واقع العمل السياسي الإسلامي في الجزائر

25 نوفمبر 2018
+ الخط -
يعتبر العمل الإسلامي قوة محرّكة كبيرة جدا في الأوطان العربية عموما والجزائر خصوصا، وخاصة أن الإسلام محبب لدى كل الشعب الجزائري قولا وعملا، فما زال الإمام والمرشد الديني ذا مكانة في المجتمع الجزائري، وهو ما يبرز في كل المناسبات الدينية وحتى الوطنية...

فالدين ركيزة من ركائز الثقافة في المجتمع الجزائري، ولكن مع ذلك ما زالت الحركات السياسية الإسلامية تعيش وضعا يراوح مكانه، فلا تزال الأحزاب العلمانية هي السيدة في الجزائر، فمنذ الاستقلال عام 1962، لم نر سوى حزب جبهة التحرير الوطني هو ما يقود، أو في فترة ما حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي جاء ليكون حليفه ثم أصبح الحزب الثاني وراءه، وبقيت كل الأحزاب الإسلامية في حالها إلى يومنا هذا، ومن هنا وجب علينا جميعا أن نتساءل عن سر ذلك؟

إن الملاحظ للحركات الإسلامية في الجزائر، يراها في عباءات مختلفة لا عباءة واحدة، فهي برايات لا براية واحدة، فهناك حركة مجتمع السلم، وهناك حركة النهضة وحركة الإصلاح، ثم حزب العدالة والتنمية، وغيرها من المشاريع التي قد تظهر في محطة ما من المحطات وتصبح مشروع حزب إسلامي كما تأسست غيرها.

أنصار هذه الحركات يمنّون أنفسهم برؤية هذه الجماعات في كيان سياسي واحد، بقيادات موحدة وبأهداف كبيرة وطموحات أكبر، من أجل مجابهة التيارات العلمانية المتجذرة في المجتمع الجزائري، رغم ما يقال عنها من تغليط وتزوير واستغلال مصادر ورموز وتاريخ الدولة لصالحها.

ولعّل أبرز ملاحظة يمكن لأبناء الحركات الإسلامية أن يقدّموها لقادتهم ولأنفسهم، هي بعدهم عن مجالات عديدة ذات تأثير وأثر كبيرين في المجتمع الجزائري، على غرار مجال الزوايا والكتاتيب القديمة ومؤثريها، فقد استعمل أغلب رؤساء الجزائر في حملاتهم الانتخابية الزوايا كركيزة تنطلق منها شرعيتهم وقوّتهم، ولا أعتقد أن الأحزاب الإسلامية بعيدة في وجهات نظرها من هذه الزوايا، بل هي الأقرب لها من نظيرتها العلمانية.

كما يعاب على الحركات الإسلامية في الجزائر بعدها عن المجال الأكثر شعبية ومتابعة من الجزائريين، المتمثل في قطاع الرياضة بمختلف أنواعها وأشكالها ومستوياتها، إذ لا تعرف هذه الحركات الرياضة إلا في بعض الحملات الانتخابية في مناسباتها الداخلية، كمناسبة ذكرى وفاة مؤسسيها أو على غرار ما تقوم به حركة مجتمع السلم الإسلامية في ذكرى وفاة زعيمها الراحل الشيخ محفوظ النحناح.

فلا يخفى على أحد أن منتخب الكرة بالبلاد، هو الأكثر شعبية من كل الأحزاب الإسلامية وحتى العلمانية. وهو القادر على إفراح الشعب ولمّ شمل الأسرة الجزائرية على شاشة واحدة أثناء مبارياته، وهو الذي يحفظ الشعب كبارا وصغارا، أسماء لاعبيه ونتائجه الإيجابية والسلبية منها.

فدخول أبناء هذه الحركات، برسالاتهم وأفكارهم السامية لعالم الرياضة والنوادي ودور الشباب والرياضة ومراكز الترفيه الرياضية، قد يجعل انتشارها أسهل بكثير وأسرع من تلك الطرق التي تنتهجها. فهي أحد أكبر أساليب الاستقطاب وإيجاد المواطن الصالح النافع لمحيطه.

كما أن ما يعاب على هذه الحركات في السنوات الأخيرة، هو الاختلاف الداخلي الخفي بين جيل المؤسسين وجيل شاب يسعى ليكون رقما في الحاضر والمستقبل، فأغلب مؤسسي الحركات الإسلامية في الجزائر ما زالوا على رأس هذه الأحزاب، وهو ما يعطي صورة سيئة للجيل الصاعد ولغيرهم، بأن هذه التيارات ليس سهلا الوصول إلى سدة حكمها وصفّها الأول.

كما أنّ عقلية جيل اليوم تختلف عن عقلية الجيل الأول، فالأولون يحفظون الفكرة ويفهمون مبادئ الجماعة وقيمها ويعرفون تاريخها، وجيل اليوم يعرف عقلية بيئة اليوم ومتطلباتها وكيفية دخولها، فهم يفهمون أقرانهم والوسائل التي تجذبهم ونوعية الحياة النشطوية التي يريدونها.

وبين جيل أول يجهل مداخل مجتمع اليوم ومتطلباته، وجيل يجهل أسس الجماعة وثوابتها، فإنّ الحل هو الاستعانة بين حكمة الجيل المؤسس وحماسة الجيل الجديد، وهذا ممكن التطبيق بآليات وأساليب تحفظ هذا التعايش.

كما يعاب على هذه الحركات، عدم اعترافها بأخطائها كجماعة أو كأفراد قادة على كافة المستويات، فليس عيبا أن تكون قد أخطأت وفشلت في مرحلة أو محطة ما، بل مراجعة النفس وتقييم الجماعة لذاتها مطلب دوري لمواصلة المسار نحو تحقيق الأهداف والغايات، والاعتراف بالخطأ يجعلها تصحّح مسارها وتستدرك ما فاتها، بل تكبر في أعين منافسيها ومناضليها.

ومعاناة هذه الجماعات تزيد عندما يتعلق الأمر بمعاداة كلّ من ينتقدها وينتقد مواقفها، بل قد يصل الأمر لتصنيف منتقديها في خانة من يعادون الإسلام كلّه لا مخالفة موقف الجماعة فقط، فالجماعة المثالية هي تلك التي تعطي الكلمة لكل فرد فيها، وتحترم رأي كل منتسب لها، وتفتح باب المشاركة في صنع القرار وصنع توجهاتها لكل مناضليها، وتحترم مكانة كل مثقف فيها.

وبين بعدها عن الرياضة وعن الزوايا والكتاتيب الدينية، وعدم اعترافها بأخطائها وجب على أبناء هذه الحركات أن يتحدوا جميعا، مؤسسين ومستخلفين، نساء ورجالا، من أجل تشخيص واقعهم والتخطيط لمستقبلهم، لأن أمل الشعب الجزائري فيهم كبير وقائم ما بقيت الحركات العلمانية بعيدة عن تحقيق أمانيهم، والنهضة بالبلاد وتنميتها وتطويرها لتكون في مصاف الدول قارّيا.
5105A84F-6CD5-438D-A82A-C5FC0A3EEF23
فتحي بوخاري

أستاذ جامعي جزائري بجامعة الشهيد حمة لخضر بالوداي، ومدرب تنمية بشرية معتمد من الأكاديمية العربية العالمية للتدريب والتطوير.

مدونات أخرى