واقع الضفة لن يتغير إلا بزوال الاحتلال: برقة دليلاً

29 أكتوبر 2014
اعتداءات المتسوطنين في برقة (2013/عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -
نشرت منظمة "بتسليم" الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، تقريراً بعنوان "جدران الاحتلال الشفافة"، وهو التقرير الأول من نوعه الذي يفحص تأثيرات الاحتلال الشاملة على بلدة فلسطينيّة واحدة، وهي قرية برقة، الواقعة على بعد نحو ثلاثة كيلومترات شرقيّ رام الله، حيث يعيش نحو 2400 نسمة.

وذكرت "بتسيلم"، في تقريرها، أنه تم اختيار هذه القرية، لأنّها تمثل واقع الحياة المعيش في الكثير من القرى الفلسطينيّة الأخرى. فقرية برقة صغيرة ورعويّة، محاطة بالحقول، وتعاني قيوداً صعبة على الحركة تعزلها عن بيئتها، وسرقة واسعة لأراضيها وتضييقاً تخطيطيّاً. ويفصّل التقرير كيف حوّلت هذه القيود قرية برقة إلى قرية مهملة ومكتظة وفقيرة، يعيش نحو نصف سكانها على شفا خط الفقر أو تحته.

ولغرض إنجاز البحث، أجرت "بتسيلم" عشرات الجولات في القرية، بين ديسمبر/كانون الأول 2013 وأبريل/نيسان 2014، وشملت الجولات لقاءات معمّقة مع 40 شخصاً من سكان القرية بأجيال مختلفة.

وجاء في التقرير، أنه "صحيح أنّ سكّان برقة يعيشون في منطقة (B)، لكن على الرغم من الوهم الذي خلقه نقل الصلاحيات إلى السلطة الفلسطينية، فإنّ سيطرة إسرائيل الكاملة في كلّ مناطق (C) تسمح لها بالتأثير على أبعاد كثيرة في الحياة بمناطق (A وB) والتسبّب حتى في تجميد روتين حياة سكانها".

وأشارت المؤسسة الحقوقية، إلى أن ذلك يتضح من خلال إغلاق الطرق، إذ أفقد غلق الجيش الإسرائيلي مطلع الانتفاضة الثانية عام 2000، الطريق الرئيسيّة من برقة إلى رام الله، وهي ما زالت مغلقة حتى يومنا هذا. ويستغرق السفر من القرية إلى رام الله وبالاتجاه المعاكس نحو يوم واحد، بدلاً من دقائق قليلة، ونحو 45 دقيقة عبر طرق التفافيّة وملتوية لا تلائم حجم المواصلات الكبير. وقد حوّل إغلاق الطرق برقة إلى قرية منعزلة ونائية، وقيّد العمل والخدمات الطبيّة والتجارة والتعليم والثقافة لدى سكانها.

كما أسهمت في ذلك السيطرة على الأراضي بشكل رسميّ وغير رسميّ، إذ استند اقتصاد القرية تقليديّاً إلى الزراعة. ومنذ مطلع الثمانينات بدأت إسرائيل في إقامة المستوطنات على أراض كانت في ملكيّة سكان القرية الخاصة وفي جوارها. ونتيجة لذلك قُيّدت قدرة السكان على الوصول إلى أراضيهم التي كانوا يستخدمونها للزراعة. فنحو 947 دونماً من الأراضي التي يملكها سكان القرية تقع في داخل المستوطنات نفسها أو ما بعد طريق الدخول إليها، ويفتقر أصحابها لأيّ قدرة على الوصول إليها. إضافة إلى ذلك أنّ أعمال العنف المتكرّرة من طرف المستوطنين في المنطقة، ولمجرد وجود المستوطنين في المناطق الزراعيّة ومناطق الرعي التابعة للقرية، يمتنع السكان عن الوصول إلى نحو 1,280 دونم أخرى في ملكيتهم، على الرغم من عدم فرض أيّ تقييد كهذا رسميّاً.

كما أن للضائقة السكنيّة دوراً، إذ أن المنطقة العمرانيّة في برقة وبعض المناطق الزراعيّة من حولها في اتفاقيات أوسلو عُرّفت بأنها منطقة "B"، إلا أنّ غالبيّة احتياطي التطوير في القرية ظلّت في المنطقة المعرّفة "C"، وهكذا الأمر مع أراضيها الزراعيّة الشاسعة. وبما أنّ كلّ بناء أو تطوير في منطقة "C" يُلزمان بالحصول على تصديق من جهات إسرائيليّة، التي يكاد الحصول عليها مستحيلاً، فإنّ سكان القرية يعانون نقصاً في المباني السكنيّة والمؤسّسات العامة، حتى لو كانوا يملكون أراضيَ خاصة.

فيما تؤثر هذه القيود على كل أبعاد الحياة في القرية. فالوضع الاقتصاديّ في برقة صعب ومستوى دخل سكان القرية مُتدنٍّ، ونصف عائلات القرية على الأقلّ التي تحوي خمسة أفراد أو أكثر (نحو 75 في المائة من العائلات في القرية) تعيش على دخل يُعتبر في الضفة الغربية خط الفقر الأعمق (نحو 1,800 شيكل شهرياً) أو أقلّ منه.

وبحسب التقرير، فإن غالبيّة الرجال في القرية يعملون، إلا أنهم يعملون في وظائف جزئيّة أو عرضيّة ومن دون ضمانات اجتماعيّة. وتصل نسبة العاملين لدى من عمرهم 52 عاماً وأكثر إلى نحو 50 في المائة، ربعهم فقط يعملون بشكل متواصل وبالحجم الذي يريدونه. ويحاول سكّان القرية استكمال مداخيلهم من الزراعة ورعاية المواشي وتحضير الجبن أو العمل في البيت مثل الخياطة والتطريز، إلا أنّ المداخيل من هذه الأعمال متدنيّة. وتمسّ القيود المفروضة على الحركة إلى القرية ومنها بالخدمات التربويّة والصحيّة الممنوحة للقرية، نتيجة صعوبة وصول المهنيّين من خارج القرية إليها، وصعوبة الوصول لتلقي مثل هذه الخدمات خارج القرية.

ويجسد التقرير، كيفيّة قيام المستوطنات ومصالحها بلعب دور مركزيّ في إملاء السياسات الإسرائيليّة، حتى لو كان ثمن ذلك المسّ الجسيم بالسكان الفلسطينيّين، وكيف أنّ نسيجاً قضائيّاً إداريّاً يخنق القرية ويمنع سريان روتين الحياة والتطوير بشكل معقول.

ويؤكد التقرير، أن السلطات الإسرائيليّة تفضّل دائماً مصالح المستوطنين والمستوطنات على احتياجات وصالح السكان الفلسطينيّين. وعلى الرغم من أنّ إقامة المستوطنات ليست قانونيّة أصلاً، إلا أنّ الدولة تخصّص موارد كثيرة لتطويرها وحماية سكّانها، في الوقت الذي تبذل كل ما بوسعها من أجل منع التطوير الفلسطينيّ.

ويخلص تقرير "بتسيلم" إلى أنه لا يمكن للواقع في برقة، على غرار سائر الضفة الغربية، أن يتغيّر جوهريّاً، إلا مع زوال الاحتلال. ولكن بوسع السلطات الإسرائيليّة أن تقوم منذ الآن خطوات عدة، تؤدّي إلى تحسين كبير في حياة سكان الضفة الغربية. وفي حالة برقة، يجب على هذه الخطوات أن تشمل إزالة كلّ الحواجز والمعوّقات التي وضعت على الشوارع الواصلة بين رام الله وبين القرى التي تقع شرقها؛ وتنظيم وصول سكان برقة والقرى المجاورة إلى أراضيهم المجاورة للمستوطنات، والاهتمام بأن يكونوا قادرين على استصلاح أراضيهم ورعي مواشيهم بأمان، من دون أن يخشوا أذى المستوطنين؛ ومنح تصاريح لسكّان القرية للبناء على الأراضي التي في ملكيّتهم، والتي عُرّفت في اتفاقيّة أوسلو كمنطقة "C"، بما في ذلك البناء السكنيّ وتشييد المباني العامة المطلوبة لغرض تطوير القرية.

المساهمون