منذ الدعوة التي أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما في 18 أغسطس/آب 2011 إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد للتنحّي، ومغادرة السلطة لفقدانه الشرعية، لم يشهد الموقف الأميركي تحولات جوهرية إزاء ما يحدث في سورية، باستثناء تهديدات باستهداف النظام عسكرياً في منتصف عام 2013، إثر مجزرة الغوطة التي ارتكبها في محيط العاصمة دمشق بالسلاح الكيماوي، وحصدت أرواح آلاف المدنيين، معظمهم من الأطفال، ولكن هذه التهديدات سرعان ما تلاشت، بعد اتفاق روسي ـ أميركي قضى بتخلّي الأسد عن سلاحه الكيماوي.
في هذا السياق، يصف محللون الموقف الأميركي المتراوح بين الاندفاع الذي جسّده تصريح أوباما الأولي، والذي تبيّن بعد تعاقب السنين بأنه "أجوف"، وبين التردد الذي أفضى إلى قبول واشنطن بما تطرحه موسكو وطهران، عن بقاء الأسد في الفترة الانتقالية، بما يؤكد أن سورية ليست على قائمة الاهتمامات الأميركية المباشرة، وأنها ليست سوى ورقة للمقايضة في ملفات أخرى في العالم. وقد حاولت الخارجية الأميركية تبديد مخاوف المعارضة السورية، حيال مسألة تأجيل البتّ بمصير الأسد في مفاوضات جنيف، والمفترض أن تستأنف في منتصف مارس/نيسان المقبل.
في هذا الإطار، أكد المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني، حرص بلاده على تحقيق انتقال سياسي في سورية، بعيداً عن الأسد، موضحاً في بيان صادر عنه، يوم السبت، أن "الورقة التي قدّمها الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا إلى وفدي المعارضة والنظام، تشير إلى انتقال سياسي، يقوم على بيان جنيف1، الذي صدر منتصف عام 2012، ودعا صراحة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي".
وقد أعرب راتني عن اعتقاده بأن "الورقة قد تشير إلى تحول نوعي في موقف النظام من الحلّ في سورية، لما فيه مصلحة المعارضة"، مشيراً إلى أن "الانتقال السياسي في سورية ليس شيئاً غامضاً". وبيّن أن "مسألة انتقالية بعيد عن بشار الأسد ونحو ما هو أفضل، أي حكومة تستطيع إنهاء هذا الصراع وقيادة سورية وكل شعبها على نحو يتّسم بالمصداقية"، مشدداً على أن "حكومة بلاده ستواصل دعم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية".
اقرأ أيضاً: الفيدرالية تلتهم ثروات السوريين.."روج آفا" تستحوذ على النفط والغذاء
وجاء التوضيح الأميركي على خلفية تصريحات صدرت، يوم الجمعة، عن سيرغي رياكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، وقال فيها إن "المرحلة الحالية من العملية السياسية أصبحت بحد ذاتها ممكنة، بفضل تفهّم وجدناه لدى واشنطن بخصوص شعارنا الرئيسي، بأن تحديد كيفية تقرير مستقبل الرئيس السوري الحالي، يجب ألا تكون على جدول الأعمال في المرحلة الراهنة".
وفضّلت مصادر رفيعة المستوى في الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة، عدم التعليق على توضيحات راتني، وكشفت لـ"العربي الجديد"، أن "تصريحات موسكو وواشنطن متناقضة، وننتظر حتى تظهر الصورة بشكل أوضح".
وبدا تردد واشنطن حيال الملف السوري، أكثر في عدم جديتها في تقديم السلاح النوعي الذي تحتاج له المعارضة السورية، للصمود أمام قوات النظام والمليشيات. بل اتخذت الولايات المتحدة موقف المتفرج إزاء المجازر التي ارتكبها النظام، مكتفية بالتنديد والاستنكار، الذي أغرى النظام بالذهاب الى أقصى الخيارات "المتوحشة"، بما فيها استخدام أسلحة محرمة دولياً، وصواريخ بعيدة المدى والبراميل المتفجرة، والتي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من السوريين، وتشريد الملايين، وفرض حصار على مدن وبلدات، واستخدام سلاح التجويع لفرض إرادته على السوريين.
ويضيف العمادي "الإدارة الأميركية تدرك أن وجود الأسد ليس مفيداً، وغير ممكن في المستقبل، ولكنهم لا يمانعون ببقائه في الفترة الانتقالية لسببين: أولهما الواقع على الأرض بما فيه التدخل الايراني ثم الروسي، وثانيهما أن واشنطن على قناعة بأنه ليست هناك معارضة قادرة على استلام الأمور بشكل جيد للانتقال السلس الذي طالبوا به في بداية الثورة".
كما يُعرب العمادي عن اعتقاده بأن الأميركيين "لا يريدون رؤية تكرار لتجربة العراق التي تسبّبوا بها بحل الجيش، وحزب البعث"، مضيفاً "هم يعلمون (الأميركيون) ما يريدون ويفعلون ما هو ممكن في الظروف القائمة، ويقدرون الأمور بشكل يومي، ويعدلون مواقفهم بما يتناسب مع الواقع".
ويرى العمادي أن سورية ليست في صدر اهتمامات الادارة الأميركية في الوقت الراهن "إلا باعتبارها جارة لإسرائيل"، مردفاً أنه "ليس لديهم ما يهتمون به في سورية، وقالوا ذلك مراراً، والدليل أنهم لم يفعلوا أي شيء لأجل إنهاء الوضع المأساوي الذي تسبب به النظام في البلاد على مدى أكثر من خمس سنوات متواصلة".
اقرأ أيضاً: هل يُفشل مصير الأسد مفاوضات جنيف؟