وهنا نص المقابلة:
مرت المصارف الخاصة في العراق بمراحل تطور مختلفة. فقد صارت المنظومة المالية موحدة في العالم. وكان على المصارف العراقية اتباع التطورات الحاصلة في هذا الإطار ليتم الاعتراف بالعمل المصرفي العراقي عالمياً، خصوصاً في ما يتعلق بالتعامل مع مصارف المراسلة.
وطاولت التطورات معايير مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، وقواعد بازل، مروراً بمبدأ "اعرف زبونك" وقواعد الحوكمة... لم يكن الأمر سهلا علينا، مع تلاحق الضوابط والقواعد المالية العالمية وتسارعها. خصوصاً أن القواعد هذه أثقلت كاهلنا بالكلفة العالية التي يتطلبها الالتزام بهذه الإجراءات.
من جهة أخرى، عندما نلتحق بالقواعد الجديدة للمنظومة المالية، يقل الاعتماد على الكوادر البشرية لمصلحة العمليات المالية المقننة المرتكزة على التكنولوجيا.
واقع، شكّل تحدياً أمامنا في ما يتعلق بالكوادر والوظائف. ووفق تقديرنا، تحتاج المصارف الخاصة إلى تفعيل منتجات جديدة لتوفير المزيد من فرض التشغيل، وتوسيع أعمالها.
علماً أن القطاع المالي العراقي كان يعتمد في الفترات السابقة على مزاد العملة الذي نسميه "نافذة بيع العملة".
ولكن بعد توقف النافذة، أصبح التحدي كبير أمامنا، خاصة في ما يرتبط بآليات تفعيل الإقراض للقطاعات الاقتصادية من زراعة وصناعة وتكنولوجيا وإسكان.
*ما هو حجم أرباح المصارف الخاصة العراقية؟ وماذا عن توقعات نهاية العام الحالي؟
حتى الشهر السادس من عام 2018 تبين أن كل المصارف العراقية سجلت الخسائر. لذلك مع توقف نافذة بيع العملة، علينا أن نجتهد لتفعيل القطاع عبر منتجات جديدة وتوليد فرص العمل. ووفق المؤشرات الموجودة لدينا في الرابطة، وربطاً بالنتائج المالية ستسجل المصارف الخاصة الخسائر في نتائج عام 2018.
*ماذا عن الموجودات، وحجم الإقراض وكيف يتوزع على القطاعات؟
بلغت الموجودات نحو 167 تريليون دينار، 90 في المائة منها في المصارف الحكومية. أما حجم الائتمان النقدي فهو 37 تريليون دينار، بينها 6 تريليونات دينار قروض متعثرة، وأعتقد أنها قروض كبيرة للمصارف الحكومية. وقيمة الودائع وصلت إلى 69 تريليون دينار نسبة 86 في المائة منها في المصارف الحكومية. وبلغت الكتلة النقدية في التداول 43 تريليون دينار تقريباً.
*ما هو عدد المصارف المتعثرة وهل من مصارف أعلنت الإفلاس؟
سياسة البنك المركزي تقوم على عدم إفلاس المصارف. أما عدد المصارف التي كانت متعثرة فهو ثمانية مصارف، ولكن بعد تصويب وضعها لم يبق سوى مصرفين إلى ثلاثة مصارف تعاني من الأزمات.
*أين أوجه الخلل في القطاع المصرفي الخاص، هل هي تشريعية، تنظيمية أم ذاتية؟
بصراحة، عايشنا التحول في أوروبا الاشتراكية وشفناه. فلنتحدث عن القيادة العليا، إذا كانت الإرادة السياسية ليست موجودة لإجراء تغييرات هيكلية في القطاع المصرفي ستكون النتائج وجود ضعف وثغرات.
الإرادة السياسية في العراق غير موجودة لتحويل القطاع المصرفي العام إلى خاص، لذلك الاعتماد يتم بنسبة 80 إلى 85 في المائة على المصارف الحكومية حيث تتركز الكتلة النقدية.
مثلاً، مع كل احترامي للمصرف العراقي للتجارة، فهو يأخذ غالبية الاعتمادات المستندية الحكومية، في حين أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء تحدد أن كل مصرف خاص عراقي يستطيع الحصول على 30 مليون دولار من الاعتمادات، على أن تنطبق عليه كل متطلبات السلامة. ولكن عملياً قلة من المصارف تستطيع تطبيق هذه المتطلبات.
حقيقة الأمر، أننا نشعر بالإحباط وعدم الاطمئنان، حيث لا يوجد منافسة عادلة بين القطاع المصرفي العام من جهة والخاص من جهة أخرى.
*هل هناك محاولات لجر القطاع المصرفي الخاص ليصبح تحت إدارة السياسيين، أم أن الموضوع عكسي حيث يتم دعم المصارف الحكومية تمسكاً بالأرباح التي تجنيها؟
أعتقد أنه يوجد مصالح ومنظومة فساد لا تتم محاربتها بشكل واضح، وهذه المنظومة أخطر من داعش على العراق. لأن داعش عدو واضح أما الفساد فعدو غير واضح. إذ إن الوزارات التي تأتي تباعاً محسوبة على أحزاب محددة من وزارة المالية وغيرها تمثل الفساد بعينه.
والمطلوب أن تعزز وزارة المالية والمصارف الحكومية اعتمادها على الكفاءات لا على المحسوبية. فالمصارف الخمسة الحكومية تابعة مباشرة لإدارة وزارة المالية.
ونرى في هذه المصارف رئيس مجلس الإدارة هو ذاته المدير العام بما يتنافى مع الحوكمة، وهو ذاته مرتبط بوزير المالية.
*ما هو حجم مساهمة المصارف الخاصة بتمويل الاقتصاد العراقي؟
مساهمتنا كمصارف خاصة في التنمية الاقتصادية في العراق لا تتجاوز 1.5 في المائة، والسبب أنه بعد انتهاء مرحلة داعش التي صادرت 221 فرعاً مصرفياً في المحافظات الأربعة في نينوى والأنبار وديالى وصلاح الدين، واستولت على عشرات مليارات الدنانير، لم تعوض أي جهة خسائرنا. في حين نلحظ أنه خلال الأزمة المالية في 2008، ساعدت السلطات الأميركية المصارف التي تضررت.
وبالتالي القطاع أصيب بفوبيا من الإقراض خوفاً من عدم استرداد أمواله. من جهة أخرى، الثقة كانت عامل مهم مع إقليم كردستان، حين تم وضع اليد على ودائع الجمهور وحجزت لفترة طويلة ما سبب لنا كارثة كبيرة، طبعاً أعاد الإقليم قسماً من الأموال ولكن ليس كلها.
وثالثاً، الضريبة يجب أن تكون موحدة على مستوى العراق وفق الدستور، لكن حكومة كردستان بدأت تتعامل على أنها إقليم مستقل عن المركز، ما خلق مخاوف استثمارية، فأصبح هناك مشكلة فعلية في ضخ الأموال.
وفي ما يتعلق بتمويل التنمية، مثلاً قبل أحداث داعش، كانت المناطق التي شهدت اعتصامات اجتماعية تحتاج إلى 100 إلى 200 مليون دولار لخلق مشاريع صغيرة ومتوسطة.
ولكن بعد احتلال داعش ومن ثم التحرير أصبحت هذه المناطق تحتاج إلى 88 مليار دولار لبناء الإنسان والاقتصاد. تخيلي المأساة في فارق الإنفاق...
لهذه الأسباب المصارف الخاصة لديها مخاوف من الإقراض، وإن اجتمعنا ببعض السياسيين يقولون إن المصارف الخاصة لا تقدم القروض، ولكن أعطنا بيئة آمنة للإقراض لكي نقوم بذلك، لا أن تذهب الأموال من دون تعويض المصارف.
*بالنتيجة، لدينا 221 فرعاً مصرفياً استولى عليها داعش، ومصارف أخرى متعثرة، ما هو عدد الضحايا من المودعين؟
لا يوجد حصر للأعداد ولا لحجم الودائع، ونحتاج هنا إلى نظام يحدد هذه التفاصيل إضافة إلى كل المعلومات عن المودعين وطالبي القروض.
*في ظل واقع كهذا، هل يجب على المواطن العراقي الثقة بالقطاع المصرفي الخاص؟
صاحب الإرادة لتغيير مسار الأزمات هو رأس الهرم، إذا كان هذا الأخير يدعم مصارف على حساب أخرى بالطبع لن يثق المواطن العراقي ولا غير العراقي بالقطاع المصرفي الخاص.
وإذا ذهبنا إلى السوق العراقية للأوراق المالية، نرى أموراً لا تحدث في أي دولة في العالم، حيث السهم يباع بأقل من قيمته الإسمية بـ 75 إلى 85 في المائة، بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية، وهذه مأساة.
من المفروض أن تقوم الحكومة بخطوات للتحول من الهيمنة على القطاع المصرفي الحكومي والتوجه نحو دعم القطاع الخاص والعمل على تحقيق منافسة عادلة ومشروعة. إذا كل الودائع موجودة في المصارف الحكومية كيف للمصارف الخاصة القيام بالإقراض؟
*هل من آليات تعمل عليها المصارف الخاصة لاستعادة ثقة الناس بالقطاع؟
أعتقد أن واحدة من الآليات المهمة التي يجب على المصارف الخاصة اتباعها، هي بدء العمل على مشاريع استراتيجية وخلاقة وهذا جزء من مهمتها. فنجاح المشاريع يستقطب مساهمين ومودعين أكثر ويعزز الثقة بالقطاع، وذلك بالرغم من القيود التشريعية القائمة اليوم التي تحد من عملنا وحراكنا في الاقتصاد، ونطالب بإعادة النظر فيها.
*ستدخل المصارف الخاصة إلى عام 2019 وسط أزمات لم توجد لها حلول، ما هي آفاق عملكم في العام المقبل؟
آفاقنا واضحة، نحن نعمل ونستمر، البلد متطلباته كبيرة جداً والإرادة السياسية أصبحت كالأمر الواقع ولذا سنعمل على الإعمار والتواصل والتدريب وتطوير أدواتنا. القطاع الخاص هو الرائد في بناء البلد، هذه قناعتنا، وإن لم يكن في جيلنا ففي الأجيال المقبلة. ولن نتوقف عن العمل بمشاريع خاصة تضمن استمرارنا.
*من أين ستحصلون على أرباح في عام 2019؟
جزء من العمل الذي سنقوم به سيطاول المشاريع ذات العوائد الجيدة، وأطلب من المصارف البدء بالبناء والإنجاز لتحقيق الأرباح، وإلا فخلال أربع إلى خمس سنوات، إذا استمر الوضع على حاله، سيتقلص عدد المصارف من 70 مصرفاً إلى 20 أو 30 مصرفاً، قد تخرج مصارف من السوق أو تندمج.
لذا، لا خيارات أمامنا سوى الإبداع. ويوجد ثقافة جديدة نحاول تطويرها وهي الاستثمار بالناس ولكي نحقق ديمومتنا يجب أن نبادر للإطلاق مشاريع مجتمعية تعود بالمنافع طويلة المدى على المجتمع من جهة وعلى المصارف من جهة أخرى والرابطة تعمل على هذا الأمر.
إذ نقوم بضخ جزء من الأرباح في مشاريع مفيدة للمواطنين، بيئية وثقافية وغيرها. لقد حققنا الأرباح في السنوات الماضية وضخينا جزء منها في مشاريع مجتمعية. وأخيراً، أؤكد أن الحوكمة أساسية لمعرفة كيفية إدارة السيولة النقدية بطريقة سليمة.
تنويع المنتجات وتحديد مكامن الاستثمار
يرد رئيس رابطة المصارف العراقية الخاصّة وديع الحنظل، على سؤال حول إمكانية زيادة الفوائد على الادخار خلال الفترة المقبلة، لاجتذاب المودعين، بأن "نسبة الفوائد على الإيداع والادخار ترتبط أيضاً بالإقراض، ما دام لا يوجد ائتمان مضمون فلا يمكن رفع فوائد الادخار، فالعملية مترابطة".
ويضيف: "لذلك المصارف تحجم عن الإقراض وسط بيئة عمل غير سليمة وغير صحية. ومن ثم نحتاج إلى تنويع منتجاتنا لجذب الأرباح، ومن ثم نعمل على تعزيز فوائد الادخار".
ويتابع: "توجد نقطة مهمة يجب الحديث عنها، وهي الخبرة المصرفية التي تؤدي دوراً مهماً في تحديد مكامن الاستثمار. مثلاً العراق يحتاج إلى وحدات سكنية، تعزيز الإقراض في هذا المنتج ضروري ومجد في الآن ذاته. أو دعم المنظومات الذكية في التكنولوجيا بحيث تعمل المصارف على تطوير هذا القطاع الذي يحقق أرباحاً مضمونة".
ويقول: "يتحدث البنك الدولي دائماً عن ثلاثة محددات للاستثمارات الناجحة، الموارد البشرية، معرفة المخاطر التشغيلية ومن ثم التدقيق. في بعض المصارف لا تتوافر هذه المبادئ لتحديد المشاريع التي يجب دعمها، لذلك نركز على موضوع التدريب ونلحّ عليه".