وحشي بن حرب.. ورابعة!

17 ديسمبر 2015
احفظوا لنا حق الذكرى (فرانس برس)
+ الخط -
في ليلة من ليالي إسطنبول، تلك المدينة التي تضج بالحياة والناس من كل لون وعرق واتجاه، كنت بصحبة صديق شاعر انتهى للتو من كتابة مسرحية شعرية، ختامها رسالة من مواطن يهجو بها الحاكم الظالم، ويذكّره أن الشعوب لم تخلق كي تستعبد، في الطريق صادفنا مجموعة من الأشخاص، أحدهم متزعم لتيار ليبرالي، وحديثاً صار مالكاً لإحدى القنوات المناهضة للانقلاب العسكري في مصر، وآخر شيخ فقيه هو من أشد المعارضين للنظام وبصحبة ثلاثة أشخاص لا أعرفهم..


بحكم المعرفة والصداقة بادلناهم التحية وحين بدأنا المصافحة فوجئت أن يدي فى يد واحد كان مؤيداً للانقلاب وأحد المدافعين عنه على شاشات التلفاز، كان فرحاً بدماء الشهداء مؤيدا لقاتلهم، جاء حديثاً إلى إسطنبول معلناً توبته ويدّعي أنه فاق من غيبوبته وأدرك الحقيقة أخيراً!

ما علينا مما ادعى.. الصعقة التي أصابتني أنه ولثوان معدودة حين التقت عيناي بعينيه رأيت مذبحة رابعة بأحداثها وصورها.. وأصابتني قشعريرة في جسدي ولم أدرك كيف أتصرف.. خلعت يدي عنه سريعا سريعا كمن يطهرها من بقايا إثم..
استأذنت وانصرفت وفي ذهني عاصفة من الأسئلة وموجة من ذكريات فضّ رابعة تداهمني بقوة..

يا أهالينا انضموا إلينا
هتاف تكاد لا تخلو منه مسيرة من مسيرات معارضي الانقلاب العسكري في شوارع المحروسة.. هذا الهتاف لا تجد له صدى على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فبمجرد أن يصدر أي فعل أو إشارة ممن كانوا في المعسكر المؤيد للانقلاب ينتقد فيه النظام أو يدعو للوحدة والثورة معا من جديد.. تجد سيلا من الهجوم العاصف ينتقد تلك المجموعة أو هؤلاء الأشخاص..

كأنّ ذنب تأييد الطاغية لا غفران له.. هنا يراودني السؤال .. إذن لمن هذا الهتاف؟!

وحشي وحمزة
تذكرت قصة وحشي بن حرب قاتل حمزة عم النبي عليه الصلاة والسلام، أسردها هنا لعلها تجيب عن بعض مما علق في الذهن من هذا اللقاء العابر، "يروي وحشي قصة إسلامه، فيقول: فلما افتتح رسول الله مكة هربت إلى الطائف، فلما خرج وفد الطائف ليسلموا ضاقت علي الأرض بما رحبت، وقلت بالشام أو اليمن أو بعض البلاد، فولله إني لفي ذلك من همي إذ قال رجل: والله إن يقتل -أي لا يقتل- محمدًا أحدًا يدخل في دينه، فخرجت حتى قدمت المدينة على رسول الله فدخلت عليه في خفة وحذر، ومضيت نحوه حتى صرت فوق رأسه، وقلت أشهد أن لا إله إلا الله، فلما سمع الشهادتين رفع رأسه إلي، فلما عرفني ردَّ بصره عني، وقال: "أوحشيّ أنت" قلت: نعم يا رسول الله، فقال: "اقعد وحدثني كيف قتلت حمزة؟" فقعدت فحدثته خبره، فلما فرغت من حديثى أشاح بوجهه، وقال: "ويحك يا وحشي، غيِّب عني وجهك، فلا أرينك بعد اليوم".

هذا النبي .. وهذا وحشي قاتل عمه
لم يتدخل في أمر الإله.. ولم يصدر صكوك الغفران أو العقاب الأبدي
هو نبي الرحمة .. الخلوق .. الهين اللين ..
لكنه إنسان وكان يحب عمه، ولم يستطع رؤية قاتله أمامه.. فاحتفظ لنفسه بخصوصية الذكرى..

كذلك نحن نحب عبد الرحمن وأسماء وأحمد وعبد الله وياسر وآلافا ممن قضوا إلى الله يشكون إليه ظلم طاغية وخسة حاشيته، ليس في أيدينا قبول توبتهم أو رفضها لكن.. احفظوا لنا حق الذكرى.. ولا ترونا وجوهكم أقلها في منافينا ومنابرنا.

(مصر)
المساهمون