لا يملك الناشط الفتحاوي، وحيد شبانة، من حي الطور إلى الشرق من القدس العتيقة، في فلسطين المحتلة، "حقاً" بالإقامة الدائمة في القدس إلى جوار زوجته سماح شبانة وأبنائه، بالرغم من أنّه لم يغادر مدينته إلّا خلال فترات اعتقاله السابقة، لكن وبشكل مفاجئ لم تعترف قوات الاحتلال الإسرائيلي بحقه في البقاء مع عائلته. وحينما اقتحمت منزله فجر الخامس والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي واعتقلته مع زوجته، أصرّت قوات الاحتلال على نفيه إلى بلدة العيزرية المجاورة للطور لكنّها مصنفة وفق الاحتلال كمنطقة من أراضي الضفة الغربية، وحكمت بعدم عودته إلى القدس وبقائه فيها، إلّا بتصريح خاص من سلطات الاحتلال.
وحيد، لم يتمكن منذ أكثر من عقدين من لمّ شمل عائلته. في ذلك الحين، تقدمت زوجته بطلب لمّ شمل زوجها، في المكان الذي كان يعمل فيه، في بيت الشرق (المقر السابق لمنظمة التحرير في القدس والذي بنته عائلة الحسيني واقتحمته قوات الاحتلال عام 2001) كما كان واحداً من مرافقي الزعيم الفلسطيني الراحل فيصل الحسيني، ولم يُستجب لطلبها، كما لم يحصل الناشط على حقّ الإقامة الدائمة. وبدلاً من ذلك كان نصيبه الدائم الاعتقال والملاحقة وإبعاده إلى الضفة الغربية ليعود ثانية إلى جوار عائلته، كي يستكمل أيضاً إجراءات الحصول على الموافقة للمّ شمله مع عائلته، لكنّ تجميد النظر في قانون لمّ الشمل عام 2002 جعل حلم وحيد مستحيلاً.
في القدس أنجب وحيد الأبناء، وفيها كبروا واعتقلوا كما والدهم، لكنّ الاحتلال لم يتوقف عن ملاحقته بل ضاعف من هذه الملاحقة بالاعتقال والإبعاد عن مكان سكنه ليعيش مجدداً في منفى قريب من مكان إقامة عائلته. يروي وحيد لـ"العربي الجديد"، كيف أنّ أفراد القوة المقتحمة من جنود الاحتلال تعاملوا بهمجية معه ومع زوجته التي اعتقلت معه؛ وتعمدوا شتم العائلة وشتم الذات الإلهية، بالرغم من أنّهم عرب يخدمون في جيش الاحتلال، لكنّهم مشهورون بقسوة تعاملهم مع الفلسطينيين.
تقول سماح شبانة، زوجة وحيد التي رافقته في الاحتجاز الأخير قبل نفيه إلى العيزرية: "اقتحمت قوات الاحتلال المنزل عند الساعة الثالثة فجراً في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، وفتشوه، وطلبوا بطاقة هوية وحيد ثم هويتي، وكانت بحوزتهم كاميرا فيديو صوروا من خلالها عملية الاقتحام، وتعرضوا لطفلي الصغير محمد ابن الثالثة عشرة بالشتم وسبّ الذات الإلهية، وبعدها اقتادونا إلى محطات للشرطة مكبلين بالحديد". تتابع: "المحطة الأولى كانت عند مستشفى المطلع، حيث انتظروا سيارة أخرى، ثم اقتادونا إلى مركز تحقيق باب الساهرة وأمضينا هناك قرابة ساعة، ومن بعدها إلى مركز حرس الحدود عوز، على جبل المكبر بالقدس، وهناك بدأت المعاناة؛ إذ جرى تقييدنا وإرغامنا على الجلوس بالعراء وبالبرد القارس ومنعونا من الكلام، وطلبوا منا الانتظار حتى ساعات الفجر الأولى. بعد ذلك نقلونا مرة أخرى إلى مركز تحقيق باب الساهرة، وجرى زجّنا في غرفة حتى الساعة الحادية عشرة قبل أن يعيدوا إليّ بطاقة هويتي من دون تحقيق وقالوا لي: بإمكانك المغادرة".
وحين سألت سماح عن زوجها وحيد أبلغها الاحتلال بأنّه بعد التحقيق معه سوف يقتادونه إلى حاجز الزيتونة العسكري الذي يفصل بلدات القدس في حدّها الجنوبي الشرقي عن مركز مدينة القدس، ثم يبعدونه إلى بلدة العيزرية. تقول سماح: "نعم، أبعد وحيد عن القدس، مدينته التي عاش فيها سنوات عمره، وهو كالسمكة التي أخرجت من نهرها، إن غادرته ماتت، هذا هو الاعتقال الثالث لزوجي، أما التهمة التي وجهت إليه فكانت السكن والإقامة في القدس من دون تصريح، علماً أنّنا قدمنا أكثر من مرة طلبات في هذا الخصوص لكن من دون جدوى، في حين رفضوا طلبي بلمّ شملي مع زوجي ثلاث مرات، وفي المرة الرابعة أبلغنا أنّ الملف أغلق وجرى تجميد النظر فيه إلى أجل غير مسمى".
وحيد شبانة الذي تحدث إلى "العربي الجديد" عبر الهاتف من بلدة العيزرية، لم يكن إبعاده الأخير هو الإجراء الوحيد ضده، ولم يكن الاقتلاع الأول من داخل بيته. يقول: "لقد اعتدنا على هذه الإجراءات من اعتقالات وغيرها، إذ كان مسلسل الاقتحام يتكرر دائماً لبيتي مع اعتقال أبنائي، فقد اعتقلوا ابني البكر عيد، وحكم عليه في البداية سنة ونصف، ثم استأنفوا الحكم وزادوا سنة ونصف سنة إضافية، ثم اعتقلوا ابني الثاني فيصل وهو على اسم فيصل الحسيني رحمه الله، ووضع في الزنازين لمدة 45 يوماً باتهامات تتعلق بالمسجد الأقصى".
ما حدث مع وحيد جرى كذلك لمواطن آخر هو أحمد أبو غزالة الذي اعتقل في ظروف مشابهة وأبعد إلى خارج القدس بذريعة الإقامة غير القانونية ومن دون تصريح من الاحتلال. ومثلما حدث مع شبانة وأبو غزالة، حدث أيضاً مع عائلة منصور أبو غربية من حي الصوانة إذ اعتدت قوات الاحتلال على الزوجين منصور ومنال وعلى أبنائهما الثلاثة.
سأل وحيد محققه خلال استجوابه عن سبب اعتقاله، فكان رده على الفور: "أنت مقيم بشكل غير قانوني ومن دون تصريح". يقول شبانة: "قلت للمحقق إنّني هنا من قبل أن تأتوا" لكنّه لم يسمع من المحقق سوى قوله: "إذاً، قدم طلباً للحصول على تصريح بالتواجد في القدس وسننظر فيه". واليوم، يجد وحيد نفسه وحيداً في قفص المنفى، وكان يفضل السجن على إبعاده عن عائلته وعن قدسه التي هي حياته كلها.
بدوره، يقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، إنّ ما جرى من اعتقالات لهذه الذريعة كان تطوراً مهما في ملاحقة الأزواج الفلسطينيين المقيمين في القدس سواء أكان الزوج مقدسياً وزوجته من الضفة الغربية أم العكس، علماً بأنّ هناك أكثر من 20 ألف مواطن فلسطيني من الضفة الغربية متزوجين من مقدسيات ويقيمون في القدس إما بتصاريح إقامة موقتة أو أنّ لديهم طلبات لمّ شمل مجمدة في وزارة الداخلية الإسرائيلية. يتابع الحموري لـ"العربي الجديد" أنّ ملاحقة هؤلاء مستقبلاً تعني مزيداً من سياسة الطرد الصامت التي تتم بمسميات مختلفة لمحاولة قلب الميزان الديمغرافي في المدينة المقدسة لصالح المستوطنين.