تعدّ السياحة الدينية في العراق أحد أبرز الموارد الاقتصادية في البلاد بعد النفط. إلا أنّها باتت تعتمد، حالياً، على الزوّار الإيرانيين فقط، الذين يقصدون المراقد الدينية في كربلاء والنجف والكاظمية، ويتمتعون بميزات خاصة تمنحها الحكومة العراقية لهم لتسهيل إجراءات دخولهم والنقل والإقامة.
في المقابل، تفتقد البلاد الكثير من الزوّار العرب والمسلمين من أكثر من 56 دولة، الذين توقفوا عن زيارة العتبات الدينية بعد تدهور الوضع الأمني في البلاد.
في هذا السياق، يقول الخبير الأمني السابق، محمود عبد المهيمن، لـ "العربي الجديد" إن "السياحة الدينية في العراق تضرّرت، كثيراً، نتيجة تردي الأوضاع الأمنية في البلاد خلال السنتين الأخيرتين. فالانفلات الأمني والعمليات العسكرية وخسارة الدولة أكثر من ثلث مساحتها بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عليها، انعكس سلباً على السياحة الدينية". يضيف، أن "سيطرة إيران على السياحة الدينية في العراق يعدّ أحد عوامل تراجع هذا القطاع الذي أصبح يعتمد فقط على الزوّار الإيرانيين، الذين يتمتعون بميزات، فضلاً عن حماية المليشيات لهم".
وتعدّ مدن كربلاء والنجف والكاظمية العمود الفقري للسياحة الدينية في البلاد. إلا أنّها تواجه صعوبات كثيرة جراء التدهور الأمني. ويقول المتخصص في السياحة الدينية، مشتاق القرغولي، إن هذه المدن تُعاني بسبب التدهور الأمني، وهيمنة المنظمات المشرفة على الزوّار الإيرانيين". ويكشفُ القرغولي لـ "العربي الجديد" أن "التدهور والانفلات الأمني والحروب المتتالية أدت إلى سيطرة أحزاب ومليشيات مسلحة على قطاع السياحة الدينية في العراق، ما يشكل حجر عثرة في طريق تطويرها بما يتلاءم مع الخطط الموضوعة لتنميتها".
من جهتهم، يشكو أصحاب الفنادق في محافظتي كربلاء والنجف من تراجع أعداد الزوّار. يقول صاحب أحد الفنادق في كربلاء عباس الحيدري، إن "أعداد الزوّار إلى كربلاء والنجف تراجعت كثيراً، خلال السنتين الماضيتين، نتيجة العمليات العسكرية في البلاد، والانفلات الأمني، فضلاً عن هيمنة منظمات إيرانية على السياحة الدينية، مما أدى إلى توزيع الزوّار الإيرانيين على الفنادق وفق مصالحها، وبأسعار زهيدة جداً". ويتابعُ إن "غالبية فنادق كربلاء توقفت عن العمل، بسبب تردّي الوضع الأمني وعدم تعاون السفارات العراقية في مختلف دول العالم لتسهيل دخول الزوّار إلى كربلاء والنجف، عدا عن حاجة السياحة الدينية إلى تطوير".
ويتوافدُ الزوّار إلى العراق جواً عبر مطاري بغداد والنجف، أو برّاً. لكن بعد سيطرة داعش على ثلث مساحة البلاد، بالإضافة إلى الطرقات التي تربط العراق مع دول الجوار، لم يبق سوى المنافذ الحدودية مع إيران، التي يدخل عبرها الزوّار الإيرانيون.
في السياق ذاته، يقول المستشار السابق لهيئة السياحة العراقية، ياسين القريشي، لـ "العربي الجديد"، إن أسباب تراجع السياحة الدينية هي "التدهور الأمني والعمليات العسكرية في عدد من المحافظات، ما دفع المليشيات إلى السيطرة على السياحة الدينية من خلال سماسرة ومسؤولين يعطون الأولوية للزوار الإيرانيين". يتابع إن "كربلاء وحدها تضم نحو ألف فندق، تستقبل الزوّار على مدار الساعة طيلة أيام السنة. لكن نسبة الفنادق العاملة منها، حالياً، لا تتجاوز الـ 30 في المائة".
وتضمّ المحافظات العراقية أكثر من 26 مرقداً بارزاً للأنبياء والصحابة والأولياء والصالحين، أبرزها مرقدا النبي يونس والنبي شيت في الموصل، ومرقد علي بن أبي طالب في النجف، والحسين بن علي في كربلاء، والكاظم وأبي حنيفة والكيلاني في بغداد، وغيرها.
تجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات الماضية، تعرّض السياح لهجمات من خلال عبوات ناسفة وسيارات مفخّخة، أدت إلى مقتل وجرح العشرات منهم. واستهدفت غالبية هذه الانفجارات الزوّار الإيرانيين، الذين يتدفقون إلى العراق خلال موسم عاشوراء.
من جهته، يقول أحد متعهدي نقل الزوّار إلى كربلاء والنجف، مرتضى الحسيني، إن "قوافل الزوّار استهدفت مرات عدة، ما حدّ من تدفّق الزوار من باقي دول العالم". ويعزو تراجع أعداد الزوّار في الآونة الأخيرة إلى ما تشهده البلاد من تدهور أمني وعمليات عسكرية.
ويُشكّل الإيرانيون 88 في المائة من الزوّار، يليهم الباكستانيون والهنود واللبنانيون والأفغان. ويرى الخبير الاقتصادي فتاح السراي أن "العتبات المقدسة تعدّ رافداً مهماً لاقتصاد البلد، وتساهم في زيادة فرص العمل. لكن أعداد الزوّار تراجعت كثيراً خلال السنتين الأخيرتين، بسبب تدهور الأمن، ما انعكس على آلاف العمال وأصحاب المطاعم والفنادق وسائقي سيارات الأجرة وتجار العطور والأقمشة وغيرهم.
اقرأ أيضاً: عراقيات ينبشن نفايات كربلاء بحثاً عن الرزق