لعل "أوبرا اختطاف من الحريم" لـ موتسارت تمثّل تجسيداً لصورة الشرق في الذهنيات الأوروبية في عصر الأنوار. ولعل أحد أسباب العودة إليها هو قياس متغيّرات هذا التمثّل من زمن إلى آخر. المسرحي اللبناني الفرنسي وجدي معوّض أعاد صياغة هذه الأوبرا التي انطلقت عروضها منذ أيام في باريس، وتستمر حتى منتصف الشهر القادم.
يروي العمل قصّة النبيل بيلموتي الذي اختُطفت خطيبته وحُبست في قصر أحد البشاوات الأتراك، فيقوم بتنظيم عملية اختطاف مضادّ لها. لعل في هذه الحبكة الكثير من مشروع معوّض أيضاً، إذ إنه كما صرّح مؤخّراً لجريدة "لوموند" الفرنسية، حاول أثناء عملية إعادة كتابة العمل أن ينقّي تلك الصورة المليئة بالكليشيهات ممّا تقدّمه الأوبرا عن المجتمعات الشرقية، فكأنها عملية اختطاف مضاد لـ "اختطاف من الحريم".
في حديثه أيضاً، بدا واضحاً أن معوّض يعرف أين يتحرّك، فالذائقة الفرنسية والغربية عموماً لم تعد تهضم النبرة الاستشراقية، وهو يُرجع ذلك لاختلاط الفرنسيين في العقود الثلاثة الأخيرة بغير الأوروبيين، وهو واحد منهم، حيث وجدوا أن الشرقيين ليسوا على الهيأة التي نقلها المستشرقون.
من النقاط التي مسّتها صياغة معوّض الجديدة إنهاءُ فكرة الجحيم وإسقاطه على الآخر، إذ رأى بأنه لم يعد ممكناً أن تكون ضمن العمل الفني المعاصر. لكن الأهم من ذلك هو وضعه عصر الأنوار أمام القدرة النقدية للفن، فرموزه، مثل موتسارت، ولكن أيضاً فولتير أو كانط، لا تخلو أعمالهم ممّا يمكن أن يستنكره العقل المعاصر، ففي النهاية كانت أوبرا "اختطاف من الحريم" تشّرع للتدخل الأوروبي في الشرق، وهو أمر يمتدّ إلى أيامنا هذه.