وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إحدى أغنى الوزارات في المغرب بميزانية تتجاوز مليارَي درهم. مع ذلك، لا يحظى أئمة المساجد والمؤذنون والمنظفون العاملون في بيوت الله سوى بـ"فتات" من هذه الميزانية الضخمة، ما يدفعهم إلى الاحتجاج على أوضاعهم الاجتماعية المزرية مرة بعد أخرى.
تبلغ ميزانية وزارة الأوقاف لعام 2016 مليارين و896 مليوناً و716 ألف درهم مغربي (نحو 300 مليون دولار أميركي) منها نحو 15 مليون دولار فقط لمساعدة أئمة المساجد والمؤذنين والمنظفين. كذلك خصصت وزارة الأوقاف المغربية مبلغاً في ميزانية هذا العام كمساعدة لـ"مؤسسة محمد السادس" للنهوض بالأعمال الاجتماعية لأئمة المساجد، والمؤذنين، والخطباء، وغيرهم من عمال بيوت الله. وهو مبلغ وصل إلى 9 ملايين و200 ألف دولار تقريباً، ما برح وزير الأوقاف يشيد به في البرلمان مع كلّ سؤال لنائب بشأن أوضاع أئمة المساجد.
بالنسبة إلى الوزارة، فإنّ تخصيص هذه الأموال لتحسين أوضاع أئمة المساجد، وباقي العاملين في بيوت الله، يدخل في سياق "تنمية الخطاب والوعي الديني، وتأهيل الفاعلين في هذا الحقل، والارتقاء بمستوى أماكن العبادة ووسائل تدبيرها، وتحسين أوضاع القائمين عليها. وكذلك تحديث وسائل التدبير، وتأهيل الموارد البشرية".
هذه المبالغ المالية التي تقول الوزارة إنها تهدف إلى تحسين ظروف عيش أئمة المساجد، يؤكد المعنيون أنّ ما يصلهم منها هو نزر يسير فحسب. ويرون أنّ التعويضات المالية التي يتلقونها تبقى دون تطلعاتهم التي يصفونها بالمشروعة والمنطقية.
يتلقى إمام المسجد في المغرب راتباً شهرياً هزيلاً يتراوح ما بين 1100 درهم (113 دولاراً)، و1700 درهم (175 دولاراً). وهو ما يدفع بالكثيرين منهم إلى مزاولة مهن وحرف موازية، من أجل تلبية متطلبات الحياة اليومية المتزايدة، خصوصاً بالنسبة إلى الأئمة الذين يعيلون أسراً وأطفالاً.
اقرأ أيضاً: مغاربة مطرودون من الجزائر
بعد احتجاجات سابقة للمئات من أئمة المساجد خصوصاً عام 2011، حيث كانوا يخرجون جماعات إلى شوارع العاصمة الرباط للمطالبة بتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية، عاد الأئمة منذ ذلك الحين إلى السكون والقبول على مضض بأحوالهم المزرية، باستثناء رفع بعضهم أصواتهم بين الفينة والأخرى للاحتجاج. في هذا الإطار، يقول عضو رابطة مساجد المغرب الحسن أبو أيوب، وهو من الأصوات المناهضة لسياسة وزارة الأوقاف إزاء أئمة المساجد، لـ"العربي الجديد" إن "الوزارة على الرغم من ثرائها، ترفض تحسين أوضاع أئمة المساجد والخطباء والوعّاظ، وتصرّ على منحهم تعويضات لا تسمن ولا تغني من جوع".
يؤكد أنّ "هذه الوزارة الغنية تعمد إلى تفقير الأئمة والخطباء الذين يُعدّون الحلقة الأضعف في القطاع الديني، إذ لا يُؤخذ برأيهم، ولا ينتبه أحد لاحتياجاتهم الاجتماعية ومسؤولياتهم وأعبائهم العائلية. ما يأخذه الإمام كل شهر لا يكفي أحياناً حتى لسداد إيجار البيت الذي يقطن فيه".
بدوره، يقول إمام مسجد في ضواحي الرباط، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد" إنّ الإمام هو آخر من يُلتَفَت إلى متطلباته لدى القائمين على تدبير القطاع الديني في البلاد. يشير إلى أنّ بعض العاملين الدينيين في المساجد "يضطرون إلى مزاولة مهن أخرى كالخياطة وغيرها، ليلبوا أدنى شروط العيش بكرامة".
من جهته، يرى الباحث في الشأن الديني والسياسي محمد الزهراوي أنّ الدولة عملت عام 2014 على خلق آلية جديدة لإنتاج وتوجيه الأئمة والمرشدين، من خلال إصدار قانون إنشاء "مؤسسة محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات". يقول لـ"العربي الجديد" إنّ الهدف الرئيسي من هذه المؤسسة هو تأهيل الأئمة والمرشدين والمرشدات بما يمكّنهم من أداء مهمة تبليغ أحكام الشريعة الإسلامية، وبيان مقاصدها، وإبراز سماحتها ووسطيتها واعتدالها، والمساهمة في الحفاظ على الوحدة الدينية للمجتمع وتماسكه ضمن ثوابت الأمة.
لكنّه يشير إلى أنّ الأوضاع الاجتماعية والمادية المزرية لأئمة المساجد تشكل نقطة ضعف أساسية في الخطة، وحاجزاً قد يمنعهم من تحقيق الأهداف المحددة والمهام الموكلة إليهم، خصوصاً في ظل عدم وجود أي علاقة تعاقدية أو وظيفية تحدد وضعيتهم الإدارية والمالية. ويشدد على أنّ "نجاح المقاربة الدينية التي تعدّ شريحة الأئمة محورها، يبقى مشروطاً بمدى قدرة الوزارة المعنية على إحداث إطار قانوني يضمن حقوق تلك الفئات اجتماعياً ومادياً، ويصون كرامتها، لتكون قادرة على تنفيذ سياسة الدولة الدينية الرامية إلى ضمان الأمن الروحي للمغاربة ووحدتهم المذهبية".
اقرأ أيضاً: الكوارث الطبيعية هاجس المغاربة