وسائط النقل: آليات مقاومة يومية في بيروت ونيروبي وأورابا

22 يونيو 2020
(محطة للنقل العام في نيروبي)
+ الخط -

يعيش الناس اليوم في حركة مستمرة، ويتنقل أفراد المجتمع كلّ يوم حول المناطق الحضرية متعدّدة المراكز باستخدام وسائط النقل المختلفة. هذا يعني أن كفاءة وجودة منطقة حضرية يتمّ تحديدها من خلال قدرتها على توفير مجموعة متنوّعة من طرق النقل المناسبة لاختيار وجهة، مع توفير طريقة سريعة وموثوقة للوصول إلى تلك الوجهة، لكن ذلك الأمر مرتبط بتخطيط المدينة ووجودها في قلب صراعات داخلية، أو انقسامها، أو حتى ماضيها الاستعماري، وتوزيع الطبقات فيها.

من جهة أخرى، يعتبر النقل غير الرسمي الذي يلجأ إليه سكان المدن فرصة مقاومة للتحديات الاجتماعية السياسية والبيئية، وفي اللقاء الافتراضي الذي تنظّمه جمعية "حقوق الركاب" في لبنان، تجري مناقشة تجارب ثلاث مدن في ديناميكيات وآليات نظام النقل غير الرسمي، وهي بيروت في لبنان؛ ونيروبي في كينيا؛ وأورابا في كولومبيا.

ينعقد اللقاء عند الرابعة من مساء، 25 من الشهر الجاري، بمشاركة الباحثات كريستين ماضي، رئيسة قسم العمارة بـ"جامعة سيدة اللويزة"، والتي تقدّم مداخلة بعنوان "التنقل الجماعي اليومي في ظلّ عدم الاستقرار"، وجاكلين كلوب المدير المشارك لمركز الأرض للتنمية الحضرية المستدامة في "جامعة كولومبيا"، وموضوع مشاركتها هو تجربة نيروبي، أما الباحثة ماريزا تورو لوبيز من "جامعة كو لوفين" فعنوان مداخلتها "أنظمة النقل غير الرسمية في منطقة أورابا في كولومبيا من خلال عدسة أشكال المقاومة اليومية".

تعدّ المحاضرة الافتراضية ضمن نشاطات جمعية "حقوق الركاب" التي يقول شادي فرج، أحد مؤسسيها، لـ "العربي الجديد"، إنها قامت بمشروع لرسم خريطة الحافلات في لبنان، لكي ترشد الناس إلى إمكانية استخدامها، ولفت الأنظار إلى وجود نظام نقل عام غير مستغل كما ينبغي، وقد نظّمت الجمعية عدّة محاضرات حول التخطيط والنقل المشترك الجماعي وكيف يربط كلّ مناطق لبنان ببعضها، فهناك نوع من "الوصمة" التي تلحق بالنقل العام واستخدامه وتحاول الجمعية تبديدها.

بالنسبة إلى كريستين ماضي، تشمل اهتماماتها البحثية الأماكن العامة وحقوق الملكية، والتجديد الحضري الذي تقوده الثقافة، والاستخدامات الحضرية المؤقتة، وتخطيط البنية التحتية. يركّز عملها البحثي كذلك على تخطيط الأماكن العامة في حالات ما بعد الصراع، خاصة في ما يتعلّق بتخفيف الانقسامات الاجتماعية، وتقع مسألة النقل والتنقلات في صميم هذا الموضوع.

لطالما قدمت ماضي قراءات تاريخية نقدية للتخطيط العمراني لبيروت ما بعد الحرب، حيث جرت إعادة إدخال فكرة المكان العام في المساحات الموجودة، وهي مساحات استهلاك وبعضها مؤقت، وفتحت الطرق المسدودة كأول علامة على عودة المواطن إلى المكان العام، ورممت أماكن كانت موجودة قبل الحرب وأغلقت أماكن كانت موجودة.

أما الباحثة الكولومبية ماريزا تورو لوبيز فتقرأ علاقة النمو الاقتصادي والاجتماعي والمكاني السريع الذي حدث في العقود الأخيرة في كولومبيا والتنقل الحضري والنقل، وتسعى إلى تطوير نموذج مستدام وقابل للتطبيق لدمج النقل واستخدام الأراضي من خلال تطوير موجّه نحو العبور بحيث يمكن للأراضي أن تكون قادرة على هيكلة مساحاتها العامة والخاصة.

تتناول لوييز تاريخ تأثير البنية التحتية على التوسّع الحضري الأفقي، في محاولة لفهم منطق المناهج التاريخية والهيكلية وربطها مع الخصائص الاجتماعية والثقافية للمنطقة. بالإضافة إلى ذلك، وتستكشف المحاضرة سلسلة من استراتيجيات التصميم لاختبار دور الوسائط المتعدّدة، بافتراض أهمية عمليات النقل في مناطق الضواحي كأداة فعالة للتطورات الحضرية المستدامة.

ولتحقيق ذلك تدرس مدينة أورابا لأنها مدينة متوسطة في كولومبيا حيث يجب أن تتعامل المقترحات المتعلّقة بالنقل فيها مع الظروف الاجتماعية والثقافية والبيئية والجغرافية المختلفة.

بدورها، تتناول الأكاديمية جاكلين كلوب مدينة نيروبي عاصمة كينيا، وتتحدّث عن ضرورة تغيّر النظرة العالمية للمدن كحاويات للمشكلات، بينما هي في الواقع مسرعات التنمية، وهذا مهمّ لأفريقيا، حيث كان التركيز على التنمية على الرغم من معدلات التحضّر العالية مرتفعاً في المقام الأول في الريف.

في دراسة أجرتها كلوب سابقاً حول منطقة نيروبي الحضرية، كتبت أنها تولّد ما لا يقل عن 50 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي لكينيا. في حين أن لديها عددًا كبيرًا جدًا من الشباب العاطلين عن العمل وفقرًا كبيرًا، فإن المقاطعات الريفية في كينيا غالبًا ما تكون الأكثر فقراً. ومع نمو المدن الأفريقية، سيكون التحدي هو توفير الخدمات الكافية والوصول العادل لفرصها. حالياً، توجد فجوات كبيرة بين الخدمات والبنية التحتية اللازمة والحالية، وإحدى نتائج هذه الفجوة هي أزمة الإسكان الميسور التكلفة، ما ينتج الأحياء الفقيرة التي تكون غالباً بالقرب من المجتمعات والضواحي المسورة باهظة الثمن.

وتتطرّق الباحثة إلى أن الوصول إلى مشكلة خدمات النقل العابر التي تتجاوز إبصال الناس من وإلى المساحات التي تربطهم بالعمل عبر خلق ثقافة مدنية أكثر شمولاً اجتماعياً، وهذا أمر يحتاج إلى دعم أو تعزيز أو إنشاء من قبل المهندسين المعماريين والفنانين والمخططين الأفارقة مع المواطنين والحكومة.

مثل العديد من البلدان الأخرى في أفريقيا، ينمو رصيد الإسكان الحضري في نيروبي. ولكن، مثل العديد من المدن في جميع أنحاء العالم أيضاً، فإن الكثير من هذه المساكن مخصّصة للطبقات المتوسطة والعليا ولا ينمو الإسكان بالسرعة الكافية، بحسب المحاضرة.

وتلفت كلوب إلى أنه وبمشاركة الصين والاتحاد الأوروبي وبنك التنمية الأفريقي، يتدفق الاستثمار إلى البنية التحتية الحضرية وخاصة بناء الطرق في جميع أنحاء القارة. ولكن هل تساعد هذه الاستثمارات على توفير الوصول إلى أنظمة النقل الآمنة والميسورة التكلفة والمتاحة للجميع والمستدامة؟ هل يفعلون كلّ هذا مع مراعاة احتياجات الضعفاء على النحو الذي يطمح إليه هدف التنمية المستدامة الجديد؟

في كثير من الأحيان ، تشيّد مدن أفريقيا يبنية تحتية عالية الكربون وغير آمنة للأقلية مع السيارات، وليس الغالبية التي تحتاج أو تريد النقل الجماعي الممتاز وخيارات صحية وبأسعار معقولة مثل ركوب الدراجات والمشي.

غالبًا ما يكون الشعار الخاص بالمدن الأفريقية هو أن سوء التخطيط يشكل عقبة أمام إطلاق وعد التحضر. وبحسب كلوب، يعود الكثير من المشكلة إلى تأثر التخطيط بالفترة الاستعمارية، فلا بد من إعادة ابتكار التخطيط لتلبية الاحتياجات الخاصة للمواطنين الأفارقة. وكثيراً ما كان هؤلاء المواطنون ولا يزالون ضحايا التخطيط بدلاً من المستفيدين.

من عام 1948 كان لدى نيروبي خطة استراتيجية لنمو مدينة متروبوليتان ممتازة بحلول عام 1973، وهذه لم يتمّ اعتمادها أو تنفيذها بشكل صحيح على الإطلاق، وتعكس خطة مترو نيروبي 2030 الأخيرة الاستخدام المكثّف للاستشاريين الأجانب في التخطيط، وتعكس رؤية حداثية عالية تبرّر مشاريع البنية التحتية الكبيرة وتستبعد الاهتمام بأولويات المواطن.

دلالات
المساهمون