واشنطن وانتخابات الرئاسة المصرية: تهنئة رخيصة بحجم المهزلة

03 ابريل 2018
ترامب لا يكترث لما يحصل في الداخل المصري(فرانس برس)
+ الخط -

تُذكِّر تهنئة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرئيس عبد الفتاح السيسي بفوزه في انتخابات الرئاسة، بحكاية الرئيس الثالث والثلاثين للولايات المتحدة الأميركية، هاري ترومان، في تعامله مع رئيس نيكاراغوا، أناستاسيو سوموزا، في بداية الخمسينيات، عندما جرى إبلاغه بأن ممارسات هذا الأخير "سيئة ولا تطاق"، والوصف جاء بعبارة قاسية، فرد بقوله "صحيح. لكن سوموزا لنا".

البيان الذي صدر عن الخارجية الأميركية، أمس الإثنين، ينطق بمثل هذا الرد، فيه عودة إلى ذلك الزمان، إذ جاء فيه أن الإدارة "تتطلع إلى العمل مع السيسي لتعزيز شراكتنا الاستراتيجية ومواجهة التحديات المشتركة".

البيان لم يتوقف عند الشوائب الكثيرة التي رافقت العملية الانتخابية، والتي أبرزتها وسائل الإعلام الأميركية وسلّطت عليها الأضواء الباهرة وبصيغة لاذعة في نقدها: من شراء الأصوات بـ"ثلاث دولارات للصوت"، وفرض الانسحاب على المنافسين، إلى توقيف بعضهم ورفض قبول ترشيح آخرين باستثناء موسى مصطفى موسى، الذي جرى السماح بترشيحه فقط لتزيين اللوحة والإيحاء بوجود منافسة؛ لم يخف على أحد بأنها كانت صورية كجزء من الديكور.

واشنطن تعرف ذلك تماماً. لكن البيان، صرف النظر عن هذه الوقائع التي تتنافى مع القواعد البديهية المعمول بها في أية انتخابات تتحلى بالحد الأدنى من حرية الاختيار، والتي تشدد عليها واشنطن في سائر الحالات المماثلة التي تجري في الخارج ومنها انتخابات الرئاسة الروسية الأخيرة.

لكن للقواعد استثناءاتها الاستنسابية، خاصة في هذه الحالة؛ ولذا اكتفى البيان بالإشارة إلى عبارة "تقارير تحدثت عن حالات إكراه وتقييد لحرية التعبير، شهدتها العملية الانتخابية". لكن جرى تجهيل مصادر هذه التقارير (في العادة تكون السفارة الأميركية أحد هذه المصادر)، لئلا يصبح ذلك عائقاً لا يستقيم معه تقديم التهاني والمباركة بالفوز.

وعلى هذا الأساس لم تكن هناك حاجة، حسب هذه السردية سوى إلى التعبير عن "التشجيع" على "توسيع نطاق المشاركة السياسية للمصريين وإعطاء الأهمية لحماية حقوق الإنسان والدور الحيوي للمجتمع المدني".

بهذه العمومية، نأى البيان عن ذكر النظام المصري بالاسم كما عن حثه مباشرة على الالتزام بهذه الموجبات. وقد سبقت البيان تهنئة هاتفية أجراها ترامب مع نظيره المصري، مع "التأكيد على الشراكة الاستراتيجية الأميركية – المصرية".

يختصر هذا الخطاب مذهب ترامب في العلاقات الدولية، فهي من منظوره، لا تنهض سوى على مصلحة ثنائية آنية. القيم الجامعة، لا مكان لها في حساباته مع الخارج مثل مصر الحالية. ولا حتى الحد الأدنى من المعايير الانتخابية. الإطاحة ببديهيات الترشيح والتصويت، لا تهم طالما يلتزم "الشريك" بالمطلوب، خاصة فلسطينياً وإسرائيلياً.

ترامب لا يكترث لما يحصل في الداخل المصري، فهذا شأن خاص ومن "امتيازات" مصر، وأميركا ليست في وارد "بناء الدول". جرت محاولات في الكونغرس وبالتحديد في مجلس الشيوخ، لربط المساعدات بممارسة النظام الداخلية، كورقة ضغط كابحة؛ لكنها باءت بالفشل.

ولعبت المفاتيح الإسرائيلية دورها في هذا الإفشال، الأمر الذي قلّص مآخذ الإدارات المتتالية وانتهى بها إلى مجرد انتقادات خجولة واعتراضات من دون أسنان، ضد "الأوتوقراطية المصرية"، بحيث تحولت إلى تسجيل موقف لا أكثر. ومع إدارة ترامب تبخّر حتى مثل هذا التسجيل، فلا تجري مساءلة نظام السيسي بحجة أنه حليف في "الحرب على الإرهاب"، مع أنه بقي عملياً، خارج ساحة الحرب على "داعش".

لا يختلف اثنان من المراقبين في واشنطن، على وضع انتخابات الرئاسة المصرية الأخيرة في خانة المهزلة، وحدها إدارة ترامب ولفيفها تتجاهل هذا الواقع، لكن ذلك لا يغير في الأمر شيئاً؛ فالضوء كاشف والبضاعة ظاهرة على حقيقتها.

المساهمون