وحدها الطماطم تسند أهالي الغوطة الشرقية في مأساتهم

06 نوفمبر 2017
يعاني الرضيعان من سوء تغذية (عامر المحيباني/ فرانس برس)
+ الخط -
على بعد كيلومترات عدّة من قلب العاصمة السوريّة دمشق باتجاه الشرق، يمكن لأيّ كان أن يرى المنازل والبساتين المدمّرة، من محور المتحلق الجنوبي إلى أوتستراد دمشق حمص، أو طريق باب شرق المليحة وطريق المطار، والتي تشكل محيط الغوطة الشرقية، وقد قضمها النظام خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأطبق حصاره على نحو 350 ألف مدني، يعيشون منذ أشهر أسوأ أيام الحصار خلال خمس سنوات، وسط قصف يومي يحصد أرواح الأطفال في مدارسهم.

وعادة ما تستيقظ عائلة أبو عمر، المكوّنة من ستة أشخاص، والمحاصرة في الغوطة الشرقية، على دوي الانفجارات. يخرج الأب الخمسيني، وأكبر أبنائه الذي لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، من المنزل ويبحثان عن أي عمل يمكن أن يؤمن وجبة طعام للعائلة، فيما يذهب الأبناء الآخرون إلى المدارس. في الصباح، يشربون المياه فقط، فقد توقفوا عن تناول الفطور منذ وقت طويل. يقول الوالد أبو عمر لـ "العربي الجديد": "أتعبني الحصار في الغوطة. لا مال ولا طعام ولا دواء. أخرج وابني في صباح كلّ يوم بحثاً عن أي عمل، كنقل أو جمع الحطب والبلاستيك. وفي حال وُفّقنا، قد نعود إلى البيت ومعنا بعض المال الذي لا يكفي لشراء وجبة طعام واحدة لعائلة". يضيف: "يحاول أبنائي، خلال عودتهم من المدرسة، جمع ما يستطيعون من نايلون وبلاستيك وأي شيء قابل للاحتراق، لنطهو. وإن زاد شيء، نخبئه للشتاء الذي بات على الأبواب".

ويلفت أبو عمر إلى أنه "غالباً ما يتناول مع عائلته وجبة واحدة في اليوم، ويفضّل أن تكون من دون خبز، لأن سعره مرتفع كما أنه ليس متوفّراً. والوجبة تتألّف من الأرز أو البرغل أو العدس". و"في هذه الأيام، يعتمد أهل الغوطة في وجباتهم على الطماطم التي تنتج محلياً، ويعد سعرها مقبولاً أو أقل من السلع الأخرى". يضيف: "ليس لدينا غاز للطهي ولا وقود للتدفئة، ولم نر الكهرباء في منزلنا منذ ثلاث سنوات، ولم أعد قادراً على الاشتراك بمولّد الكهرباء". يضيف: "جلّ ما أتمناه ألّا يمرض أحد أبنائي. إذا ما حدث ذلك، سأموت في اليوم الواحد ألف مرّة، خصوصاً إذا ما عجزت عن تأمين الدواء". ويوضح أن مطلبه الوحيد هو "وقف الحصار وفتح ممرات لإدخال المواد الغذائية والطبية، ووقف مسرحية إدخال المساعدات الإنسانية".



خلال الفترة الماضية، صدرت تقارير عدّة تتحدّث عن الواقع المأساوي في الغوطة الشرقية، وقد حصد الحصار على الأقل أرواح أربعة أطفال من جراء سوء التغذية وعدم توفر الأدوية، ومات آخرون من جراء القصف. ويعاني أطفال كثيرون من الألم وينتظرون الموت، كحال الطفلة رهف حوا، والتي لم تتجاوز عامها الثامن بعد، والمصابة بالاختلاج، وتتطلّب حالتها رعاية طبية وأدوية وغذاء غير متوفر في الغوطة. رهف التي تتدهور حالتها بشكل يومي، تصرخ بسبب الألم وقد فقدت القدرة على النطق، ولم يبق لها غير والدتها بعدما فقدت أباها وشقيقتها وجدّتها وخالها.

من جهته، يقول ابن الغوطة، براء أبو يحيى، لـ "العربي الجديد"، إنّ "أهالي الغوطة لا يريدون مساعدات غذائية من الأمم المتحدة، خصوصاً أنّها تُستخدم لتلميع صورة النظام إعلامياً. كما أنّ هذه المساعدات ليس لها تأثير إيجابي على واقع العائلات المتردي". ويُطالب الأهالي بوقف الحصار وفتح المعابر أمام المواد الغذائية والطبية، لتعود الأسعار إلى ما كانت عليه، فتتمكن العائلات من شراء قوت يومها. ويلفت إلى أن "النظام يفرض إتاوات كبيرة على كل كيلوغرام من المواد الغذائية، تزامناً مع عدم إدخال كميات كافية تتناسب وحاجة أهالي الغوطة".

أما علاء الأحمد، وهو إعلامي وابن الغوطة، فيقول لـ "العربي الجديد" إنّ حصار الغوطة بدأ منذ أكثر من أربع سنوات. ويوضح أن الغوطة كانت تعتمد في وقت سابق على بعض الأراضي الزراعية والأنفاق، والتي كانت تربطها بأحياء القابون وبرزة، قبل أن يسيطر النظام عليها قبل نحو 10 أشهر، لينفد مخزونها من المواد الغذائية. يضيف أنّ "الوضع داخل الغوطة سيئ للغاية في ظل غلاء أسعار المواد الغذائية. لذلك، باتت العائلات تلجأ إلى الطماطم والكشك إن توفّر. العائلة الواحدة اليوم تحتاج إلى ألف دولار أميركي شهرياً لتحصل على الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية".

ويلفت إلى أنه "مؤخّراً، دخلت نحو ثمانية آلاف سلة غذائية إلى مناطق محدّدة، من خلال الأمم المتحدة، نتيجة حملة إعلامية ومناشدات عدة، إلّا أنّها تبقى أقلّ من احتياجات الغوطة". ويبيّن الأحمد أنّ "القوات النظامية ما زالت تستهدف المدارس والمناطق السكنية بقذائف الهاون وصواريخ أرض أرض. حتّى الطائرات الروسية التي تستهدف مدينة دوما تؤدي إلى قتل مدنيين بينهم أطفال ونساء".