شدد وزير الحوكمة ومقاومة الفساد السابق كمال العيادي، على أن الوزارة أحالت أكثر من 500 ملف لهيئة مكافحة الفساد.
واكد العيادي في حوار مع "العربي الجديد" قبل ساعات من ترك منصبه وإعلان تشكيل الحكومة التونسية الجديدة أن الوزارة لم تتعرض لضغوط من أي جهة لثنيها عن فتح ملفات الفساد مشيرا إلى عدم صحة اتهامه بالاستفادة من منصبه.
ـ تشير العديد من التقارير الدولية إلى أن ظاهرة الفساد في تونس تتفاقم بشكل كبير، وتضرب تقريبا كل القطاعات، فبماذا تفسر هذه الظاهرة في وجود وزارة وهيئة دستورية تعملان على مقاومتها؟
لا أميل في الحقيقة إلى إصدار الأحكام بشكل مطلق، وبالنسبة لما يقال عن فشلنا في مكافحة الفساد، فلابد من الانطلاق من أمور علمية لنعرف هل فشلنا فعلا أم نحن بصدد إحراز تقدم قد يكون بطيئاً لكنه ثابت ومثمر على المديين القصير والطويل.
فمنظمة الشفافية الدولية أكدت أن تونس تقدمت على مستوى شمال أفريقيا والقارة الأفريقية ككل، وهناك تقارير دولية أخرى تستند إلى مؤشرات مهمة ذات علاقة بمكافحة الفساد، توضح أننا نسير على الطريق الصحيح.
ومنظمة الأمم المتحدة صنفت تونس في تقريرها الصادر في يوليو/تموز الماضي في المرتبة 72 عالمياً والمرتبة الثانية أفريقيا والسابعة عربياً، وذلك في تقييم تطور الإدارة الإلكترونية على مستوى 193 دولة، اعتمادا على مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية، لتحرز بلادنا تقدماً بثلاثة مراكز العام الماضي مقارنة بترتيب عام 2014.
وهذا التقدم في ترتيب منظمات دولية، له تأثير مباشر على استقطاب المستثمرين وعلى العجلة الاقتصادية للبلاد.
ـ لكن هذه المعطيات لا يمكن أن تحجب أن الاقتصاد التونسي تضرر كثيراً من الفساد، حيث يعتبر رئيس هيئة مقاومة الفساد شوقي الطبيب أن الاقتصاد المحلي يخسر سنويا 4 نقاط من سلم التنمية جراء هذا الأمر؟
الأضرار التي يتكبدها الاقتصاد التونسي متعددة الأسباب، ومن بينها الفساد، لكن الوزارة ومنذ إحداثها في يناير/كانون الثاني 2016، قامت بمجهودات كبيرة في إطار خطة حكومية كاملة لإعلان الحرب على الفساد، وقد جهزنا لهذه الحرب، ترسانة من القوانين، لأنه من المهم أن تكافح الفساد من خلال دولة القانون والمؤسسات.
ثم لابد من التأكيد على أن مكافحة الفساد لا تتم بين عشية وضحاها، ولا يمكن أن تنجح إذا استعملناها كوسيلة للدعاية الإعلامية أو السياسية أو للتشفي، نحن نتعامل مع ظاهرة تنامت واستفحلت خلال السنوات الأخيرة، ومن واجبنا أن نوفر الأرضية وخاصة القانونية لكي يصبح الفساد استثناءً لا قاعدة.
اقــرأ أيضاً
ـ أنت كنت وزير مكافحة الفساد، ولكن هناك تقارير لمنظمة "أنا يقظ" المدنية المحلية تشير إلى اتهامك بالتورط في الاستفادة المالية من منصبك؟
هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة، والحديث عن ضلوعي في ملفات فساد فيما يتعلق بالدورات التدريبية التي تقوم بها المؤسسات لصالح موظفيها المعروفة بـ"التكوين المستمر"، أو الاستفادة من منصبي الحكومي، قضية وهمية، وسبق أن قدمنا للرأي العام كل ما يتعلق بالرد على هذه الاتهامات.
ـ لكن الاتهامات التي تطاولك تشير أيضاً إلى ضعف في أداء وزارتك، ربما يكون بفعل ضغوطات لعدم فتح ملفات الفاسدين، الذين يجدون حماية سياسية أو برلمانية، فما هو ردكم على هذه الاتهامات؟
أولاً مصالح الوزارة لم تقع يوما تحت تأثير أي طرف، والدليل أن الهيئات الرقابية ألغت صفقات عمومية بمئات المليارات، ولم تتدخل أي جهة سياسية أو حزبية للتأثير أو لتغيير أي قرار.
وقد عملنا بكل مسؤولية واستقلالية، ولم نتعرض إلى أي نوع من الضغوط، وكل الملفات والقضايا التي تمت مباشرتها صلب مصالح الوزارة، أخذت طريقها إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وللعلم فقد أحلنا أكثر من 500 ملف تعلقت به شبهات فساد إلي الهيئة التي أحالت بدورها عدداً منها إلى القضاء ليقول فيها كلمته.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن مواطن الفساد متعددة، وفيها ما يقع خارج دائرة تدخل الوزراء، سواء في القطاع الخاص أو في حقل العمل السياسي، وهذا يقتضي تدخلا من السادة القضاة المخولين أكثر من غيرهم لتعقب الفساد ومعاقبة الفاسدين،
أما في ما يتعلق بضعف أداء وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، فأقول إنه رغم قصر عمرها فقد عملنا بنسق متسارع على جملة من المشاريع، التي نعتبرها دعامة وركيزة صلبة لتغيير واقع الإدارة ومكافحة الفساد، وذلك بطرق علمية وموضوعية بالتعاون والتشارك مع جهات دولية.
الوزارة انتهت وفي ظرف قياسي من إعداد خطة وطنية في ثلاثة مجالات، هي الوظيفة العمومية، والحوكمة، ومكافحة الفساد ، وتم عرضها على اللجان المختصة في البرلمان، ونظمنا في شأنها ورشات عمل وتشاور مع مختلف مكونات المجتمع المدني ، كما أعددنا حزمة ثقيلة من الأوامر الحكومية ومن مشاريع القوانين لتمهيد الأرضية لتطبيق خطة الوزارة على غرار قانون الإقصاء من المشاركة في الصفقات العمومية بالنسبة للمؤسسات التي تعلقت بها شبهات فساد من أي نوع.
ـ وهل تعتبر أن ترسانة القوانين التي تحدثت عنها كانت كافية للوقاية من الفساد والرشوة والتهرب الضريبي وجميع أوجه الفساد التي استفحلت في كل القطاعات؟
القوانين مهمة جداً لوضع سياسات وقائية مستقبلية، لأن النتائج لن تكون وقتية، والوزارة حرصت في كل النصوص القانونية على الاستفادة من تجارب مقارنة أثبتت نجاحها عبر وضع إجراءات غير مسبوقة على غرار ما قامت به البلدان الرائدة في هذا المجال مثل بريطانيا.
بفضل مثل هذه الإجراءات ستنتقل تونس من تجريم الفساد ومعاقبة الفاسدين إلى تجريم انعدام الوقاية منه، من خلال وضع الآليات الضرورية التي شرعت الوزارة في اعتمادها وتطبيقها، وهذا الإجراء قد جرى العمل به ولأول مرة في القانون البريطاني منذ أكتوبر/تشرين الأول 2010، وكان له وقع هام على محاربة الفساد، مما دفع المؤسسات للبحث عن آليات للوقاية منه.
فقانون حماية المبلغين عن الفساد، سيُمكن من تطوير المعركة ضد الفساد، من معركة الحكومة والدولة بأجهزتها القضائية والأمنية والسياسية ضد الفاسدين، إلى معركة مجتمع بكل قواه الحية ومكوناته ومواطنيه.
وانطلقنا من تجارب البلدان التي نجحت في هذا الأمر إلى حد كبير، عبر تحويل المعركة ضد الفساد على غرار بريطانيا من قضية هيئات وطنية ووزارة وقضاء إلى معركة المجتمع بأسره.
- أثار أعضاء البرلمان في مناسبات عدة ملف الفساد في قطاع الطاقة، لكن وزارتكم لم تتخذ أي إجراء أو تفتح تحقيقا في هذا الشأن؟
نحن كنا حريصون كل الحرص على الشفافية في مختلف القطاعات الحكومية، وقد عملنا بصفة معمقة على قطاع الطاقة، وتم إعداد بوابة إلكترونية تحوي كل المعلومات الخاصة بقطاع المحروقات والطاقة، تتضمن معلومات عن الاستثمار في القطاع المحروقات لقطع الطريق أمام كل أشكال الفساد في هذا المجال.
ـ بماذا تفسر النسق المتسارع للكشف عن ملفات فساد من الحجم الثقيل تزامنا مع مفاوضات تشكيل حكومة جديدة؟
في الحقيقة ليس لدي أي تفسير لما أطلقت عليه النسق المتسارع في الكشف عن الفساد وربطه بتشكيل الحكومة، ولكن ما يستنتج مما كشف عنه من شبهات فساد هو رسالة مضمونة الوصول لكل من يعتقد أن التجاوزات والإخلالات والفساد ستمر في غفلة عن الجميع وأن أصحابها في منأى عن التتبع والعقاب.
وأعتقد أن الشعب التونسي واع ويقظ إلى درجة تخوله أن يكون الشريك الأول في مكافحة الفساد، وهو المنوط الأساسي بالدفاع عن ثروات بلاده ولهذا السبب قمنا بإعداد قانون لحماية المبلغين عن الفساد.
ـ ألا تعتقد أن كثرة الهياكل المكلفة بالفساد هي التي عقّدت المهمة وحالت دون الكشف عن الفاسدين ومعاقبتهم؟
مهام الوزارة واضحة، ومهام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أيضا واضحة، وبالتالي نحن نتكامل ولا نتعارض.
ـ هل من الضروري الإبقاء على وزارة مقاومة الفساد في تركيبة الحكومة الجديدة؟
مقاومة الفساد كانت في صدارة الأولويات التي اشتغلت عليها الأحزاب والمنظمات، وأعتقد أن من المهم المواصلة في النهج الذي سلكته الحكومة الحالية، لأن مقاومة الفساد من أولى الشروط، التي يجب توفيرها للخروج ببلادنا من هذا الوضع الاقتصادي الدقيق.
ـ ألا تعتقد أن أداء موظفي المؤسسات الحكومية يسمح بوجود الفساد، وأنه كان من المفترض أن تعمل الوزارة على هذا الجانب؟
الوزارة قامت بحملة للتصدي للغيابات غير المبررة وإعلاء قيمة العمل في المؤسسات الحكومية، نظراً للدور الاقتصادي الهام المناط بعهدة الإدارة كواجهة لكل الخدمات التي تؤمنها الدولة.
وقد أدت الحملة إلى خفض المعدل العام لنسبة التأخير المسجلة لتصل إلى 13.7 في بعض الهياكل العمومية، علما أن هذه النسبة تعد جيدة بالنظر إلى الوضع السابق، حيث كانت المؤسسات الحكومية تتصدر أعلى نسبة تأخير تراوحت ما بين 18% و36%، تليها الإدارات المحلية بنسبة 15%.
ـ هل تتفق مع رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، حول أن مقاومة الفساد في تونس أصعب من مقاومة الإرهاب؟
الإرهاب عدو واضح رغم مخاطره المتعددة اقتصادياً واجتماعياً وأمنيا، ومقاومته تحتاج أساساً إلى العتاد، لكن الفساد متشعب وأوجهه متعددة، وهو ما يجعل مهمة مقاومته أصعب، ومن هذا المنطلق أكدت أن المهمة ليست حكومية فقط، بل تتطلب انخراط كافة هياكل المجتمع دون استثناء.
لا أميل في الحقيقة إلى إصدار الأحكام بشكل مطلق، وبالنسبة لما يقال عن فشلنا في مكافحة الفساد، فلابد من الانطلاق من أمور علمية لنعرف هل فشلنا فعلا أم نحن بصدد إحراز تقدم قد يكون بطيئاً لكنه ثابت ومثمر على المديين القصير والطويل.
فمنظمة الشفافية الدولية أكدت أن تونس تقدمت على مستوى شمال أفريقيا والقارة الأفريقية ككل، وهناك تقارير دولية أخرى تستند إلى مؤشرات مهمة ذات علاقة بمكافحة الفساد، توضح أننا نسير على الطريق الصحيح.
ومنظمة الأمم المتحدة صنفت تونس في تقريرها الصادر في يوليو/تموز الماضي في المرتبة 72 عالمياً والمرتبة الثانية أفريقيا والسابعة عربياً، وذلك في تقييم تطور الإدارة الإلكترونية على مستوى 193 دولة، اعتمادا على مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية، لتحرز بلادنا تقدماً بثلاثة مراكز العام الماضي مقارنة بترتيب عام 2014.
وهذا التقدم في ترتيب منظمات دولية، له تأثير مباشر على استقطاب المستثمرين وعلى العجلة الاقتصادية للبلاد.
ـ لكن هذه المعطيات لا يمكن أن تحجب أن الاقتصاد التونسي تضرر كثيراً من الفساد، حيث يعتبر رئيس هيئة مقاومة الفساد شوقي الطبيب أن الاقتصاد المحلي يخسر سنويا 4 نقاط من سلم التنمية جراء هذا الأمر؟
الأضرار التي يتكبدها الاقتصاد التونسي متعددة الأسباب، ومن بينها الفساد، لكن الوزارة ومنذ إحداثها في يناير/كانون الثاني 2016، قامت بمجهودات كبيرة في إطار خطة حكومية كاملة لإعلان الحرب على الفساد، وقد جهزنا لهذه الحرب، ترسانة من القوانين، لأنه من المهم أن تكافح الفساد من خلال دولة القانون والمؤسسات.
ثم لابد من التأكيد على أن مكافحة الفساد لا تتم بين عشية وضحاها، ولا يمكن أن تنجح إذا استعملناها كوسيلة للدعاية الإعلامية أو السياسية أو للتشفي، نحن نتعامل مع ظاهرة تنامت واستفحلت خلال السنوات الأخيرة، ومن واجبنا أن نوفر الأرضية وخاصة القانونية لكي يصبح الفساد استثناءً لا قاعدة.
هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة، والحديث عن ضلوعي في ملفات فساد فيما يتعلق بالدورات التدريبية التي تقوم بها المؤسسات لصالح موظفيها المعروفة بـ"التكوين المستمر"، أو الاستفادة من منصبي الحكومي، قضية وهمية، وسبق أن قدمنا للرأي العام كل ما يتعلق بالرد على هذه الاتهامات.
ـ لكن الاتهامات التي تطاولك تشير أيضاً إلى ضعف في أداء وزارتك، ربما يكون بفعل ضغوطات لعدم فتح ملفات الفاسدين، الذين يجدون حماية سياسية أو برلمانية، فما هو ردكم على هذه الاتهامات؟
أولاً مصالح الوزارة لم تقع يوما تحت تأثير أي طرف، والدليل أن الهيئات الرقابية ألغت صفقات عمومية بمئات المليارات، ولم تتدخل أي جهة سياسية أو حزبية للتأثير أو لتغيير أي قرار.
وقد عملنا بكل مسؤولية واستقلالية، ولم نتعرض إلى أي نوع من الضغوط، وكل الملفات والقضايا التي تمت مباشرتها صلب مصالح الوزارة، أخذت طريقها إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وللعلم فقد أحلنا أكثر من 500 ملف تعلقت به شبهات فساد إلي الهيئة التي أحالت بدورها عدداً منها إلى القضاء ليقول فيها كلمته.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن مواطن الفساد متعددة، وفيها ما يقع خارج دائرة تدخل الوزراء، سواء في القطاع الخاص أو في حقل العمل السياسي، وهذا يقتضي تدخلا من السادة القضاة المخولين أكثر من غيرهم لتعقب الفساد ومعاقبة الفاسدين،
أما في ما يتعلق بضعف أداء وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، فأقول إنه رغم قصر عمرها فقد عملنا بنسق متسارع على جملة من المشاريع، التي نعتبرها دعامة وركيزة صلبة لتغيير واقع الإدارة ومكافحة الفساد، وذلك بطرق علمية وموضوعية بالتعاون والتشارك مع جهات دولية.
الوزارة انتهت وفي ظرف قياسي من إعداد خطة وطنية في ثلاثة مجالات، هي الوظيفة العمومية، والحوكمة، ومكافحة الفساد ، وتم عرضها على اللجان المختصة في البرلمان، ونظمنا في شأنها ورشات عمل وتشاور مع مختلف مكونات المجتمع المدني ، كما أعددنا حزمة ثقيلة من الأوامر الحكومية ومن مشاريع القوانين لتمهيد الأرضية لتطبيق خطة الوزارة على غرار قانون الإقصاء من المشاركة في الصفقات العمومية بالنسبة للمؤسسات التي تعلقت بها شبهات فساد من أي نوع.
ـ وهل تعتبر أن ترسانة القوانين التي تحدثت عنها كانت كافية للوقاية من الفساد والرشوة والتهرب الضريبي وجميع أوجه الفساد التي استفحلت في كل القطاعات؟
القوانين مهمة جداً لوضع سياسات وقائية مستقبلية، لأن النتائج لن تكون وقتية، والوزارة حرصت في كل النصوص القانونية على الاستفادة من تجارب مقارنة أثبتت نجاحها عبر وضع إجراءات غير مسبوقة على غرار ما قامت به البلدان الرائدة في هذا المجال مثل بريطانيا.
بفضل مثل هذه الإجراءات ستنتقل تونس من تجريم الفساد ومعاقبة الفاسدين إلى تجريم انعدام الوقاية منه، من خلال وضع الآليات الضرورية التي شرعت الوزارة في اعتمادها وتطبيقها، وهذا الإجراء قد جرى العمل به ولأول مرة في القانون البريطاني منذ أكتوبر/تشرين الأول 2010، وكان له وقع هام على محاربة الفساد، مما دفع المؤسسات للبحث عن آليات للوقاية منه.
فقانون حماية المبلغين عن الفساد، سيُمكن من تطوير المعركة ضد الفساد، من معركة الحكومة والدولة بأجهزتها القضائية والأمنية والسياسية ضد الفاسدين، إلى معركة مجتمع بكل قواه الحية ومكوناته ومواطنيه.
وانطلقنا من تجارب البلدان التي نجحت في هذا الأمر إلى حد كبير، عبر تحويل المعركة ضد الفساد على غرار بريطانيا من قضية هيئات وطنية ووزارة وقضاء إلى معركة المجتمع بأسره.
- أثار أعضاء البرلمان في مناسبات عدة ملف الفساد في قطاع الطاقة، لكن وزارتكم لم تتخذ أي إجراء أو تفتح تحقيقا في هذا الشأن؟
نحن كنا حريصون كل الحرص على الشفافية في مختلف القطاعات الحكومية، وقد عملنا بصفة معمقة على قطاع الطاقة، وتم إعداد بوابة إلكترونية تحوي كل المعلومات الخاصة بقطاع المحروقات والطاقة، تتضمن معلومات عن الاستثمار في القطاع المحروقات لقطع الطريق أمام كل أشكال الفساد في هذا المجال.
ـ بماذا تفسر النسق المتسارع للكشف عن ملفات فساد من الحجم الثقيل تزامنا مع مفاوضات تشكيل حكومة جديدة؟
في الحقيقة ليس لدي أي تفسير لما أطلقت عليه النسق المتسارع في الكشف عن الفساد وربطه بتشكيل الحكومة، ولكن ما يستنتج مما كشف عنه من شبهات فساد هو رسالة مضمونة الوصول لكل من يعتقد أن التجاوزات والإخلالات والفساد ستمر في غفلة عن الجميع وأن أصحابها في منأى عن التتبع والعقاب.
وأعتقد أن الشعب التونسي واع ويقظ إلى درجة تخوله أن يكون الشريك الأول في مكافحة الفساد، وهو المنوط الأساسي بالدفاع عن ثروات بلاده ولهذا السبب قمنا بإعداد قانون لحماية المبلغين عن الفساد.
ـ ألا تعتقد أن كثرة الهياكل المكلفة بالفساد هي التي عقّدت المهمة وحالت دون الكشف عن الفاسدين ومعاقبتهم؟
مهام الوزارة واضحة، ومهام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أيضا واضحة، وبالتالي نحن نتكامل ولا نتعارض.
ـ هل من الضروري الإبقاء على وزارة مقاومة الفساد في تركيبة الحكومة الجديدة؟
مقاومة الفساد كانت في صدارة الأولويات التي اشتغلت عليها الأحزاب والمنظمات، وأعتقد أن من المهم المواصلة في النهج الذي سلكته الحكومة الحالية، لأن مقاومة الفساد من أولى الشروط، التي يجب توفيرها للخروج ببلادنا من هذا الوضع الاقتصادي الدقيق.
ـ ألا تعتقد أن أداء موظفي المؤسسات الحكومية يسمح بوجود الفساد، وأنه كان من المفترض أن تعمل الوزارة على هذا الجانب؟
الوزارة قامت بحملة للتصدي للغيابات غير المبررة وإعلاء قيمة العمل في المؤسسات الحكومية، نظراً للدور الاقتصادي الهام المناط بعهدة الإدارة كواجهة لكل الخدمات التي تؤمنها الدولة.
وقد أدت الحملة إلى خفض المعدل العام لنسبة التأخير المسجلة لتصل إلى 13.7 في بعض الهياكل العمومية، علما أن هذه النسبة تعد جيدة بالنظر إلى الوضع السابق، حيث كانت المؤسسات الحكومية تتصدر أعلى نسبة تأخير تراوحت ما بين 18% و36%، تليها الإدارات المحلية بنسبة 15%.
ـ هل تتفق مع رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، حول أن مقاومة الفساد في تونس أصعب من مقاومة الإرهاب؟
الإرهاب عدو واضح رغم مخاطره المتعددة اقتصادياً واجتماعياً وأمنيا، ومقاومته تحتاج أساساً إلى العتاد، لكن الفساد متشعب وأوجهه متعددة، وهو ما يجعل مهمة مقاومته أصعب، ومن هذا المنطلق أكدت أن المهمة ليست حكومية فقط، بل تتطلب انخراط كافة هياكل المجتمع دون استثناء.