واكين فينيكس... لعنة الأدوار السايكودرامية

28 نوفمبر 2019
لماذا توكل الأدوار السايكوباثية إلى فينيكس؟ (فيسبوك)
+ الخط -
في فيلمه الأخير "جوكر"، للمخرج تود فيليبس، قدّم لنا الممثل الأميركي، واكين فينيكس، شخصية مثيرة للجدل، واقعية مؤلمة وهشة، تكشف عن واقع مجتمعي افتراضي، انعكست أحداثه سلبًا وبشكل مخيف على مهرج مضطرب عقليًا يبحث وحيدًا عن ابتسامة ضالة تواسي شقاءه من على خشبة المسرح.

شخصية امتازت بالعمق الإنساني، مركبة سايكودرامية ولكنها غير مفاجئة، عبرت إلينا بثقلها وهمومها بتفانٍ وإتقان لافتين، إذ كادت تخفي عنا أدوارًا مركبة عمادها العامل النفسي قدمها فينيكس في معظم أفلامه السابقة، بدءًا من جيمي إيميت في "TO DIE FOR" عام 1995. شخصيات سينمائية انسلخ فيها فينيكس عن ذاته ليتغلغل كليًا فيها حد الانصهار؛ فنجح في استيلادها وتجسيدها ضمن نماذج سايكودرامية متنوعة حضنتها أفلام عدة، منها ما لم يلق أي صدىً يذكر، مثل "لا زلت هنا" وفيلم "العودة إلى الفردوس" و"المهاجر"، وأخرى حققت شهرة واسعة أشهرها فيلم "المصارع" عام 2000، للمخرج ريدلي سكوت، أدى فيه دور الملك كومودوس الجاحد المتسلط المحب للسلطة والديكتاتورية من جهة، والعاطفي العاشق لشقيقته والمتألم بنرجسيته وشكوكه من جهة أخرى، وقد منح إثر هذا الدور أول ترشيح له لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل مساعد.

ترشيحه الثاني للأوسكار في فيلم السيرة الذاتية "السير على الخط" للمخرج جيمس مانغولد عام 2006، حيث قدم فينيكس شخصية المغني الراحل جوني كاش، وهي واحدة من أجمل الشخصيات المضطربة نفسيًا وأقلها تعقيدًا، وجلبت له جائزة الغولدن غلوب لأفضل ممثل، بينما ذهبت جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة رئيسية لزميلته ريس ويذرسبون في الفيلم نفسه، ولكن يبقى أفضل أدواره وأكثرها غموضًا وصعوبة دوره في فيلم "المعلم" THE MASTER للمخرج بول أندرسون، صدر عام 2012، وترشح لثلاث جوائز أوسكار من ضمنها ترشح فينيكس (للمرة الثالثة) لجائزة أفضل ممثل.

في هذا الفيلم، تقترب شخصية فريدي كويل بشكل كبير من سمات الجوكر وتلتقي في عديد من الجوانب السيكولوجية والفيزيولوجية المتقاطعة بين الشخصيتين، أضرار نفسية فجة وشخصيتان متبددتان تتسمان باضطرابات عصابية وعيوب ذهنية (ضمن إطار درامي مختلف)، فضلاً عن الأداء الاحترافي الذي أفرد فيهما فينيكس أقصى قدراته، من حيث التقمص والإيحاءات الجسدية.

كثير من هذه الأدوار تم تقديمها بنماذج مختلفة من قبل بعض أشهر نجوم السينما العالمية، شخصية رايموند بايبت في فيلم "رجل المطر" للمخرج بيري ليفنسون، واحدة من أشهر الشخصيات المضطربة نفسيًا وعقليًا، التي قدمها الممثل داستن هوفمان ونال على إثرها جائزة الأوسكار كأفضل ممثل. رايموند رجل انطوائي، يعاني طيفاً من أطياف التوحّد، في المقابل هو شخص عبقري يملك قدرة خارقة في الحسابات الرياضية. شخصية مركبة جذابة بتعقيداتها استحق معها هوفمان جائزة الأوسكار في دور يقدمه للمرة الأولى.



نستذكر، أيضاً، شخصية هانيبال ليكتر التي أداها الممثل أنتوني هوبكنز، في فيلم "صمت الحملان" للمخرج جوناثان ديم، والتي نال على إثرها جائزة الأوسكار للمرة الأولى أيضًا. لن ننسى أيضًا الراحل هيث ليدجر الذي انتزع جائزة الأوسكار الوحيدة له بجدارة عن دوره في فيلم "بات مان: ذا دارك نايت"؛ فقدم لنا شخصية الجوكر بأجمل حلة لها منذ ظهورها في عالم الكوميكس.

هذه الأفلام لا تبدد مساعي فينيكس صاحب الشخصيات المعقدة شبه النموذجية في خطف جائزة الأوسكار لعام 2020 القادم، لكنها تفتح باب التساؤل حول أحقيته بها من جهة، لا سيما أن هناك شخصيات سايكودرامية أخرى لا تقل شأناً عن الأدوار التي قدمها فينيكس لم تستطع حصد الجائزة رغم ترشحها لها، وتخفف بالمقابل من سقف التكهنات التي تشير إلى حتمية نيله للجائزة المنتظرة، مثل شخصية سام التي قام بتأديتها الممثل شون بن في فيلم الكاتبة والمخرجة جيسي نيلسون "I AM SAM" وشخصية عالم الاقتصاد الأميركي جون ناش التي قدمها راسل كرو في فيلم "عقل جميل" للمخرج رون هاورد عام 2001.
ومن جهة أخرى تدعونا لمعرفة مدى خصوصية الأدوار التي ينتقيها، هل نوعيتها هي التي تستهوي فينيكس؟ أم هي مجرد لعنة من الماضي موسومة بشخصيته الحقيقية هيأتها ظروف نفسية لكي يجسد مثل هذه الأدوار؟ فوفاة شقيقه الأكبر ريفير فينيكس بجرعة مخدرات زائدة عام 1993 كان لها وقع كبير على حياة واكين؛ فشكلت وفاة أخيه صدمة عاطفية بالغة امتد أثرها على ما يبدو ليطاول الشخصيات السينمائية التي يختارها، ولعل التشوه الخلقي (فلح الشفة) الذي رافقه منذ الطفولة له أيضًا دور كبير في ذلك. بطبيعة الحال، حتى وإن كانت جميع الشخصيات المعقدة التي قدمها واكين فينيكس منتقاة لأسباب خاصة به أو بطبيعة الفيلم، لا تعطينا الحق في إنكار براعته في تقديم نماذج متنوعة وصادقة تستحق معها نيل جائزة الأوسكار.
المساهمون