وزير الخارجية الفرنسي لمسؤولين لبنانيين: لم نرَ أي إصلاح

24 يوليو 2020
لودريان خلال لقائه ميشال عون بالأمس (الأناضول)
+ الخط -
كلامٌ كثيرٌ تردَّدَ عشية وصول وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان إلى بيروت، يوم الأربعاء، في زيارة أعِدَّت ليومَيْن، حول خطةٍ شاملة سيُعلن عنها الرئيس إيمانويل ماكرون لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته الاقتصادية الراهنة، قبل أن يتبيّنَ أنّ "الزائرَ الفرنسي" رفع الصوت عاليًا بوجه المسؤولين اللبنانيين الذين حدّثوه كثيراً عن مشروع مكافحة الفساد وخريطة الحكومة الإصلاحية، لكنّه لم يلمس أي خطوة جدية في "إطار الإنجازات التي يجاهر بها الجانب اللبناني"، بحسب مصدر.
مشهدُ الزيارة لخّصه وزير العمل اللبناني السابق سجعان قزي، الذي كان حاضراً في اللقاء الذي عقده البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ووزير الخارجية الفرنسي، في مقرّ البطريركية – بكركي يوم الخميس، وقال لـ"العربي الجديد": "السؤال الجوهري الذي لم يسأله لودريان أو يقله حرفياً كي لا يُتَّهم بالتدخل بالشؤون اللبنانية بشكل مباشر، هو هل إنّ المنظومة السياسية الحاكمة تستطيع أو تريد أو تدرك كيفية إجراء الإصلاحات حتى يبدأ مسار الحلّ من خلالها، أم أنه يجب تغيير الطبقة بأكملها للوصول إلى المخرج المنتظر؟".
 
 
وأشار قزي إلى أنّ "وزير الخارجية الفرنسي لم يأتِ الى لبنان ومعه حل للأزمة اللبنانية، بل نصائح من شأنها أن تؤدي إلى تنفيذ الحلّ الذي هو دولي وعربي، ولكنه يتطلب موقفاً لبنانياً يخرج البلاد من حالة الانهيار، وأسئلة طرحها على المسؤولين اللبنانيين، إذ توجه إليهم صراحة بالقول: ماذا تفعلون بلبنان وأنفسكم والقدرة على الإنقاذ موجودة؟"، مشدداً على أن "لبنان يجب أن لا يسقط والمطلوب القيام بالإصلاحات حتى تساعد فرنسا والجهات المانحة لبنان".
 
لودريان: المجتمع الدولي والدول الأعضاء في (سيدر) غير مستعدّين لإعطاء لبنان دولاراً واحداً قبل القيام بالإصلاحات
 
ولفت وزير العمل السابق إلى أنّ الزيارة التي أجراها الوزير الفرنسي إلى بكركي "كانت ناجحة، وشمل الحديث كيفية إنقاذ لبنان اقتصادياً ومالياً، وأكد لودريان في هذا الإطار أن مؤتمر سيدر (عقد في إبريل/ نيسان 2018 في باريس لدعم اقتصاد لبنان) لا يزال قائماً، وأن الـ11 مليار دولار المرصودة للبنان قابلة لأن تقدَّم له، بيد أن المجتمع الدولي والدول الأعضاء في (سيدر) غير مستعدّين لإعطاء لبنان دولاراً واحداً قبل القيام بالإصلاحات".
وقال وزير الخارجية الفرنسي، بحسب قزي، "نسمع الكثير من المواقف والتصريحات عن الإصلاح تصدر على لسان مسؤولين لبنانيين والحكومة اللبنانية، لكننا لا نرى إصلاحات، وأمرٌ مؤسفٌ أن ينتقل لبنان من دولة مزدهرة إلى دولة منهارة، في الوقت الذي يملك قدرات الإنقاذ الذاتية من خلال إعادة تموضع سياسي يجعل منه دولة لا تدخل في الصراعات ولا تنحاز إلى محاور، لدرء الأخطار الاقتصادية والسياسية والعسكرية عن الداخل اللبناني، تبعاً لإرادة وطنية نزيهة، ثم مكافحة الفساد انطلاقاً من الإصلاحات التي يبحثها لبنان مع صندوق النقد الدولي".
واعتبر لودريان أنّ "فرنسا تؤيد طرح البطريرك الراعي، وترى في الحياد أمرا ملازما لوجود لبنان، الذي منذ تأسيسه كان بمثابة حلقة وصل بين الدول الشرق أوسطية والشرق والغرب، ولا يجب أن يكون دولة محورية تدخل في الصراعات الخارجية"، وفق ما نقل قزي من أجواء لقاء الراعي ووزير الخارجية الفرنسي.
وتطغى مسألة الحياد على عظات البطريرك الراعي ولقاءاته السياسية المحلية والدولية، وهو الذي تحدث عبر "إذاعة الفاتيكان"، قبل أيام، في رسالة تسبق زيارته إلى روما الإيطالية، عن هيمنة "حزب الله" على الحكومة والسياسة اللبنانية بسبب دخوله في حروب وتحالفات عربية ودولية لبنان لا يريدها بالأساس، وقال إنّ هذه المسألة يجب شرحها داخلياً مع الجهات اللبنانية والشعب اللبناني ومع سفراء الدول والكرسي الرسولي لتصل أصداؤها الى الأمم المتحدة. وأثار كلام الراعي موجة ردود، منها مؤيد وقسم معارض لها، وخصوصاً من مناصري "حزب الله"، الذين اعتبروا في الحياد "خيانة وطنية" طالما هناك عدو اسمه إسرائيل، في ظلّ صمت الحزب الذي لم يعلق رسمياً وبشكل علني على مسألة الحياد. ومن المتوقع أن يثير الموضوع الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، في إطلالة قريبة له قد تسبق إطلالته في 14 أغسطس/ آب المقبل في الذكرى السنوية لانتصار لبنان في حرب تموز 2006 على العدو الإسرائيلي، ليتحدث عن الحصار الدولي الذي يتعرّض له، ويعلق على الحكم الذي ستنطق به غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان في قضة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والمتهم فيها 4 مسؤولين في "حزب الله"، في 7 أغسطس/ آب المقبل.
 
 
من جهته، يقول ناصر ياسين، مدير الأبحاث في "معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية" في الجامعة الأميركية في بيروت، لـ"العربي الجديد"، إن "زيارة وزير الخارجية الفرنسي لم تحمل أي جديد، بل تكرار لما نسمعه من جانب المجتمع الدولي منذ تاريخ انعقاد مؤتمر (سيدر) قبل سنتين وحتى اليوم، ولكن مع تشدد أكبر بأن لا مساعدات قبل إجراء إصلاحات جدية وحقيقية باتت ملحة جداً، باعتبار أن البلد ينهار تدريجياً، وهناك تذكير متواصل بأن الإصلاحات باتت من المسلمات ويجب أن تحقق قبل منح الدعم المالي المطلوب".
وأضاف ياسين أن "لودريان لم يأتِ لينقذ لبنان، بل ليمدّه بخشبة الخلاص كي لا تغرق جميع المؤسسات، وخصوصاً الصحية والتربوية التي خصّتها فرنسا بالمساعدات، تبعاً لذلك فإنّ ثلاثة ملفات أساسية ستكون عنوان توجه المجتمع الدولي والهيئات المانحة في السنين المقبلة لدعم لبنان، المدارس، والصحة، والأمن".
وأشار ياسين إلى أن "الحكومة اللبنانية تتصرّف وتتباهى ببعض الإنجازات الشكلية والتقنية لقضايا شائكة هي تحتاج إلى قرار سياسي جدّي وليس فقط تغييرا في الشكل، وإنشاء لجان، وعقد اجتماعات ونقاشات، وما شابه ذلك من خطوات لا يمكن وصفها إلّا بـأنها (حركة بلا بركة)، وعلى سبيل المثال، القضايا التي انتفض اللبنانيون لأجلها ويدعو صندوق النقد الدولي والجهات المانحة الى البت بها، مثل قطاع الكهرباء الذي يستمرّ في استنزاف خزينة الدولة ورفع الدين (يفوق 80 مليار دولار، ثلثه نتيجة الهدر في قطاع الكهرباء)، لكن طريقة التعاطي مع الملف لا تزال هي نفسها قائمة على مبدأ المحاصصة، وكأن شيئاً لم يحصل. والأمر ذاته على صعيد القضاء في ظل غياب الإصلاح، علماً أن القضاء المستقلّ والعادل هو أساس محاربة الفساد ومن شأنه أن يضع كافة الملفات على السكة الصحيحة، وهو من الإصلاحات المطلوبة أيضاً. هذه العناوين وغيرها تعدّ من أساسيات انتفاضة لبنان وشروط الهيئات المانحة وصندوق النقد الدولي، لكن مكانك راوح، وللأسف لا أرى ضوءاً في النفق المظلم".
واقتصرت المساعدات الفرنسية التي حملها لودريان إلى لبنان على الصعيدين الإنساني والتربوي، وأعلن يوم الجمعة في اختتام زيارته أنّ فرنسا ستقدّم 15 مليون يورو للقطاع التعليمي في لبنان، وأنها لن تسمح بانهيار هذا القطاع، ولا سيما المدارس الفرنكوفونية، و"لن تترك الشباب اللبناني يواجه الأزمة وحده".
دلالات