة تلك الأهداف أولا، وللتخلص من مشكلة يهود أوروبا ثانيا، واستثمارهم في تنغيص حياة شعوب المنطقة، والهيمنة على ثرواتها واستتباع أنظمتها وتوظيفها في خدمة أهداف القوى الاستعمارية.
وهذا الفخر الذي تبديه رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، اليوم، بعد مائة عام على
وقد سعت الحركة الصهيونيّة، وإزاء إقامة اليهود في فلسطين، مرّة على اعتبارها "وطنا قوميّا لليهود"، ومرّة أو مرّات؛ على اعتبار فلسطين أرضا ووطنا لـ "أمّة يهوديّة"، فمنذ ما قبل صدور وعد بلفور، ونص المذكّرة التي قدّمها وايزمان إلى سير سايكس (18/7/1917) تؤكّد على "الواجبات" التي تذكّر بمخططات ومشاريع الاستعمار الغربي؛ والتي صيغت على غرارها تلك المذكّرة من قبيل: يجب الاعتراف رسميّا بإسكان اليهود في فلسطين كأمّة يهوديّة. يجب أن يمنح يهود فلسطين كل تسهيل للحصول على الجنسيّة وشراء الأرض. يجب أن تشكّل شركة يهوديّة لاستعمار فلسطين تكون مهمّتها: تغذيّة الاستعمار اليهودي بكلّ وسيلة ممكنة، وتشجيع الهجرة وتنظيمها، والنهوض بفلسطين زراعيّا وثقافيّا وصناعيّا وتجاريّا، وتسهيل حيازة أراضي الحكومة، وحق بناء الطّرق والسكك الحديديّة والموانئ. يجب أن يمنح يهود البلدان الأخرى كامل الحق في الهجرة إلى فلسطين. ويجب إبداء الرأي عند تعيين حاكم وهيئة موظّفين لإدارة فلسطين.
أمّا المشروع الصهيوني للوعد (18/8/1917) فهو يمثّل العيّنة أو النموذج الذي أكّدت عليه كل مشاريع الوعود التي فصلت بين "الوعد الأوّل" حتى صدور الوعد الرسمي أو النص النهائي لوعد آرثر بلفور، وزيرا لخارجية بريطانيا في 2 نوفمبر/تشرين الأول 1917: تقبل حكومة صاحب الجلالة المبدأ القائل بوجوب إعادة قيام فلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي. وستبذل حكومة صاحب الجلالة أفضل جهودها لتحقيق هذه الغاية، وسوف تناقش الوسائل والطرق الضروريّة مع المنظمة الصّهيونيّة.
أمّا مشروع ملنر (أغسطس/آب 1917) ومشروع بلفور للتاريخ، فهما الأقرب في صياغتهما إلى مشروع الصياغة الصهيونية الواردة أعلاه "تقبل حكومة صاحب الجلالة المبدأ القائل بوجوب إقرار أيّة فرصة لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، (إعادة قيام فلسطين كما في مشروع بلفور ما قبل الوعد)، وسوف تبذل أقصى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، ولسوف تكون مستعدّة للنظر في أيّة مقترحات بشأن هذا الموضوع، والتي قد ترغب المنظّمة الصهيونيّة في عرضها عليها. ويعد مشروع ملنر- آمري (4/10/1917) الأقرب إلى النص النهائي للوعد: "تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للجنس اليهودي (للشعب اليهودي كما في النص النّهائي)".
في المقابل، وفي وقت مبكر كان هناك من عارض الوعد أو مشاريع الوعود التي قدّمت للحركة الصهيونيّة، لا بل ذهب بعيدا في رفض اعتبار اليهود أمّة، وبالتالي رفض تحويل فلسطين إلى "وطن قومي" لتلك "الأمّة" المزعومة أو المختلقة. وهذا ما عبّر عنه وزير شؤون الهند (اليهودي الوحيد في مجلس الوزراء البريطاني مونتاغو) في رسالة إلى لورد سيسيل (14/9/1917)، ما يفنّد مزاعم الصهيونيّة إزاء فلسطين، وما يقوّض وعود تحويلها إلى دولة يهوديّة ورفض تكوين "أمّة جديدة" في فلسطين، من هنا تأكيده على المبادئ: لا توجد أمّة يهوديّة رغم اعتناق كثيرين بدرجات متفاوتة الدّيانة نفسها. إذا قيل لليهود إنّ فلسطين هي وطنهم القومي، فإنّ كلّ دولة أخرى سوف تتّجه فورا إلى التّخلّص من مواطنيها اليهود، وبذلك سوف نجد في فلسطين عددا ضخما من السكّان يطردون أهلها الحاليّين، ويأخذون أحسن ما في البلد، ولسوف يحضر هؤلاء من كل أجزاء الكرة الأرضيّة يتحدّثون مختلف اللّغات، ولا يستطيعون التّفاهم مع بعضهم إلاّ عن طريق المترجم. لا أعترف بأن فلسطين اليوم مرتبطة باليهود، أو أنّها مكان ملائم كي يعيشوا فيه. الوصايا العشر قد أعطيت لليهود في سيناء. حقّا إن فلسطين تلعب دورا كبيرا في التاريخ اليهودي، لكن الأمر كذلك أيضا بالنسبة للتاريخ الإسلامي الحديث، وقد أصبحت فلسطين بعد عهد اليهود؛ تلعب دورا أكبر من أيّ دولة أخرى في التاريخ المسيحي، قد يكون المعبد اليهودي موجودا في فلسطين، لكن موعظة الجبل وصلب المسيح قد حدثا هناك أيضا.
وكما كان الأمر قبل مائة عام، هناك بين البريطانيين من يرفض الانسياق خلف السرديات
وقد خاطب أحد أعضاء الوفد الشعبي البريطاني الذي جاء لزيارة فلسطين أخيرا رئيسة وزراء بلاده قائلا: الأولى أن نعمل من أجل حرية الشعوب، لا الاحتفال بمئوية ذكرى "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، فبريطانيا اليوم لم تنس وعدها ووعيدها، وهي تريد أن تحتفي به بفخر المستعمر العريق. وفي المقابل، لم ينس الفلسطينيون وطنهم المسلوب، وحتى لو مات الكبار جميعا، فالصغار الذين تربوا على وعي هويتهم الوطنية، وإدراكها ومعرفتها، لن ينسوا فلسطينهم أبدا.
وإذا كان هناك من يعتقد، مثلما يشير وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، إلى ضرورة إيجاد حل واقعي عادل ومتفق عليه، لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بما ينسجم مع خلاصات قرار الأمم المتحدة رقم 1515؛ فإن قضية اللاجئين إحدى قضايا الصراع وجوهره، ويجب حلها في إطار وطن الشعب الفلسطيني ودولته، لا في أطر أخرى يجري فيها استبعاد اللاجئين من وطنهم، وإقصاء تطلعاتهم في أن يعيشوا فوق ترابه، وفي ممتلكاتهم التي أبعدوا عنها، لا في منافٍ قريبة أو بعيدة، فلا شيء يعوض الإنسان عن أرضٍ هي ملك آبائه وأجداده.
لذا فإن وعد فلسطين، ينبغي أن يظل وعد الحرية الأقدس، على الضد من "وعد إسرائيل" الذي ما كان ولن يكون يوما سوى وعد "العبودية المختارة" الذي انحازت إليه دول الاستعمار الغربي، لتؤيد الاحتلال وعنصريته وفاشيته، ولتبني على أطلال خرافات توراتية لم توجد في فلسطين، دولة استعمار استيطاني لا تختلف كثيرا عن مشابهة دولهم الكولونيالية صاحبة الارتكابات العظمى في الإجرام والمسلكيات الفاشية.